الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

نعيم الاستقرار من نعمة التجدد

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"

بتاريخ الأربعاء 2/8/2023

على مدى سنتين والرئيس عبدالمجيد بتون يبذل من السعي الأشبه بالسباح الذي يتعامل مع أمواج عاتية تحتاج إلى مَن يواجه محاذيرها وبحيث يصل بسلامة إلى الشاطىء.
لقد ورث الرئيس بتون جزائر متوعكة. رئيسها يكابد متاعب صحية دقيقة. وفيما المتاعب تشتد وتفرض على المتوعك علاجاً بين سويسرا وفرنسا، فإن بعض المحلقين في فضاء الحكم وظفوا مكانتهم وإنشغال كبير الدولة في حاله الصحية، فأثرى مَن أثرى وخالف ما هو مؤتمَن عليه مَن خالف. وهكذا رأى الرئيس بتون أن فتْح ملف الفساد هو المدخل إلى إستعادة الجزائر إنضباطها، يلي ذلك إعادة قراءة في ثنايا جوهر العلاقات بدول العالم مع تقديم العلاقة بالأشقاء العرب عن بقية العلاقات مع بعض دول العالم، الكبرى منها بوجه خاص. وكذلك التأمل بعمق في الحالات الوطنية العالقة وإعطاء الجانب الإقتصادي والإستثماري عناية فائقة.
خطا الرئيس بتون خطوات لافتة على طريق تصويب العلاقة مع فرنسا وبادله رئيسها ماكرون الحرص على التصويب وبالذات مع ما من شأنه التصحيح الحاسم لسنوات إستعمار أنتج عداوة في نفوس ثلاثة أجيال من الشعب الجزائري خصوصاً أن هذه الأجيال وجدت روحها تناقض لسانها. الروح عربية إسلامية لكن اللسان عبارة عن خلطة من الكلمات الفرنسية عصية على التعبير الواضح. ومن هنا كانت إنتفاضة التعريب التي شقت طريقها بإندفاعة وطنية ملحوظة. وجاءت إنتفاضة المشاعر العروبية من خلال مواقف بدأها الرئيس أحمد بن بيللا ولم تكتمل وعززها العقيد الرئيس هواري بومدين وكان لها أن تقاسم المكانة التي حققتها ليبيا العقيد الرئيس الآخر معمَّر القذَّافي لولا أن وطأة المرض كانت شديدة على بومدين ثم يأتي الرئيس بوتفليقة يحاول تنميتها لكن الحالة الصحية حالت دون تحقيق السعي. ورحل سي عبدالعزيز (كما كانت تطيب له المناداة هكذا) ليترك إرثاً بالغ التشابك وليبدأ الرئيس عبدالمجيد مداواة إرث الرئيس عبدالعزيز داخلياً وجوارياً مغاربياً وأفريقياً مع إعطاء العلاقة مع الأشقاء العرب زخماً بمفهوم العلاقة المستقرة التي تمتزج فيها العاطفة الأخوية بالرؤى الإستراتيجية، مع إبقاء هامش رحب في موضوع القضية الفلسطينية التي تعني للشعب الجزائري الكثير ويرى فيها أن صنو محنة الجزائريين مع فرنسا التي سبق أن استعمرت قرناً كاملاً وها هي تحاول أن تمحي من الذاكرة الجزائرية بقايا أوزار ذلك الزمن الذي كان فيه الإستعمار الفرنسي للجزائر على نحو إستعماره لبعض دول القارة الأفريقية. وفي ضوء الذي حدث في النيجر يبدو من مصلحة فرنسا الحاضر الماكروني التصرف بالتفهم وبالتواضع. وهي إذا كانت لن تعيد النظر فتعالج الأمور بغير زمجرة الصوت والتلويح بالسوط الحديدي، فإن الإنتفاضة الأفريقية في بداية الإنضاج وصولاً إلى ما يشبه الغليان الذي هو من غليان أحوال المناخ الذي نبه منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الخميس 27 يوليو/تموز 2023 من خلال عبارة "إنتهى عصر الإحتباس الحراري.. حل عصر الغليان. التغيير الحراري مرعب. هذه مجرد البداية". وإذا جاز الإفتراض فإن الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة الآتي إنعقادها بعد أيام ستكون دورة عصر الغليان بمعظم درجاته: الحراري والروسي والفلسطيني. ثلاثة من الغليانات التي سيندم الذين يوقدون مراجلها بأنهم ليسوا القادة الذين يحسنون من خلال التبصر والآخذ بالروية تبريد الغليانات على أنواعها.
وإذا جاز التوقع فإن دوراً قيد إستكمال ملامحه ستقوم به جزائر عبدالمجيد تبون في ضوء تعليق آمال روسية وصينية تبلورت بعد المحادثات التي أجراها الرئيس في موسكو وبكين وكانت موضع الرصد الدقيق من جانب الإدارة الأميركية التي لا هو زارها ولا الإدارة وجهت حتى الآن الدعوة. ومثل هذا الدور سيكون من أولويات رئاسته الثانية التي يتواصل التمهيد لها وبلورة معالمها سواء لجهة رسم إطار ثابت للعلاقة مع فرنسا وتعزيز لتوظيف طمأنينة الأوروبيين لموضوع الغاز الذي عوضهم الغاز الروسي في بناء علاقة ندية، وتطوير العلاقة مع كل من روسيا والصين وبما لا يجعل الإدارة الأميركية على تربص مستديم للخطوات الجزائرية وبحيث يتم إدراجها إلى جانب ترويض الوضع في ليبيا في بند الترقب بغرض وضع اليد عليه.
خلاصة القول إن رئاسة عبدالمجيد تبون الثانية _ بإحتمال ما هو وارد الحدوث_ هي المحك بل هي رئاسة أنجزت التصحيح والتعديل في خرائط مسيرة العلاقات لجزائر متجددة قوية بساحتها الأوروبية ومسنودة بثنائية القطب الشرقي (روسيا والصين) ومرغوب ودها من الإدارة الأميركية ديمقراطية الرئاسة لدورة ثانية أو جمهورية تستعيد الرئاسة من خاطفها.
هل سيأخذ التجدد مداه. ويعوض الجناح المغاربي من الأمة بعض ما يفتقده من الإستقرار في إنتظار هداية ليبيا إلى إستقرار يتطور إلى تجدد. والله الهادي إلى الصراط المستقيم الذي يؤكد أن نعيم الاستقرار هو من نعمة التجدد.
فؤاد مطر