الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

النصح السعودي للإرتباك الأميركي

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط" 

بتاريخ الأربعاء 14 فبراير 2024

 

يحتاج ترميم أي علاقة متوترة بين دولتيْن في الدرجة الأولى إلى النية الطيبة لدى القيادة في كل من الدولتيْن وإلى التأمل في الوقت نفسه في حساب الربح الذي لم تؤكد حالات العلاقة بين دولتيْن أو بين دولة رائدة وقائدة ودول مجاورة وشقيقة أن مساحة الربح كانت ملحوظة. ولنا في الحكمة التي إتسمت بها رؤية خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز من أجا أن يستعيد الصف الخليجي صلابته وكيف أن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان رفد الرؤية السلمانية بمبادرة جعلت من الصف الخليجي بنداً في السعي الدولي لإنجاح أدوارٍ أو مهمات لا سبيل إلى تخفيف وطأتها في الحد الأدنى ووضْعها في مدار الحل الذي يتسم بالمسؤولية الأدبية من دون الإعتماد على الصف الخليجي من أجل إنجاز ذلك السعي. ولنا على سبيل المثال لا الحصر كيف أن الإدارة الأميركية التي إتخذت سياسة رمي المزيد من الحطب على جمر حرب إسرائيل نتنياهو على غزة وصلت إلى مشارف الإبادة حجراً وبشراً وبذلك أساءت إلى سمعتها كدولة عظمى، تجد نفسها كمن يسعى لدى المملكة العربية السعودية لكي تخفف ما أمكن تخفيفه من أثقال الوزر الغزاوي. وهي تنطلق في سعيها هذا من أن المملكة إعتمدت الحكمة منذ بداية حرب "إسرائيل نتنياهو" على قطاع غزة حيث كانت الإغاثة سخية منذ الأسبوع الأول كما أن رؤية الحل كانت كاملة الوضوح مع إستمرار التوضيح المعلَن عنه وغير المعلن.

 وهذا الموقف الذي يتسم بروية ثابتة هو ما يسمعه المسؤول الدبلوماسي والأمني الأميركي والبريطاني والفرنسي. ولا بد أن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن يخرج من لقاءاته في إسرائيل مع نتنياهو مازجاً يهوديته بواجبه في إدارة الرئيس بايدن، وكذلك في الرياض مع ولي العهد السعودي (الإثنين 5 فبراير/شباط 2024) يسائل نفسه: كم هو الفرق بين وضوح الرؤية السعودية للوضع وبين عدم واقعية موقف نتنياهو وكيف أن مصير الشعبيْن اليهودي والفلسطيني يتحكم فيه شخص فاقد الثقة بنفسه يتقدم العناد لديه على التروي ويرى في ما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2029 أنه تعويض لتطورات توهمية بأنه كان سيحقق التطبيع الكامل مع الدول العربية وأنه بذلك سيكون أهم من مناحيم بيغن الذي ما كان لظاهرة التطبيع أن تشق الطريق بأكثر من أسلوب معلن أو مستتر لولا تهيؤات الرئيس أنور السادات بأنه بعقد إتفاقية سلام مع إسرائيل سيجعل الدول العربية تسارع إلى الوقوف وراءه. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ... حتى إذا كان حاكماً بأمر البلاد والعباد. لعل وزير الخارجية الأميركية بلينكن الذي زار السعودية هذه المرة يمثل إدارة بدأت وعلى مستوى رئيس البلاد في موضوع نزوة نتنياهو الحربية متسرعة وإنتهت مرتبكة بعد الشهر الأول للعدوان على غزة يوضح للرئيس بايدن وطاقم صناعة القرار ما نصح به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال إجتماعهما.

هذه التوطئة هي حول أهمية التعامل مع الأزمات كبر خطرها أو عابرة وعلى نحو النهج الذي أداره ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لتصفير الأزمات الخليجية بما جعل الصف الخليجي مرجعية للنصح والتحذير وأيضاً للوساطة الموضوعية على نحو ما قامت به الدبلوماسية القطرية وبإرتضاء بل وتشجيع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لهذه المهمة الرائدة في ضوء الفعل الحمساوي الذي كان مفاجئاً للجميع بإستثناء الطرف الثوري الإيراني الذي درب وسلَّح وخطط ورسم وأعطى كلمة السر للتنفيذ.. إن هذه التوطئة تضيء حول كيف أن العوائد جزيلة عندما تدار الأزمة بروية الواثق الذي يدير ومن خياراته الحرص على الوطن والمواطن وليس التسبب في خراب ما بعده خراب وهذا من دون أن يتسبب ذلك الفعل بأي تداعيات ما حدث من جانب إسرائيل نتنياهو رداً على فعل جريء غير محسوبة تداعيات ما حدث رداً على فعل جريء غير محسوبة بدقة النتائج، بأي أذى لمرجعية المخطط.

هذه الروية تجعلنا نستحضر من أوراق المفكرة بما عليها من وقائع وأرقام وتواريخ الكثير من الخفايا المرجأ إلى  حين الإشارة إليها، كيف أن الرئيس عبدالفتاح السيسي إعتمد هو الآخر أسلوب الروية وترجيح مصلحة الوطن والمواطن (كما نهج الأمير محمد بن سلمان) على الذات الشخصية ولنا في علاجه للعقدة التي إستعصت في موضوع علاقة جمهورية مصر العربية مع روسيا ماضياً، والباقية على مدى سنوات إلى أن بدأ الرئيس السيسي العلاج وأثمر إستقراراً في العلاقة مع روسيا فلاديمير بوتين الذي تم ترشيحه رسمياً يوم الإثنين 29 يناير/كانون الثاني 2024 لولاية رئاسية جديدة مضمونة الفوز سيتم إجراء الانتخابات لها في الشهر المقبل (15/17 مارس/آذار).

الخطوة الأولى في سعي الرئيس السيسي بدأت قبل عشر سنين عندما إلتقى في الكرملين (فبراير/شباط 2014) وهو بزي الفريق أول _ وزير الدفاع في عهد الرئيس (الراحل) محمد مرسي. إستخلص بوتين من هذه الزيارة أن رجل المرحلة المقبلة في مصر سيكون زائره السيسي وعلى خلفية هذا  الإحساس زار بوتين مصر (9 فبراير/شباط 2015). بعد أربع سنوات وكان الجنرال السيسي بات الرئيس (أكتوبر/تشرين الأول 2015) وإستناداً إلى تقييم موضوعي دعاه بوتين لحضور إحتفالات الذكرى السبعين لإنهاء الحرب العالمية الثانية، وكانت المرة الأولى التي يدعو بوتين رئيساً مصرياً لهذه الإحتفالية التي تقام سنوياً. على خلفية الثقة بين الإثنين لبى بوتين بعد ذلك الدعوة من السيسي لزيارة مصر لتصفية معوقات. إستغرقت الزيارة بضع ساعات وتم خلالها توقيع  الرئيسيْن على بدء تنفيذ محط "الضبعة" لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية. هذا الإنجاز جاء يبلسم جراح مرحلة من التوتر البالغ إستهانة من جانب الرئيس (الراحل) أنور السادات بالإتحاد السوفياتي ويتمثل في إلغاء المعاهدة بين الدولتيْن من جانب طرف واحد (السادات) ومن دون التشاور، فضلاً عن إخراج مهين للخبراء السوفيات العاملين في الجيش المصري، ولم تحاول مصر حسني مبارك علاجه في زمن كرملين غورباتشوف وميدفيديف. كما جاء بالمقابل يعيد إلى الأذهان إزدهار العلاقة بين مصر عبدالناصر والإتحاد السوفياتي تسليحاً قوَّى من شأن مصر وعزيمتها وإنشاء سد أسوان العالي، ويتيح مجال الإفتراض بأن ما حدث إزدهاراً ماضياً مرشح للتكرار نووياً تعاوناً إستراتيجياً من الآن وحتى بقاء بوتين سيداً أوحد للكرملين لا ينازعه الزعامة التارخية منازعون حتى العام 2036 يكون بات عندها في الثالثة والثمانين بمثل السن الراهنة للرئيس جو بايدن. والأعمار في يد الله.

فؤاد مطر