الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

التجني عام 2023.. والتمني في العام 2024

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"

بتاريخ الثلاثاء 26 ديسمبر 2023

على مدى آخر عشرة أسابيع من العام 2023 إصطبغ المشهد الإقليمي باللونيْن الأحمر (دماً بريئاً أريق) والأغبر (تدميراً ممنهجاً من جانب إسرائيل لرموز الحياة والإيمان والإشفاء في معظم مناطق قطاع غزة العربي _ الفلسطيني _ المسلم_ المسيحي). ولقد سجلت إسرائيل الرقم الأسطوري من حيث القصف المتواصل للأبراج السكنية غير عابئة بمَن فيها من أطفال ونساء وكبار سن، ولبيوت الله وللمستشفيات وللمدارس، وكل ذلك وبشكل خاص على سمع الإدارة الأميركية وأباطرة الإعلام الأميركي المتحيز المبتهج لآلة الإفناء حجراً وبشراً تعمل دون إستراحة وعلى أساس أن القاتل لا يرتاح وإنما الراحة هي للمحارب من أجْل حق ضائع على نحو ما فعله وما هنالك إحتمال لتطويره من جانب أبناء قضية مهانة ومستهان بها على مدى ثلاثة أرباع قرن ظالم وبأشد ما يكون عليه الظلم. كما شمل تسجيل الرقم الأسطوري مواقف بين الخجولة والمخجلة من جانب دول أوروبية كان المجلون فيها رئيس الحكومة البريطانية ومستشار المانيا إلى جانب الرئاسة الفرنسية. مواقف تفوق بكثير التجني الإسرائيلي والتبني الأميركي حيث كانت لهفة الفعل الفاقع السريعة لجهة التبني من جانب الرئيس الأميركي جو بايدن مدعاة عدم إحترام لمهابة المكانة لرئيس الدولة المصنفة أُولى بين الكبار، خصوصاً أن هذا التبني أتى رداً على الذي جرى من جانب طيف فلسطيني مسلوب الوطن والحقوق والحياة الكريمة من محتل إسرائيلي، وهو رد تجيزه الظروف البالغة القساوة والإهانة لمن يقاسي وطأة السُلطة التي تحتل وطنه وتشرد دونما رادع أصحاب هذا الوطن للعقد السابع على التوالي. فقد تصرَّف الرئيس بايدن وكأنما هو المصاب فبادر متحملاً مشاق الرحلات الجوية الطويلة مسرعاً إلى إسرائيل يتبنى موقفها ويزيدها مالاً وسلاحاً ويقرر إنخراط قوات من النخبة في جيش بلاده لكي يثبِّث أقدام الجيش الذي تخطط حكومته غير المكتملة ثقة الشعب لإقحامه في مغامرة إجتياح حربية غير محسوم أمر تحقيق مراميها التهجيرية إن هي حدثت، وتفرز نتائج تندرج في كتاب المفاجآت غير المتوقعة كتلك التي حدثت يوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وكانت مع إختلاف الدوافع والمعوقات توأم تلك المفاجأة التي حققتْها مصر الساداتية يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973. وكلتاهما الأولى ثم الثانية أخذتا حيزاً لهما في تاريخ الصراع العربي _ الإسرائيلي.

ومع الأخذ في الإعتبار الدافع الإنتخابي للرئيس بايدن من نخوته قولاً وفعلاً تجاه الحليف الإسرائيلي وكما لم تسجل النخوات من قبل مثل هذه اللهفة وهي قول رئيس الولايات المتحدة "ليس بالضرورة أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً. أنا صهيوني"، فإن الذي فعله الرئيس بايدن أكد من جديد أن الكلام الأميركي حول ضرورة الأخذ ﺑ "صيغة الدولتيْن" و"حق شعب فلسطين في أن تكون له دولة" إنما هو من نوع رفْع العتب وإبقاء عقار التخدير على فعاليته لدى أصحاب الحق العرب والمسلمين الذين يفتقدون على مدار الأربع والعشرين ساعة المسجد الأقصى ثالث الحرميْن كما إفتقاد إخوانهم المسيحيين لكنيسة القيامة وسائر رموز مقدساتهم في القدس وبيت لحم وحيث هنالك تراثيات يغيِّبها الاحتلال ويغض الطرف عن ذلك مسيحيو الغرب من أميركا إلى دول أوروبا.
ولقد كان حرياً بالرئيس بايدن قبل إطلالته المنحازة بنسبة عالية للتضليل الإسرائيلي في شأن إقتراف إثم قصف الكنيسة المعمدانية على سبيل المثال أن يوكل مهمة تهدئة المشاعر إلى وزير الخارجية الذي سبق إطلالته بتصريحات مفعمة بالتعاطف مع إسرائيل نتنياهو والتنقل على عواصم عربية بأمل الإستحصال على مواقف لمصلحة الظالم الإسرائيلي ضد المظلوم الفلسطيني. كما كان مأمولاً منه أن يكون أكثر دراية بواقع الحال في العالم العربي سياسياً وعسكرياً وبذلك يوصي بضرورة إتاحة الفرصة أمام مشروعيْ قرار في مجلس الأمن (روسي ثم برازيلي) من أجل وقْف إطلاق النار وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بدل تعطيلهما من جانب أميركا وبريطانيا وفرنسا واليابان التي فاجأ موقفها الذين يسجلون لها حرصها على الخطوات الإنسانية خصوصاً أن رائحة قنبلة هيروشيما لا تزال تزكم الأنوف. وهذا التعطيل من جانب الدول المشار إليها جاء لمصلحة الصين وروسيا اللتين أيدتا المشروع فأحرجتا معطلي القرار فيما الرئيس الروسي يُجري في اليوم نفسه محادثات في بكين مع الرئيس تشي جينبينغ تشكل طبيعتها المزيد من القلق للإدارة الأميركية.
في ضوء ما لم يفعله الرئيس بايدن لجهة إتاحة المجال أمام القرار الأممي الذي طابعه إنساني وليس للمكايدة مستكملاً بذلك مسلك التبني للتجني الإسرائيلي علاجاً غير ناجع للتحدي الحمساوي يوم 7 نوفمبر 2023، بات الأمل معقوداً على تطوير ما إنتهى إليه بيان الرئيس عبدالفتاح السيسي عن أعمال "قمة القاهرة للسلام" التي إستضافها يوم السبت 21 نوفمبر 2023 ولم تثمر، رغم المشاركة العربية والدولية بتمثيل متفاوت، ما كان مأمولاً منها وهو أن تتخذ موقفاً متوازناً ومعبَّراً عنه ببيان مشترك كما الحال مع القمم التي تنعقد، يتضمن توصيات قادرة على تفعيل الهدف من الإنعقاد. لكن القمة التي جاء إنعقادها مسايرة للطرف الداعي إليها أكثر منها قمة طارئة وفاعلة، إنتهت ببيان رئاسي مصري حافل بالتمنيات ﻟ وقْف الحرب على غزة وتأمين وصول المساعدات إلى القطاع والتحذير من مخاطر إمتداد رقعة الصراع مع التأكيد على أن مصر "لن تقبل أبداً بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة بالمنطقة ولن تتهاون للحظة في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي في ظل ظروف وأوضاع متزايدة المخاطر والتهديدات...". ومع أن البيان لم يأت على ذِكْر "حماس" بالإسم ولا أيضاً على إشارة بالإسم إلى إسرائيل، والإكتفاء بعبارة "القضية الفلسطينية" و"الفلسطينيون" وربما كانت التسمية تختلف لو أن الطرف الثاني في المواجهة مع إسرائيل كانت "السلطة الوطنية الفلسطينية"... إلا أن روحية إنعقاد المؤتمر ربما تفي بالغرض، كما أن مجرد إنعقاده يؤسس لمزيد من الإجتماعات ثنائية أو على مستوى القمة، وتشمل من يمثل "حماس" ومَن يمثل الجانب الإسرائيلي وبرعاية مصرية _ أميركية _ أوروبية لا تلقى إعتراض روسيا والصين. وفي هذه الحال تكون قمة القاهرة بمثابة مفتاح إقتحام النزاع في أكثر محطاته تعقيداً وهذا ما يتمناه الجميع الذين لا يريدون تطور الوضع إلى نزاعات تنتهي حرباً عالمية ثالثة في الحد الأقصى وحرباً متعددة الجبهات في الإقليم المثخن بالصراعات التي تحدُث على حساب التطلع نحو الاستقرار والتطوير بعد إستكمال تبرئة الجراح الجسدية والنفسية.
الآن وشمس العام المثخن بالدماء والخراب وبشر فاضت أرواحهم تحت أنقاض التدمير الممنهج من جانب "إسرائيل نتنياهو" فإن التمني بالصحوة هو بداية العلاج ﻟ "أم المآسي"فيعيد الرئيس بايدن الواعد نفسه بولاية رئاسية جديدة تقطر إحدى صفحات رئاسته الراهنة دماً أريق بما هو محرم من جانب رب العالمين، وينشط الرئيس عبدالفتاح السيسي بعدما نال ولاية رئاسية ثالثة ضمن الأصول، بحيث يتم تفعيل قمة القاهرة للسلام، التي كان إستضافها ويوظف المجتمع الدولي في شخص دولتيْ مصر وقطر المؤهلتيْن وحدهما دون سائر الدول للإسماع وللإصغاء لدى "إسرائيل نتنياهو" و "غزة السنوار".
لقد كان يوم 7 نوفمبر هو "فتى العام 2023" لعل السعي الذي نشير إليه يجعل من خاتمة مقبولة وقنوعة للمأساة الغزاوية حدث العام 2024. أو فلنقل "رجل العام 2024". ومَن يتفاءل بالخير والهداية يجدهما. فهل نأمل خيراً من أصحاب المساعي الطيبة الداعية إلى وضع خاتمة.
فؤاد مطر