الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

المحروسة... وموعد مع حارسها

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"

بتاريخ الإثنين 2/10/2023

يتأمل المواطن المصري ونعني هنا بالذات الذي من حقه أداء واجب الإقتراع في الإنتخابات الرئاسية التي تقرر إجراؤها من 10 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، في المشهد الإقليمي عموماً والأحوال المصرية الراهنة، فيخلُص إلى أنه على رغم الضائقات المعيشية على أنواعها ينعم بالإستقرار في ظل إدارة حُكْم جعلت المسألة الأمنية من الأولويات وبذلت من الجهد والمرونة لتصفير العلاقات التي إتسمت في مرحلة عابرة بنسب متفاوتة من التأزم. وحتى بعدما دخل الجار الليبي تلاه الجار السوداني في حالة من الفوضى التي قد تنعكس متاعب لمصر فإن النظام تعامل مع الحالتيْن بمفهوم الجار للجار والأخ للأخ كلاهما في محنة والأخ المستقر والمقتدر من واجبه مساندة ونُصح الأخ المرتبك الحائر في أمر مصيره، ويكفي تدليلاً على ذلك ما نسمعه من إخواننا السودانيين والليبيين الذين عبروا الحدود إضطراراً ووجدوا في ديار المحروسة إستقراراً، هذا إلى تعامُل نقيض الذي يلقاه السوريون الذين نزحوا إلى ربوع كثيرة بينها اللبناني والأردني والتركي والألماني. ونعني بالسوريين هنا أولئك الذين لا يلتزمون الأصول إقامة قانونية وسلوكاً.
ما جرى إعداده من ترتيبات للعملية الإنتخابية بعد شهريْن تعكس إنطباعاً بأن الفرصة متاحة أمام البعض لخوض غمار الإستحقاق الرئاسي ومن دون التردد تهيباً من أن الرئيس عبدالفتاح السيسي لديه من السُلطات يمارسها ما يجعل الأمر محسوماً وأن فوزه مؤكد كما فوزه في الإستحقاق الرئاسي الثاني الذي نال فيه 97 بالمئة من الأصوات. هنا يجاز القول إن الذين سيخوضون السباق معه لم يقدِّموا ما قدَّمه النظام على مدى خمس سنوات الولاية الرئاسية الثانية وأن رصيدهم سيكون في وعود يتضمنها برنامج ترشيح الواحد منهم سواء كان هذا الترشيح شخصياً، أو من خلال الحزب الذي يترأسه هذا المرشح أو ينتمي إليه. وهذه في أي حال لا تشجع الجمهور الناخب على الإقتراع له.
لكن مجرد إتاحة المجال أمام أكثر من مرشح ووفْق معايير صاغتها الهيئة الوطنية للإنتخابات تترك إنطباعاً بأن المناخ الديموقراطي هو ما تتصف به انتخابات الولاية الرئاسية الثالثة، إنما لا يعني ذلك أن هذا المناخ ليس مسوَّراً بالحضور العسكري والأمني بمختلف فروعه. وعلى مدى سنوات الولاية الرئاسية الثانية بالذات كان لهذا الحضور شأنه على الصعيد الإجتماعي والمعيشي الأمر الذي أوجد حالة من الود العفوي بين الظاهرة العسكرية والأمنية والمجتمع المدني وبالذات مجتمع الأرياف حيث هنالك كان إهتمام ملحوظ بالوضع المعيشي للطيف المحتاج من المجتمع المصري.
المهم من أجْل إزالة الإنطباع الموروث عن النسبة المئوية للفوز وهي نسبة إرتبطت بالولايتيْن الأولى (2014) والثانية (2018) للرئيس السيسي مع الأخذ في الإعتبار أن الهواجس الموروثة عن أجواء واكبت التجربة الإخوانية دفعت المصريين إلى التعبير عن رد الجمائل لوزير الدفاع (عبدالفتاح السيسي) الذي حسم الأمر وبما يجمع بين التضحية والشجاعة والمغامرة وأنهى رئاسة محمد مرسي (رحمة الله عليه) و "إخوانه" الممسكين بمفاصل الدولة المصرية على مدى سنة وبالذات المفاصل الإقتصادية والأمنية، وذلك من خلال الإقتراع لترؤسه بكثافة، وهو ما كان يحدُث مع السابقين الرؤساء (الراحلون) جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك (رحمة الله عليهم). وفي سنواتهم المديدة لولايات رئاسية تجددت لكل منهم لإستحقاقات حدثت أو موعودة، لم يتح بشكل موضوعي للمرشح المنافس أن يخوض الغمار في منأى عن المناكفات كما الحال الآن في الإستحقاق الرئاسي للمرة الثالثة الذي يتطلع إلى نيْله الرئيس عبدالفتاح السيسي أمام آخرين من بينهم "الإشتراكي" و "الدستوري" و "الديموقراطي".
وثمة حالات تأزم عالقة ورثها عهد الرئيس السيسي من عهد الرئيس حسني مبارك وهي أزمة "سد النهضة" التي تنقلها أثيوبياً من تعقيد إلى آخر ومن تأجيل في الحسم إلى تأجيل. كما هنالك خطوات متأنية على طريق تطبيع العلاقة مع إيران وبقية ثغرات في التوافق المصري _ التركي على التطبيع الثابت للعلاقات بدأ تطويرها بعدما أُستعيد تبادل السفراء. واللافت أنه بعد حدوث خطوات دبلوماسية على طريق إستقرار ثابت للعلاقة ناشئة عن تطلعات أردوغانية للحضور المؤثر في السياسة المصرية متكلاً بذلك على توظيف الورقة "الإخوانية" المستضافة بضع سنوات على الرحب والسعة والحرية الإعلامية في الرحاب التركية، يفاجىء الرئيس رجب طيب أردوغان نده المصري الذي وجه إليه دعوة لزيارة مصر بأنه إشترط أن يزور الرئيس السيسي تركيا أولاً، عِلْماً بأن أصول التزاور تدحض مثل هذا الإشتراط وتوجب على المدعو تلبية دعوة الداعي. ولكن هذا طبْع أردوغان الذي له تعابير كثيرة الحدة في لحظة الغضب أو التشاوف خصوصاً بعد فوزه بالرئاسة الذي كان مفاجئاً.
ويبقى أن سمة التواضع في شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي وحرصه على بناء العلاقة المستديمة واللفتات الرئاسية من جانبه ومنها على سبيل المثال لا الحصر صعوده إلى الطائرة الملكية التي كانت تقل الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلام عليه رداً على لفتة الملك (رحمة الله عليه) الذي حرص على أن تشمل رحلة العودة من جولة طويلة مصر تعبيراً عن دعم سعودي متواصل لها ماضياً وحاضراً ودائماً. ونرى الرئيس السيسي لتوفير مشقة الترتيبات البروتوكولية يقرر تحية العاهل السعودي وشكره بأن يصعد إلى الطائرة ويسجل بهذه التحية بادرة غير مسبوقة تركت ولا بد أثرها في نفس الشعبيْن السعودي والمصري على حد سواء وعلى أهل القرار.
وهذه البادرة فضلاً عن حيوية تتمثل في طبيعة زياراته الخليجية والدولية في حالات الشدة تعكس أيضاً سمة التواضع في شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي (بمعنى أنه مبادر) وتلقى الإرتياح لدى شعبه الذي يسجل له الإرتياح إلى أسلوب تخاطبه وإلى ترميم أمور كثيرة من بينها إبعاد التوغل العائلي والشخصي (تأثراً بما أخذ به عبدالناصر) الأُسري الذي طالما كان حديث الناس على مدى رئاستيْن سابقتيْن (رئاسة السادات ورئاسة مبارك) من حيث تشجيع الأبناء على وراثة منصب الوالد الرئيس، وتعيين مقربين في مناصب ذات شأن. لكن التوغل الذي كان الأهم في عملية الترميم تمثَّل في عدم تمكين "إخوان مصر" في إبقاء النظام، بل ومستقبل مصر، في قبضتهم.
الله أعلم إذا كانت المحروسة (التسمية المستحبة لدى المصريين لدولتهم) على موعد مع عبدالفتاح السيسي رئيساً يحرسها في ولاية ثالثة. والله أعلم مَن هو في ضلال أو من أحسن قيادة لشعبه وأضاف رقياً إلى بلده.
فؤاد مطر