الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

الطواف الآخر بأحسن الكلام

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 26 مارس 2024
يعيش اللبنانيون الذين تصوِّب مراكز إستطلاع وأبحاث ذات مصداقية على المستوى الدولي على أوضاعهم التي تراوح بين التعاسة وما هو دونها أحياناً، حالة من الطواف تبدو شكلاً نقيض الطواف الذي بدأتْه حركة "حماس" بعملية مفاجئة وشجاعة لكنها أسست في الوقت نفسه ﻟ "أم المآسي _ الكوارث" الفلسطينية ذلك أن ما أحدثتْه الحرب المنقوصة الأصول والشجاعة من جانب الجيش الإسرائيلي على مدى ستة شهور يساوي ما منيت به الحالة الفلسطينية على مدى ثلاثة أرباع قرن بدأت عام 1948، مع فارق أن صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كان أسطورياً وكما لم يصمد شعب معتدى عليه مثل شعب أوكرانيا.
يتمثل الطواف الذي يعيش اللبنانيون جولاته في مسعى عربي _ أميركي _ أوروبي ومسعى لبناني كامل حيث أنه يمثل لبنان الطوائفي هو مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية. بدأ المسعى العربي _ الدولي بشكل إفرادي كل دولة تسعى لوحدها مع بعض الكيانات الحزبية ورموز المؤسسات الرسمية اللبنانية من حكومة غير مكتملة تحاول الصمود في ظل عجز غير محترم من جانب البرلمان اللبناني على الإنعقاد وإنتخاب رئيس للجمهورية بعدما خلا كرسي الرئاسة من جالسه الذي أمضى سنوات رئاسية أحدثت تشققات نوعية في الصيغة اللبنانية وذلك لأن رئيس الجمهورية كان حاضناً ﻟ "حزب الله" تسديداً من جانبه لدور الحزب في ترئيسه. وبدل أن يكون إنصراف الرئيس إيذاناً برئيس يمثل الموزاييك المجتمعي اللبناني فإن خللاً نوعياً في المعادلة التقليدية حدث نتيجة إستحواذ طائفة دون سائر الطوائف على ورقة الشأن العسكري وبحيث أن "حزب الله" مقتدر تعبئة وعتاداً ما يوازي شأن الجيش الشرعي للدولة وربما أكثر، وعلى ورقة الشأن البرلماني المتمثل برئاسة للبرلمان حليفة للحزب وتنسقان معاً في الشأن اللبناني وبالذات رئاسة الجمهورية مستندين في ذلك إلى نجاحهما في سنوات مضت أكثرها أهمية سنوات الرئيس الجنرال ميشال عون.
بعد بضعة أشهر من تعجيز مجلس النواب اللبناني على تأدية الدور المناط به وكثرة التراشق الكلامي بين أطياف حزبية وسياسية إرتأت أطراف دولية وعربية القيام بمسعى غير مسبوق ماضياً في أي دولة. كان هذا الدور إفرادياً بحيث تبذل كل دولة ما تراه يفيد، ثم إرتأت الدول الخمس الأكثر إهتماماً بلبنان مكتمل المناصب السيادية وبالذات رئاسة الجمهورية تفعيل السعي لعله يثمر وفاقاً فينتج رئيساً. وتم إسناد مهمة المتابعة إلى السفراء. وهكذا بات سفراء الدول الخمس المهتمة بالملف اللبناني (السعودية. مصر. قطر. فرنسا. الولايات المتحدة) جولات من الإجتماعات تلتها لقاءات بولاة أمور الحكومة غير المكتملة والبرلمان المتعثر وأباطرة الأحزاب المتشنجة والمرجعيات الأمنية إلى جانب زيارة البطريرك الماروني الذي يتقاسم مع طروحات الدول الخمس الرأي بنسبة لافتة إزاء عقدة رئاسة الجمهورية.
وإذا أجيز لكاتب مثل حالي يراقب الطواف الدبلوماسي ويقرأ بإهتمام ما بين سطور تصريحات هذا السفير أو تلك السفيرة وكلام رفاقهم الثلاثة الآخرين الإستنتاج فهو أن حُسن النوايا لا تُطعم خبزاً على نحو المثل السائر وأن توسيع المجموعة بحيث تضم سفير الصين وسفير روسيا قد يجدي نفعاً رئيساً جديداً يملأ الفراغ الذي لا مثيل له في جمهوريات العالم والذي هو ليس نتاج فعل ديموقراطي على أساس أن حرية الرأي كما التعطيل مشهود بها للبنان، وإنما هو نتاج خلطة ديموقراطية _ دكتاتورية أو إذا جاز التحديد بتسمية واحدة إن النتاج هو فِعْل "ديموتوري" أي ديمقراطي بتوليفة ديكتاتورية. وفي هذه الحال قد تكون لزيارة تقوم بها اللجنة الخماسية إلى عرين الأمين العام ﻟ "حزب الله" في الضاحية فعل السحر في حل تعويذة تعطيل إنتخاب وليس تعيين رئيس للجمهورية اللبنانية. وهذه الزيارة ممكنة إذا إرتأى السيد حسن نصرالله إستقبال السفراء الخمسة كما إستقباله لآخرين أحياناً من بينهم "الرئيس ترشيحاً" سليمان فرنجية ثم رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل المنقلب بصيغة المتقلب على تحالُف دام أربع سنين كان نتاجه وفيراً، وكما حديثاً إستقباله في عرينه في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت (السبت 10.2.2024) وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان والوفد المرافق له وتلا ذلك في أكثر من مرة إستقبال بعض قادة حركة "حماس" الذين لهم في كنف الحزب مساحة رحبة. وأما إذا كانت الزيارة المشار إليها غير ذات ترحيب لدواع إحترازية فهذا يثبت ما نشير إليه في شأن عقدة إستحالة الحل أو تعطيله بفعل "ديموتوري".. أي تكراراً ديموقراطية في التخريج تحت وطأة دكتاتورية في فرض الموقف الواحد والشخص الذي لا غيره رئيساً للجمهورية، فإن إشراك سفير إيران في اللجنة الخماسية إضافة إلى إشراك سفير الصين وسفير روسيا من شأنه تيسير الأمور، إذ كيف ستنطلق سيارة المسعى الخماسي إذا كان هنالك جدار صلب أمام إنجاز الواجب المأمول إنجازه ويتشوق إلى سماع خبر مفرح في شأنه الشعب اللبناني الذي يكابد من تداعيات العبث "الديموتوري" بأحواله في إنتظار عائد معجزة الطواف من جانب اللجنة الدولية في حال باتت الخماسية ثُمانية.
والحديث عن الطواف الدبلوماسي وما المأمول منه، يتلازم مع طواف غير مسبوق في الحياة السياسية اللبنانية بالزخم الذي تحدُث فيه محطاته منذ أكثر من سنة ويتولاه مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية. وهذا الطواف الذي بدأت محطاته بعدما تولى الصحافي المخضرم جوزف القصيفي منصب النقيب ويحاول منذ توليه المنصب النقابي أن يكون للنقابة دور في العمل الوطني وجاءت أزمة الرئاسة المستعصية الحل بمثابة دعوة إلى النقابة لتؤدي كما نقابة المحامين على سبيل المثال دوراً في التنوير والإضاءة على المواقف ومن خلال طواف مجلس النقابة بكامل أعضائه التسعة وليس إختصاراً في شخص النقيب على المرجعيات.
وفي إطار التجرد وبالذات ما نشأ عن لقاء مجلس النقابة بالبطريرك الراعي ورئيس البرلمان نبيه بري، إرتسمت في أفق الأزمة _المحنة رؤى كانت غير مكتملة الوضوح وكذلك على سبيل المثال لا الحصر ما خرج به مجلس النقابة من لقائه بالوزير السابق سليمان فرنجية الذي لا يريد "حزب الله" غيره رئيساً للجمهورية وتلك أبرز نقاط التعقيد في الأزمة. والذي حدث أن فرنجية حسم في لقاء مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية ما كانت اللجنة الخماسية تتطلع إلى هذا الحسم من فرنجية وبالذات تأكيده حاسماً الترشح لرئاسة الجمهورية وقوله "أنا مع إتفاق الطائف وأي ثغرات تعالَج بالتوافق. أنا ضد التقسيم. لا فيتو من جانب أميركا أو السعودية على إسمي. الجميع يدرك أن لا رئيس دون رضى المقاومة وإن البعض يقدِّم أوراق إعتماده تحت الطاولة. "القوات" و "التيار" يختلفون على كل شيء ويتفقون عليَّ".
إعتدنا كصحافيين أن نقابل أهل السياسة والمرجعيات الحزبية الفاعلة وكذلك المرجعيات الأمنية لننقل إلى صحفنا كلاماً أو معلومة أو تصريحاً ننشره. ما إرتأى جوزف القصيفي المتمرس والمتجرد أن يترقب أهل السياسة ما يصدر عن طواف مجلس نقابة محرري الصحافة من معلومات أو تصريحات إستقوها من طواف بين الحين والآخر يقوم المجلس به وضمن رؤية أن لهذه النقابة دور وطني وليس فقط واجب نقابي.
عسى ولعل الطوافان الدبلوماسي مكتملاً والنقابي الصحافي مندفعاً يثمر كل منهما ما يبدد الإنطباع بأن درجة لبنان في البؤس مدعاة للأسى حيث أنه وفْق "مؤشر هانكي للبؤس العالمي" لعام 2023 هو الثالث بين أكثر دول العالم بؤساً عربياً، والأول بعد الأرجنتين ثم فنزويلا. ويلي لبنان سوريا، زيمبابوي، السودان.
لا حول ولا قوة إلا بالله. على لسان البائسين كي لا يصبحوا اليائسين إلى أبد الآبدين.
فؤاد مطر