الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

الضارة التي نفعت

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الخميس 27/7/2023

 

وفق قاعدة "رب ضارة نافعة" فإن المئوية يوم الأولى لحرب الجنراليْن التي أوصلت بلاد النيليْن وخيرات الأرض على أنواعها إلى مشارف الذل والحاجة إلى الرغيف، أنتجت ملامح نفع لأزمة عالقة منذ خمس عشر سنة طرفاها أثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة ثانية.

ما نقصده بحالة النفع تتصل بلقاء ثنائي بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الحكومة الأثيوبية أبي أحمد كان وفقاً للبيان الصادر عن الإجتماع مدعاة تفاؤل بإيجاد تسوية للأزمة المعلَقة في شأن "سد النهضة". ولقد جرى اللقاء على هامش "قمة دول جوار السودان" التي دعا إليها الرئيس السيسي وإستضافها يوم الخميس 13 يوليو/تموز 2023 وبدا في الصورة التذكارية محاطاً برؤساء دول وحكومات دول جوار السودان (مصر. تشاد. أثيوبيا. جنوب السودان. ليبيا. اريتريا. أفريقيا الوسطى) ورئيس مفوضية "الإتحاد الأفريقي" والأمين العام للجامعة العربية، كمَن يريد القول إن دول الجوار أولى من خلال التفاهم بعد التفهم بمعالجة أزماتها مهما عظُم شأن هذه الأزمات على نحو ما هو حاصل في السودان وإستدراك ما قد يحصل في حال بقي الموقف الأثيوبي من موضوع قد يشعل عدم حسمه حرباً لا قدَّر الله. ونقول ذلك على أساس أن مفردات التمنيات وأحياناً التحذيرات كما أحياناً محاولات دولية خجولة، من بينها مسعى أميركي، لم تُحقق إنفراجاً في الأزمة. ثم تأتي موجة الجفاف والظاهرة الحرارية وإحتمال إنحسار في مياه النيل المصري والخشية من إندلاع حرائق كتلك التي يأكل لهيبها غابات وأشجار ومحاصيل في بعض دول العالم وبالذات في إيطاليا واليونان، لتأخذ المسألة مناحل كثيرة الخطورة. فما يشهده العالم من كوارث يوجب المسارعة إلى عدم التسويف في أزمات طال كثيراً أمر البت فيها.

 في البيان الذي أصدره الرئيسان المصري والأثيوبي عن لقائهما يوم الخميس 14 يوليو "تأكيد إرادتهما السياسية المتبادلة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلديْن سياسياً وإقتصادياً وثقافياً إنطلاقاً من الرغبة المشترَكة في تحقيق مصالحهما المشترَكة، بما يسهم أيضاً بشكل فعال في تحقيق الإستقرار والسلام والأمن في المنطقة وقدرة الدولتيْن على التعامل مع التحديات المشرَكة...".

تلك عناوين تقليدية لطبيعة المحادثات بين الدول التي لا تعيش خلافات بعضها بالغ الحساسية مثل الخلاف المستديم في "سد النهضة" الأثيوبي وإحتمال تداعياته على مصر. لكن اللافت في البيان هي الفقرة اللاحقة والمتضمنة إتفاق الرئيسيْن على "تجاوز الجمود الحالي في مفاوضات "سد النهضة" من خلال الشروع في مفاوضات عاجلة للإنتهاء من الإتفاق بين مصر وأثيوبيا والسودان لملء السد وقواعد تشغيله. كما إتفقا على بذْل جميع الجهود الضرورية للإنتهاء منه خلال أربعة أشهر وإلتزام أثيوبيا خلال فترة المفاوضات وأثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023_2024 عدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان بما يوفر الإحتياجات المائية لكلا البلديْن...".

 اللافت أنه قبل التحادث وإصدار البيان كان رئيس الحكومة الأثيوبية حسم الأمر بإعلانه عزْم أثيوبيا على إجراء الملء الرابع لخزان السد خلال موسم الفيضان الحالي. هذا يعني أن التشغيل النهائي سيتم وسيبدأ إنتاج الكهرباء التي تعوِّل أثيوبيا على تسويقها لدول الجوار الأفريقي وبالذات تلك التي حالها كهربائياً مثل حال لبنان وسوريا منذ خمس سنوات. والتسويق المشار إليه وتعوِّل أثيوبيا على عوائده التي هي مثل عوائد القمح الأوكراني الذي عطلت حرب الرئيس فلاديمير بوتين تسويقه على الوجه الأكمل. وفي هذه الحال ستبدأ ملامح مخاطر التشغيل على حصة مصر من مياه النهر. وفي ما نبه إليه خبراء مياه ومسؤولون مصريون فإن بداية التشغيل من جانب أثيوبيا لمجرد إنتهاء الملء الرابع، هو بداية الأزمة المائية التي طالما شغلت بال أهل الحكم وبذلت الحكومة المصرية من المسعى الدبلوماسي الكثير تفادياً لمعالجة غير ودية لأزمة مصيرية.

هنا نتساءل: هل إن أثيوبيا ستعوض على مصر كهربائياً أو من خلال تسويق الكهرباء ما يطوي ملف الخشية المصرية؟ وهل إن أثيوبيا سترى في الحرب التي لا تتوقف في السودان أنه إضعاف للموقف المصري _ السوداني الموحَّد من أزمة "سد النهضة" فتواصل التعبير عن الرغبة في بذل "جميع الجهود الضرورية" من دون إغلاق نهائي لصفحة أزمة بدأت في عهد الرئيس حسني مبارك والرئيس عمر البشير وها هي قائمة... إلى حين.

والله الهادي إلى ترجيح الوفاق والتصرف بحكمة أمام الأزمات العالقة كي لا تنتهي مواجهة أشبه بحرائق.

فؤاد مطر