الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

أرصف الغليان وسماء المسيَّرات

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"

بتاريخ الجمعة 4/8/2023

فيما حيوية ظاهرة المسيَّرات في ظل وطأة درجات مرتفعة من الحرارة تؤسس لحقبة من الغليان نيراناً وسيولاً وأعاصير تصبح جزء من متطلبات الميدان، ثمة ثلاث حالات تفرض عميق التأمل. الأولى إستهداف مسيَّراتي متكرر للعاصمة موسكو من جانب أوكرانيا التي زادها الأطالسة قوة تتسم بالرشوة أو بالتعويض عن رفض قبول عضويتها تفادياً لعلو منسوب الإستفزاز للرئيس بوتين الذي ما زال يعالِج بإجراءات تدميرية غير مستحبة ندبة الخروج من جانب جنرال المهمات الملتبسة صديقه فاغنر عن الطاعة أو في الحد الأدنى عن النص بلغة الممثلين في المسرحيات. بداية جرى إستهداف للكرملين رمز عنفوان بوتين وبعض الذين سبقوه تلت إستهداف برج تجاري "موسكو سيتي" سيجعل السكن فيه وتسويق المواطنين في محلاته عرضة للمخاطر، بمعنى أن من أصاب البرج للمرة الأُولى يمكنه تكرار فعْلته وتعدد الأهداف مزيداً من الأبراج والمناطق والأسواق وحتى الإضطرار إلى معاودة إغلاق المطار الرئيسي في العاصمة موسكو.
وأما الحالة الأُخرى التي توجب عميق التأمل فيها فتتمثل في المفاجأة التي حدثت في جمهورية مالي والتي فيها من ضيق صدر الجنرالات بالحكم المدني لا فرق كان ضمن الأصول المتبعة ديمقراطياً على النحو التي في ظلها وفي إطار الإختيار الحر والإقتراع الخالي من الضغوط، ما يشبع ضيق الجنراليْن في السودان (عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو/حميدتي) من الطيف المدني بمختلف أحزابه وهيئاته ونقاباته. وبصرف النظر عما إذا كان الجنرال النيجري المؤتمَن على سلامة رئيس البلاد أدى عكس الواجب الذي هو أدق الحراسة للرئيس، إستنسخ صيغة جنراليْ السودان، أو أنه لغم روسي جرى زرعه مع إهتزازات متقطعة في مهابة الرئيس بوتين، فإنه إنقلاب منقوص الشعبية يؤكد ذلك إنطباع شعب السودان عما فعله جنرالهما ومَن حولهما من ضباط، وهو إنطباع صادم مماثل للإنطباع الشعبي الروسي بنسبة لافتة إزاء الحرب التي بدأها ضد أوكرانيا وإفترض أنها لن تدوم أكثر من بضعة أسابيع وتتوَّج بإنصياع أوكرانيا للقبضة البوتينية وإذا بها تتحول إلى حرب إستنزاف للهيبة وللخزينة فضلاً عن إمتعاض من شعوب في دول العالم نتيجة إستعمال القمح وسيلة ضغط طالما قاسى منه ملايين تأثرت إحتياجاتهم إلى الأرغفة. ولقد كان مدعاة للتعجب كيف أن الرئيس بوتين الآتي إلى السُلطة من خلفية مخابراتية إقترف مثل هذا الحرمان لإحتياج أولئك الملايين الذين تأثر رغيفهم جودة وسعراً ووزناً. وفي أي حال إن رفْع العلم الروسي في عاصمة النيجر من جانب هتَّافين قاذفين بالحجارة إلى جانب إشعال حرائق في محيط سفارة فرنسا الدولة الخارجة من وطأة هيجان شعبي مردوده خسائر مادية ومعنوية ومن دون مكاسب، لن يعيد إلى مهابة الرئيس ما منيت به على مدى صولات وجولات كان في غنى عنها لو هو إقتنع بأن يمضي ولاية رئاسية هانئة ويغادر مذكوراً بالخير من شعبه، أي إذا جاز أيضاً القول لا يقتبس إقتراف الرئيس صدَّام حسين بغزوة الكويت التي عصفت به وبالعراق الذي ما زال إلى الحاضر يعالج ندوب محنة الغزو.
وأما ثالث الحالات المدعاة للتأمل فإنها تلك التي تمت يوم الإثنين 31 يوليو/تموز 2023 والمتمثلة بجولة من المحادثات في العمق وعلى قاعدة الود وإزالة المحاذير أجراها في بغداد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي مع المسؤولين أصحاب القرار في العراق ومحادثات في اليوم نفسه وفي بغداد بين وزيريْ خارجية العراق والكويت (فؤاد حسين والشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح) أثمرت تشكيل لجنة لإعادة ترسيم الحدود.
عسى ولعل هذا التوافق يُستتبع بإتفاق إيران والكويت وبمسعى العراق على موضوع حقل "الدرة" الذي تكرر المملكة العربية السعودية والكويت أحقيتهما في هذا الحقل وبأمل أن يثني التكرار الصديق المستجد (الحكم الإيراني) عن إعتبار الحقل من ممتلكاته كما إدعاءاته في موضوع الجزر الإماراتية الثلاث. وعندما يقول الشيخ سالم (الحامل إسم الجد المؤسس) في تصريح مقتضَب "إن أمن المنطقة يعد أمناً جماعياً. العراق بلد جار وتربطنا معه علاقات تاريخية متجذرة وقوية. كما أشعر بأنني مع أهلي في بغداد" فإن المرء الذي يأمل تفهماً إيرانياً لا يعكر الصفو السعودي _ الإيراني الحديث الإستيلاد يتمنى للعراق إنتقالاً من أحوال تنوَّع الإرتباك فيها إلى إستقرار مستديم تكون الكلمة الفصل فيه لأبناء الرافديْن وليس لآخرين تنوعت مشاربهم وأطماعهم بوسائل منع العراق من أن يعود ركناً في المعادلة الوطنية.
والله المعين للجميع في عصر الغليان الحراري على الأرض والسلاح المسيَّراتي في سماوات خلَقَها الله لتبقى ملأى بالنجوم ولتستقبل القمر العملاق. أنار الله البصائر.
فؤاد مطر