الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

التفريط السويدي.. والحلم اللبناني

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط" 

بتاريخ الأربعاء 13 مارس 2024

 

ها هي الدولة الأوروبية السويد التي طالما كان حيادها عل مدى مئتيْ سنة بمثابة الحلم لعشرات شعوب العالم المكتوية بأنظمة وحكام متوزعي الولاءات غير متنعمي بالحياد، تقرر خلْع الثوب المنشود إرتداؤه من الشعوب المشار إليها وتصطف بدءاً من يوم الخميس 7 مارس/آذار 2024 رقماً في حلف مسكونة دوله بالحديد والنار والتدخلات وإحتكار الإرادات والتطلعات لدى أكثرية بني البشر. ولا نعتقد أن الشعب السويدي الذي تنعَّم جيلاً بعد جيل ممتن لتبديل رونق وضْعه المتواري بالوضع الأطلسي الجديد وبتوصيف رئيس وزراء السويد اولف كريسترسون الذي كان حيادياً ثم بات وهو يشهد يوم الخميس في واشنطن إحتفالية تسليم وزير الخارجية الأميركية انطوني بلينكن نظيره السويدي الوثائق الرسمية لإنضمام السويد المحايدة إلى الحلف الأطلسي، أو إذا جاز التوصيف إنتقال السويد من نعيم الحياد إلى جحيم الناتو. فالوزير الذي كان محايداً كان مبتهجاً ورئيس الوزراء إعتبر إنضمام بلاده إلى الحلف الأطلسي "إنتصاراً للحرية" وكأنما الحياد ديكتاتورية وأما الوزير بلينكن الذي سلَّم نظيره السويدي الوثائق الأشبه بتسليم شهادة التخرج من الجامعة فأوجز الحدث وكأنما هو هبة من رب السماوات والأرض بالقول ما معناه على النحو المثل الذي يقوله كل شعب بصيغة تناسب لغته "من جد وجد ومَن صبر نال ما تمنى". وأما عبارة بلينكن فكانت "من يصبر يجد". وأتبعها الأمين العام للحلف الأطلسي بعبارة تعكس حقيقة النوايا من وراء إصطياد السويد بعد فنلندا بنقل الدولتيْن من حياد حقق لكليهما الاستقرار والأمان إلى أنهما أصبحا بمثابة الفيلق السياسي _ العسكري المقيد بما تقرره عميدة الحلف الولايات المتحدة أأنظمة.

هذا الثوب الزاهي والذي يبعث الطمأنينة في نفوس الشعب السويدي وقبل ذلك الشعب الفنلندي والذي أطلسه التهويل الأميركي للحكومتيْن، بدافع الحماية من إجتياح روسي ذات بوتين أكثر طموحاً وأشد جسارة من فلاديمير الذي سيجدد الرئاسة لمرة ثالثة بأمل ألا تكون الأخيرة، يحلم بإرتدائه الشعب اللبناني بمن في ذلك الجموع التي تكتشف أزمة بعد أزمة رئاسية وتهجيراً بعد إعتداءات إسرائيلية تكتسب صفة إنزاح جمهور المقاومة من بيوتهم بعد إستهداف لمعظم البلدات مع تدمير متدرج للبيوت على من فيها وربما تتطور لتكون توأم الإبادة الغزاوية. والقول بأن الشعب اللبناني تواق إلى الحياد فلأن التطورات التي كابد الشعب ويلاتها والإستحقاقات التي دفعها وبكامل الرضى للخيارات الثورية الفلسطينية وصلت إلى حد أن أجراس كنائس في بيروت كانت تُقرع عند مرور موكب جنازة شهيد فلسطيني.. هذا في زمن "لبنان العرفاتي". كما أن لبنان الدولة وإن ليس بكامل الرضى الشعبي وهب الحركات الثورية الوافدة من كريم الإستضافة والتسامح ما حقق لهذه الحركات من بعثية وناصرية وقذَافية وقومية إجتماعية الكثير من مبتغاها ومن دون أن يجني لبنان الدولة أي مكاسب سوء أنه الوطن الساحة الديمقراطية. وهذا من قبل أن يصبح ثلث لبنان أرضاً ومجتمعاً إيراني الهوى والدور وفق الرؤية الإيرانية للوضع في المنطقة.

هذا الوضع الذي إنتهى إليه لبنان لا علاج له سوى بإعتماد الحياد الذي غيبت الحديث حوله والمطالبة بإعتماده سنوات عاصفة ووصايات بعضها على الوطن جغرافياً وبعضها على الذين يتم ترئيسهم للجمهورية وإستطراداً للرئاستيْن الثانية والثالثة، ثم نجد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ينفخ في جمر الفكرة بأمل تفعيلها وبحيث أنه عظة بعد عظة يجدد الكلام حول أهمية الحياد حلاً يؤخذ به لوضع لبنان على سكة الاستقرار. ولكن البطريرك طرح فكرة الأخذ بالحياد ومن دون التشاور مع سائر المرجعيات الروحية وبذلك بدت مناداته بإعتماد الحياد للبنان مجرد وجهة نظر المرجع الروحي لطائفة دون سائر الطوائف. لكن مع ذلك لقيت الدعوة إصغاءات من أكثرية مكونات المجتمع اللبناني والنظر إليها على أنها صيغة حل وليست لمصلحة تثبيت حقوق طائفة دون سائر الطوائف. ودعوة البطريرك الراعي التي تستهدف في مضمونها نقل لبنان من وطن ضاق ذرعاً بالهيمنات الخارجية والولاءات المجيرة خارج الحدود وخارج الحس الوطني، تحتاج في الحال اللبنانية الراهنة إلى ولوج جوهر الفكرة وشموليتها وتنوع الأصوات من جانب رموز فكرية وسياسية لبنانية وعربية صديقة وحريصة على لبنان. ونتذكر في هذا الصدد ما سبق أن قاله الأمير طلال أحد أبناء الملك عبدالعزيز لصحيفة "النهار" عدد 31 مارس/آذار 2007 "على رغم الإرتباط الوثيق بين الوضع في لبنان وكل من أزمة سوريا الداخلية ومعضلة الصراع السوري_ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية لا يزال هناك طريق يمكن ولوجه بإتجاه معالجة الأزمات التي يتأثر ببعضها فضلاً عن دور العامل المذهبي، وهو إعلان حياد لبنان، وينبغي أن تتوافق عليه جماعاته وأحزابه وطوائفه بمساعدة عربية. وقد تفيدهم في ذلك تجارب حيادية معاصرة كما في النمسا وسويسرا وغيرهما، وقد يهتدون إلى صيغة جديدة أكثر ملاءمة لهم..". وأيضاً ما كتبه ناشر الصحيفة غسان تويني (29 أبريل/نيسان 2008 أي بعد سنة من كلام الأمير السعودي) وبالذات قوله: "المطلوب أن نحيِّد لبنان بنظام مضمون دولياً عن العواصف والأهواء والمطامح والمطامع. أما كيف؟ ففي العالم غير البعيد نماذج يمكن أن نستلهم إختباراتها والأنظمة من سويسرا أو سواها في أوروبا. وهذا يفترض سياسة وطنية متكاملة لا تعتبر أن "قوة لبنان في ضعفه" بل نبحث للبنان عن قوة بديلة في السياسة الخارجية كما الدفاعية قوامها حياد يوفر لنفسه عناصر تضمن إحترامه وحمايته إيجابياً".

وأما خير ختام من كاتب مثل حالي عايش وطنه لبنان على مدى نصف قرن أهوال الحزبية والتحزب بكافة أهوائها وولاءاتها وأنواعها وحبائل مرجعياتها الخارجية العربية وغير العربية، لهذا التناول فهو: بالحياد ينجو لبنان. وبالحياد يزدهر. وبالحياد يتحقق الحلم ويسود السلام على أرضه وتغمر المحبة نفوس شعبه.