الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

حوار روحاسي لا يشفي عبْر المحيط

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"

 بتاريخ الجمعة 6/10/2023

في السياق نفسه الذي تتسم به عظاته منذ أن بدأت أزمة رئاسة الجمهورية في لبنان قبل بضعة أسابيع قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي (الأحد 24_9_ 2023) في قداس وهو في زيارة تفقدية للبنانيي أوستراليا المسيحي منهم والمسلم على حد سواء إذ هذا معتقده السياسي الوطني "القانون والدستور مستباحان في لبنان مِن قِبَل النافذين ومخالفات أي عضو في أي حزب يتم طمسْها من قِبَل الحزب نفسه الذي يحمي المرتكِب...". أضاف:" في لبنان لا تُستوفى الضرائب والرسوم من كل المواطنين بل من منطقة دون أُخرى إما عمداً أو خوفاً من فائض القوة...". وزاد الإضافة إضافة بقوله "ولن نسكت عن تعمُّد تغييب رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في كل أُسرة جامعة الدول العربية...".

وحيث أنه يقصد في كلامه هذا من حيث الإتهامات التي أوردها "حزب الله" من دون أن يسميه، فإننا نرى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان يرد في اليوم نفسه (أو ربما القول مجرد مصادفة) ببيان يبدو مضمونه وكأنما يريد الأمين العام ﻟ "حزب الله" والرئيسان نبيه بري (رئيس مجلس النواب اللبناني ورئيس "حركة أمل") هما مَن يريدان قوله إنما حالهما في إبقاء التشخيص لواقع الحال الذي يريانه كما تشخيص البطريرك الراعي على نحو ما عبَّر عنه في عظة قداس اليوبيل الذهبي للأبرشية المارونية في أسترالياً وتضمَّن ما أوردناه من فقرات لجهة الإكتفاء بقاعدة اللبيب الذي يفهم من الإشارة.

في بيانه قال المفتي الجعفري:"لأن حجم الهجمة الأميركية يهدد وجود لبنان، ولأن المسيح ومحمد يريدان الحق فقط، أقول لشريك الوطن غبطة البطريرك الراعي: القضية في لبنان أن بعض المسيحيين لا يريد رئيساً مسيحياً، وما نعيشه منذ تشرين 2019 عبارة عن غزو أميركي طاحن بواجهات مختلفة. اليوم البلد مستباح ممن يتنكّر لحقيقة أن لبنان يعيش لحظة مواجهة عاصفة تقودها واشنطن ومجموعتها الدولية الإقليمية، والقانون والدستور يعانيان من عاصفة واشنطن وشراكة البعض معها لا ممّن خاض أعتى الحروب الوطنية لاستعادة الدستور والبلد والمؤسسات، وينادي الآن بالتضامن الوطني والحوار الإنقاذي، والمشكلة ليست بظلم الأشرار بل بصمت الأخيار. والنافذ الذي يمارس الطغيان ويستبيح الدستور هو فقط يتخلّف عن الإنقاذ الحواري رغم شراسة الحرب التي تطحن البلد. المطلوب أن نقول الحق ونصرخ به كما صرخ به المسيح ومحمد، وأن ننهض بالمظلومية لنمارس عبادة مواجهة الطغاة، خاصة مقاولي الشر ومرتزقة اللعبة الدولية. لذلك الحل بالحوار الإنقاذي لأن البلد يحترق واللعبة الدولية تريد رأس لبنان، والإستسلام السياسي يعني نهاية لبنان، وممارسة الفضيلة تبدأ من الكنيسة والمسجد، ولنصرخ معاً ولنسمّي الظالم وما يتعرض له لبنان من واشنطن ومجموعتها، ودون ذلك ستحرق الطائفية وطن الآباء، ومَن يغامر سيحرق البلد، ومن يطمع بما كان له زمن الغزو الصهيوني ينتحر...".

ما يخرج به المتابع لهذه العبارات التي تستوقف سامعها أو قارئها من الحوار الروحاني _ السياسي أو جمعاً للصفتيْن "حوار روحاسي" أن المنطلقات لكليهما تصب في بحر التخاطب العقيم الذي يبرع في مفرداته أولو الحزب والحركة والتيار والقوات ومَن يحلق في أجواء الجناحيْن اللذيْن عوض مساعدة الطائر الحزين الذي هو لبنان على أن يحلِّق في فضاء من الصفاء والتسامح والنية الصادقة على ترميم الوطن بأمل إبرائه من ويلات بعض مواقف المشار إليهم، فإنهم يزيدونه أثقالاً ومن دون أن يرف جفن هذا وجفون ذلكم الذين عن الواجب تجاه الوطن ساهون.

وهنا يجوز التساؤل، هل إن عدم تسمية الذين يقترفون الوزر ثم يتبعونه بالمزيد من الأوزار لهم دالة على المرجعيات الروحية ولذا نرى هذه المرجعيات في حيرة من ممارسة الواجب المطلوب؟ أما لماذا الحيرة ودواعيها لأن هذه المرجعية في خطبة قداس أو خطبة صلاة يوم جمعة معول عليها من جانب عموم الرأي العام إتخاذ مواقف نوعية كفيلة مع التكرار والتذكير بالواجب الوطني. وزيادة من أجل الحسْم تسمية المرجعيات المعطلة بأسمائهم. عدا ذلك يصبح الكلام الذي يقال بمثابة مضمون موقف يتخذه المرجع الروحي ووفق هوى الطيف الحزبي أو السياسي الذي يحسم أموراً. هذا إذا لم نقل إنه يضيف المزيد من التعقيد إلى العقدة التي تحتاج إلى مَن يحلها وإلى مَن يزيدها ربطاً من خلال مضمون حوار كالذي إستوقف اللبناني المغلوب على أمره وهو يسمع البطريرك الراعي يقول وهو في أوستراليا "لن نسكت عن تعمُّد تغييب رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في كل أُسرة جامعة الدول العربية...". ويرد عليه مَن يمثل "فائض القوة" التي أوردها مثالاً على الإضافة المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان بكلام أقرب إلى "الفتوى السياسية" منها إلى الفتوى الدينية التي يمثلها الشيخ أحمد، ويتمثل الكلام بعبارة "إن بعض المسيحيين لا يريد رئيساً مسيحياً. ومَن يغامر سيحرق البلد. ومَن يطمع بما كان له زمن الغزو الصهيوني ينتحر...".

خلاصة ما يمكن إستنتاجه هو أن هذا الحوار الروحاسي يعزز إستشراء العناد الذي يقطع السبيل على الوفاق. والعناد هو لسان حال رموز المأزق اللبناني ولذا تتباطأ مساعي الحل. وعندما يصبح الحوار عكس ذلك تطمئن النفوس بالتدرج وتبدأ قيامة لبنان هدياً بالقول الطيب إن حسنات الوفاق تُبعد سيئات العناد.

وإلى أن يفاجأ اللبناني بهذا الوفاق الحزبي والحركي والقواتي ستبقى الدوامة على ما هي عليه وستبقى الملامة حاضرة عند كل حوار روحاسي لا ينتج تفهماً ولا يفرز التفهم تفاهماً ولا ينتهي التفاهم إلى إستيلاد أعجوبة الرئيس الحادي عشر للبنان الذي خسر تسعين في المئة من رونقه الديمقراطي العريق. ولا حول ولا قوة للبناني المستقيم غير الحزبي أو المتحزب إلا بالله.

 

فؤاد مطر