الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

حرب الألوان الخمسة لا قدَّر الله

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 16 يناير 2024

كأنما المنطقة الملتهبة منذ السابع من أكتوبر 2023 بين حركة "حماس" الثورية والمستقوية بالسنديْن الإيراني والتركي لها و"إسرائيل نتنياهو" التي لا تقتصر مشاعر حكومته على الإستهانة بالفلسطينيين شعباً وقضية وإنما في نفوس بعض أعضائها كراهية لكل ما هو عربي.. كأنما هذه المنطقة على موعد مع صراع لا قدَّر الله سيرمي إلى المجهول أحلام التنمية المستدامة لتعويض ما ضاع في حروب وإحترابات كان عائد بعض دول الغرب الأميركي _ الأوروبي منها وفيراً مقابل عقود من التقتير والحرمان عاشتها بعض شعوب المنطقة. ويكفي للتدليل على ما ما نقول التأمل في مصائر لبنان وسوريا والفلسطينان الهادئة في الضفة "العباسية" حيث السُلطة لا قدرة لها على الحسم فيما فلسطين "السنوارية" الثائرة والآسرة في غزة تنشط معاركياً منذ عشرة أسابيع وبما ينطبق على فعْلها المُخاطر قول الشاعر مع بعض التعديل نحاول وطناً أو نموت فنعذَر.
الصراع الآتي لا قدَّر الله هو الذي ستكون ساحته عربية _ أفريقية ويكون مثل صراعات في الأزمان العربية الغابرة التي كانت تحدُث لأسباب تتصل بالماء والرعي. وها هو الصراع المحتمل سيكون على المياه بين العراق وإيران في حال بقيت الجارة الثورية للعراق التائه الهوية تستعمل ورقة المياه تصيب بلاد الرافديْن في زرْعهم وضرْعهم وشرابهم الذي لم يعد على ما كان عليه سواء بطعمه الدجلاوي أو مذاقه الفراتي. وما يحدُث بين حالة من الصبر وأُخرى من المعاناة في الجانب العراقي من الأثر المتعلق لإستعمال الجار الإيراني ورقة المياه لم يصل إلى درجة الخشية من إندراج العطش والتصحر وجفاف الحلوق كما التربة الزراعية نقطة الخطر، لكن في حال حدوثه سنجد العراقيين يتخلون عن وداعتهم وإنسجامهم المذهبي مع إيران الثورة والمرشدية والحرس ويشترطون حسماً لتفادي تشققات في التحالف الثوري _ المذهبي يقولون بالصوت العالي إن ورقة التعطيش في الزمن الغابر أنتجت من جملة ما أوصلت الحال إليه عاشوراء.
وإذا كان الصراع العراقي _ الإيراني في شأن المياه ما زال في الدرجة التي تقطع الطريق على حدوثه، فإن الصراع العربي _ الأفريقي يبدو في مرحلة تبعث على الخشية من الحدوث المفاجئ. وهذا الصراع نمت بذرته في زمن ترؤس حسني مبارك وإتخذ صفة التعاهد منذ 12 سنة حيث أن أثيوبيا بدأت في زمن ترؤس مبارك الحُكم خلفاً للرئيس أنور السادات الذي رحل مغتالاً يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981 العمل على إنشاء وتحت تسمية "سد النهضة" مطمئنة إلى حالة من عدم الاستقرار في "نظام الإنقاذ" في السودان ونظام وراثة السادات الذي هو الآخر غير مستقر بما فيه الشعور بالطمأنينة ومواجهة مسائل مستحدثة مع الجار الأفريقي (أثيوبيا) حيث الشروع في بناء السد أخذ المنحى الجدي وبداية التنفيذ ومن دون التوقف عند رفض كل من مصر والسودان التوقيع على إتفاقية تحدد حصص الدولتيْن ومعهما أثيوبيا من مياه النيل.
تتابعت التطورات للوضع السياسي غير المستقر في كل من مصر والسودان وإنشغل أهل الحكم بقضايا داخلية أساسية يُخشى من عدم التركيز على معالجتها إلى حدوث ما ليس لمصلحة الاستقرار. وهذا الإنشغال المشار إليه كان لمصلحة مضي أثيوبيا في عملية إنشاء السد وتعليق آمال الشعب الأثيوبي على عوائد هذا المشروع الضخم بعد تشغيله مستحضرين في تعليق الآمال على ما حققه "سد إسوان العالي" لمصر عبدالناصر على الصعيديْن المحلي والعربي والدولي.
إنقض "الإخوان المسلمون" على زمام الحكم في أعقاب مرحلة إنتقالية جنرالية لم تسمح تعقيدات إدارة الأحوال بما يُدرىء المخاطر التي تعصف بالثوابت السياسية والإجتماعية وفضلاً عن تأثير ذلك على إستقرار المؤسسات الأمنية، من إدراج موضوع "سد النهضة" ضمن الأولويات وبذلك إستفادت أثيوبيا وواصلت بجهود مضاعفة إنجاز بناء السد لتبدأ مع الرئاسة المستقرة التي بدأت بتولي عبدالفتاح السيسي الزمام، عملية الملء الأول للسد وهنا تفرض المخاطر على الرئيس السيسي الذي أدرج موضوع مخاطر السد على مصر وفقَ تقارير أهل الخبرة المائية وكذلك تجربة سد اسوان العالي في أولويات أجندة الرئاسة الملأى بعض صفحاتها بقضايا عالقة.
تنوعت الإتصالات والمساعي الأفريقية ثم الدولية وعلى أرفع مستوى حيث دخل البيت الأبيض (زمن الرئيس ترمب) طرفاً في السعي من أجْل إلزام أثيوبيا بإعتماد صيغة توافقية ترضي الجانبيْن: المصري _ السوداني الخاشي تأثير "سد النهضة" على حصة البلدين من مياه النيل والأثيوبي الذي سيكون خاسراً مادياً ومعنوياً إذا هو لم يكمل تشغيل السد على نحو ما يحقق له إلتفاف الشعب حول النظام وعوائد من تسويق الطاقة الكهربائية التي يحققها التشغيل الكامل للسد على دول عدة في القارة الأفريقية.
لم تثمر المساعي من أجْل وقْف ملء السد بالمياه قبل إنجاز إتفاق ملزم وإنتهت المحاولات الأفريقية والأميركية إلى أن المخاطر باتت ماثلة أمام مصر وباتت الخشية حاضرة بقوة من تأثير نقصان في المياه على الزراعة وعلى تشغيل المصانع كما على إحتياجات المصريين للمياه. والخشية تؤكدها المسألة السكانية ذلك أن عدد سكان مصر عند بدء الأزمة كان في حدود الثمانين مليون نسمة وها هو العدد مع بدء الولاية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسي يقترب من المئة وعشرين مليون نسمة ويشكِّل الإعتماد على النيل في الري ومياه الشرب نسبة تقترب من 98 في المئة. هل معنى ذلك أن الحكم المصري سيلجأ إلى تحلية البحر كما الحال في ليبيا ومعظم دول الخليج كبديل لإعتماد الشدة بأنواعها مع أثيوبيا.
مخاطر التحلية كثيرة والتسليم بالأمر الواقع خضوع لا مجال للأخذ به. وفي هذه الحال تبقى المواجهة ماثلة في المشهد. وتبقى شرارة إعتماد العلاج الناري أمراً وارداً. وهو علاج يكون بمثابة قطع شريط إفتتاح حرب من كل نوع في القارة الأفريقية أطرافها دول كبرى بعضها مثل روسيا والصين والولايات المتحدة يطمح في أن يكون له حصة في خيرات أراضي دول القارة وبعضها مثل فرنسا تأثرت مهابته بعد الذي فعله الجنرال النيجري بجمهورية الرئيس ماكرون الباحث عن دور لم يثمر حتى في لبنان. وهذه الدول ومعها إسرائيل رغم كبوة نوعية لحكومتها وجيشها في حرب أوضحت أن الشمشونية ليست بالمطلق جبارة والتي تمددت في القارة كما لم يفعل آخرون من قبل، قد ترى الدول الكبرى إياها في الحالة المصرية _ السودانية مع أثيوبيا المعاندة أنها أفضل فتيل لإشعال الحرب العالمية بجيوش ذات الألوان الخمسة الأبيض والأصفر والأسود والأسمر، والتي تكون هي بالذات الحرب العالمية الثالثة. وتحضُرنا هنا عبارة الرئيس دونالد ترامب (الجمعة 23.10.2020) وهو في عز رئاسته "إن مصر لا تستطيع التسليم بهذه الطريقة مع أثيوبيا وسينتهي الأمر بها (يعني مصر) إلى تفجير السد. قلتها وأقولها بصوت عال وواضح، سيفجِّرون هذا السد وعليهم أن يفعلوا شيئاً". كما تحضُرنا رسالة إحتجاج من وزارة الخارجية المصرية إلى مجلس الأمن الدولي (الجمعة 6 أكتوبر 2023) وبالذات عبارة "إن ممارسات أثيوبيا أحادية الجانب وإستمرارها في هذه الممارسات يشكل تهديداً وجودياً لمصر وإستقرارها ويعرِّض السلام والأمن على الصعيديْن الإقليمي والدولي".
لا قدَّر الله حدوث ما هو محتمل الحدوث.
فؤاد مطر