الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

العرب والهند.. سر العلاقة المتوازنة

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"

بتاريخ الخميس 6/7/2023

عادت بي الذاكرة وأنا أتابع الزيارة الأولى لرئيس وزراء الهند ناريندا مودي إلى مصر عشية عيد الأضحى المبارك إلى الزيارة الأولى لرئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو قبل ثماني وستين سنة إلى مصر والتي أسست لما آلت إليه هذه العلاقة من دون إهتزاز. كما عادت بي الذاكرة إلى زيارة بمستوى الإهتمام والتقدير من جانب الهند لقيها سلمان بن عبدالعزيز (كان زمنذاك أمير الرياض). وفي تلك الزيارة (الثلاثاء 24 يناير/كانون الثاني 2006) كان لافتاً من حيث حرص سلمان بن عبدالعزيز على أن يتعرف الأبناء على الهند التي على أهبة أن تكون القارة السادسة، فإصطحب معه من الأبناء فيصل ومحمد وتركي ونايف وبندر الذين عايشوا نوعية التكريم الهندي لوالدهم ليس فقط لجهة مستوى الدعوة وإنما عند منحه الدكتوراه الفخرية وتحديد حيثيات منحْها ومنها "إنه المعروف دولياً بأعمال الخير ورجل النزاهة والخُلق ومساهمته في دعم المؤسسات التعليمية".
في زيارته مصر يوم الأحد 25 يونيو/حزيران 2023 حرص الرئيس الهندي على أن يكون ختام المحادثات مع الرئيس عبدالفتاح السيسي التي أثمرت رفع العلاقات المتطورة إقتصادياً وصناعياً وعلْمياً ودوائياً وسياحياً والمستقرة منذ النصف الثاني من الخمسينات إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، تمضية بعض الوقت في منطقة الأهرامات وإلتقاط الصور التذكارية وعلى نحو ما حرصت عليه زوجة الرئيس جو بايدن قبل ثلاثة أسابيع عندما زارت هي الأُخرى القاهرة بعد مشاركتها في الزفاف المبهر لولي عهد الأردن الأمير حسين بن عبدالله بن حسين بن عبدالله، تمضية فسحة سياحية في منطقة الإهرامات، وغادرت مصر بمجموعة من اللقطات لها بجوار آثار تاريخ عريق تفتقده الولايات المتحدة.
كانت زيارة البانديت نهرو إلى مصر بمثابة وضْع حجر الأساس ليس فقط على صعيد العلاقات بمختلف مجالاتها بين دولتيْن، وإنما بدت بمثابة إنصهار زعامتيْن في قالب واحد وتمثَّل ذلك في أن جمال عبدالناصر، التواق إلى دور يتجاوز مصر ويضعه في لائحة الزعامات الفاعلة في السياسات الإقليمية والأبعد من ذلك، وجد ما يتطلع إليه في نهرو الذي كان هو الآخر مسكوناً بالتطلعات نفسها. ولقد إكتشف الإثنان ما يدور في الخاطر عندما إقتبس عبدالناصر صيغة اللقاء الأول الذي على متن طرَّاد في البحيرات المرة (قناة السويس) منتصف فبراير/شباط 1945 بين رمز شأن الولايات المتحدة في الأربعينيات الرئيس (اﻟ 32) فرانكلين روزفلت ورمز تأسيس الدولة التي أمست حاضراً الرمز الواعد للشأن العربي في القرار الإقليمي والدولي الملك عبدالعزيز. ومثلما كان عائد اللقاء في الطراد الراسي على مياه القناة التي شكَّل تأميم عبدالناصر لها مجداً لم يكتمل على نحو ما يصبو إليه، وضْع بداية خارطة مسيرة علاقات متوازنة ومستقرة بين بلاد العم سام ومملكة عبدالعزيز وإن أساء بعض أبناء العم تفسير جوهر روحيتها وبالذات إدارة الإبن الحالي الرئيس جو بايدن، فإن محادثات عبدالناصر _ نهرو التي أرادها الرئيس المصري أن تتم على متن باخرة تنساب فوق مياه النيل الذي لا تموجات فيه وتتجه نحو ضاحية القناطر الخيرية التي طالما رسم فيها ملامح بعض خطواته، وحذا في إستراحتها الرئاسية الرئيس الخلَف أنور السادات حذو السلف الراحل ومن بينها صياغة قرار إبهات العلاقة بالتدرج مع الإتحاد السوفياتي بدءاً بإلغاء المعاهدة التي هو نفسه وقَّع عليها.
وفي الساعات التي أمضاها الإثنان في لقائهما الذي كان إقتباساً للقاء الملك عبدالعزيز _ فرانكلين روزفلت، تم التفاهم على أن تكون سياسة عدم الإنحياز قضية كل منهما والسعي لإشراك زعامات من آسيا وأفريقيا صمدت لبعض الوقت قبل أن ينال منها وإلى درجة الإفتراس كبار الشأن العالمي وبالذات الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي.
خلاصة القول إن العلاقة المتوازنة مع رموز الدول ذات التأثير الدولي والحضور الإقليمي وعلى سبيل المثال هنا العلاقة العربية _ الهندية المتوازنة تتحقق برموزها. هذا ما نعيشه في الجيل الثالث من الرؤساء في مصر عبدالفتاح السيسي بعد الرئيسيْن الراحليْن أنور السادات وحسني مبارك بعد الجيل الأول برمزه البعيد النظر جمال عبدالناصر. وهذا ما عشناه في العلاقة السعودية _ الهندية التي قرأت الهند في تكريمها للملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمة الله عليه الذي زارها عام 2006 ضمن جولة أسيوية ثم ﻟ سلمان بن عبدالعزيز أن العالم العربي على موعد مع حقبته في عهده تكون فيها المملكة رمز ريادات على المستويين الإقليمي والدولي. ومثل هذه الريادات يأخذ ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان وبإستحضار دائم من جانبه لمكانة خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز على عاتق إنجاز رؤاه التطويرية. وهذا ضمن المفاهيم التي ترى أن المسؤولية أمانة وأن الاستقرار هو ما يحقق العلاقة المتوازنة ويجعلها راسخة. ودليلنا على ذلك النموذج العربي _ الهندي الذي ثباته هو في السير دائماً على الصراط المستقيم.. صراط التوازن. عسى ولعل بعض الساهين من محترفي سياسة التدخل في شؤون الآخرين يأخذون ذلك في الإعتبار.. فيهتدون.
فؤاد مطر