الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

حكمة العقلاء.. ونزوات الحروب

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الإثنين 24/7/2023

في الوقت الذي كان رئيس الصين شي جينبينغ يتجاوز قواعد البروتوكول ويخص يوم الخميس 20 يوليو/تموز 2023 الدكتور هنري كيسينجر الزائر، غير مبال بحساسية مئويته، بما يشبه التوسيم كلامياً بعبارة "لن ننسى أبداً مساهمتك التاريخية في تطوير العلاقات الصينية _ الأميركية"، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفضل المشاركة نظرياً وهو في الكرملين في قمة "بريكس" المقرر إنعقادها في جوها نسبورغ لتفادي إحراج حكومة جنوب أفريقيا من تنفيذ قرار محكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على الرئيس الذي بدأ حرباً لا يبدو أنها قريبة الإنتهاء على نحو ما يرضي كبرياءه المجروح من بعض عسكرييه إلى جانب جرح "فاغنر". فهو إذا واصل الحرب فإن الإستنزاف سيأخذ من قدرات روسيا العسكرية والمالية. وإذا هو أوقفها فإن مهابته التي أصيبت في العمق من جرَّاء إنتفاضة "جيش الرديف" المعروف ﺒ "فاغنر" والشبيه بعض الشيء ﺒ "قوات الدعم السريع" في السودان، ستنتهي بمَن ينقلب عليه. والحال على ما هي عليه إلى أن يلهمه الله الأخذ بالنصح السعودي والتمنيات الخليجية والإقتراحات التركية إلى جانب التردد الصيني في المؤازرة الفاعلة، وبذلك لن ينقطع الخيط الرفيع الذي يربط أواصر العلاقات. وإلى ذلك الأخذ بالحنكة الصينية التي أحدث تجلياتها ما أبداه رئيس الدولة جينبينغ من خلال ترحيبه المتميزبزائر الصين هنري كيسينجر، وبإطرائه المبثوث على الهواء لما سبق أن قام به هذا الزائر الإستثنائي يوم كان مستشاراً للأمن القومي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون قبل 52 سنة، أظهر الرئيس الصيني عمق أهمية ما أحدثته الزيارة الأولى لهذا المستشار البعيد النظر ومدى أهمية الاستقرار النسبي في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين التي كانت في حالة من العزلة قبل نصف قرن ثم ها هي الآن صنو الولايات المتحدة في رسْم خرائط التعامل بين دول العالم فيما تبدو مرشحة للخبو المتدرج شعلة الرئيس بوتين التي سبق أن أضيئت بإنفتاح عربي متدرج عليه إنسجاماً بتطوير علاقة رسم معالمها ولي عهد المملكة العربية السعودية رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وباتت ذات بُعد إستراتيجي.

كأنما الرئيس الصيني بالحفاوة التي أسبغها على ذي القرن يريد كذلك عدا الحرص على تقديم الروية على الإنفعال وإعتماد المرونة بدل التصلب من جانب إدارة الرئيس جو بايدن القول لبعض أهل الحُكْم وبالذات لمَن علا شأنهم وتكاثرت عوائد وعاديات تطلعاتهم، في حاضر هذا الزمن الحافل بالأزمات والتعقيدات، خذوا الحكمة من عقلاء بني قومكم، حتى بعدما لم يعودوا أصحاب مناصب رسمية عند إشتداد أزمة حُكم كما الحال على سبيل المثال في لبنان وليبيا، أو حالة إحتراب جاهلية كما الحال في سوريا والسودان، أو إفتعال حرب من دون الأخذ في الإعتبار مفاعيل أذاها التي تفوق بكثير مفاعيل كبرياء بادئها كما الذي حدث من جانب الرئيس بوتين ضد دولة إستقرت وباتت مستقلة كما سائر الجمهوريات في الزمن السوفياتي ثم ها نحن نراه بدل الإصغاء إلى عقلاء والإستعانة برؤاهم يوحي بحرب ينطبق عليها القول "عليَّ وعلى الأوكرانيين ومَن يقف معهم..."، وينشر في نفوس بني ديانته أرثوذكسيي العالم المسيحي بالغ الأسى لتدميره إحدى كاتدرائية اوديسا التي سبق أن إستهدفها ستالين في زمن إلحادي بتدمير مماثل.
وفي الإطار نفسه يحتاج إلى مثل هذه الإستعانة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي خطا، بعدما تأمَّن مبتغاه في حقبة رئاسية جديدة، خطوات أولية على صعيد معالجة حالات متوترة في العلاقات بين تركيا والدول ذات المكانة المتميزة في الخارطة العربية. وبصرف النظر عما إذا كانت الظروف الاقتصادية والإرتباك المالي الذي ترك حالة من عدم الاستقرار للعملة التركية، هي الدافع الأساس وراء الجولة التي قام بها وشملت السعودية ودولة الإمارات وقطر، تشكِّل جانباً من هذه الجولة التي أثمرت عقوداً مليارية يرد بتوظيفاتها كيد المعارضة المتأهبة للثأر من فوزه بالرئاسة من خلال مساءلة برلمانية في العمق للوضع الإقتصادي البالغ السوء. من هنا القول إن إعادة النظر في سياسة عشر سنين أردوغانية تحتاج إلى رؤى عقلاء ومستنيرين ينصحون بأن الدور التركي في المنطقة يحتاج إلى نوع من الإستكانة شأنه شأن الدور الإيراني، خصوصاً بعدما بات جلياً أن تطلعات كل من رمزيْ هذا الدور مآلها الذبول المتدرج لأن الإرواء للغرسة بالتعصب والبغضاء و"الجيوش" الرديفة مآله ثماراً بالغة المرارة. ونقول ذلك على أساس أن كلاً من الرئيس أردوغان والمرشد خامنئي نشر أشرعة سفينة التدخل في سيادات بعض دول الأمة وخصوصياتها بغرض أن يتقاسم الإثنان الإسلام أو الأنظمة الإسلامية فكانت التدخلات التي عطلت أحوالاً في دول عربية مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر والسودان.. وفلسطين المنقسمة الزعامة.
ثمة ما يشير إلى أن الرئيس أردوغان بعد عوائد الجولة السعودية _ الإماراتية _ القطرية والإيحاء بأنه من خلال صيغة الإستضافة سيُقنع المعتدي _ المحتل الإسرائيلي نتنياهو ورمز المعتدى عليه الفلسطيني محمود عباس، سيجني لرئاسته المجدَّدة عائداً وطنياً عربياً _ إسلامياً مجهول الملامح إلى حين اللقاء الإسرائيلي _ الفلسطيني في الرحاب الأردوغانية. إذا كان مثل هذا العائد سيعود بالرضى على الطرف الفلسطيني المعتدى عليه منذ ثلاثة أرباع القرن، فإن حقبة جديدة من الإستراحة تعيشها المنطقة بالتدرج ويحاكي فيها التبصر خطوات نوعية على طريق بناء عالم عربي _ إسلامي جديد ترى الجمهورية الإسلامية في إيران أن سلامة نظامها وإستقراره وكذلك سلامة "دويلاتها" في بعض دول المنطقة هو في تصفير الأزمات. والله المعين.
فؤاد مطر