الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

ملامح إستراحات من ضجيج الصراعات

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 20/6/2023

في الأفق الذي طالما حفل بكوابيس من الأزمات والصراعات والانشغال بما لا يحقق طمأنينة مستدامة، ملامح إستراحات قد تطول وتكون ثابتة وليست مثل الهدنة التي أرادها ساعيا الخير للسودان لكن الجنرالين الممعنييْن شروراً للوطن كما للشعب الذي إستكان بعد حركة إحتجاج مبهرة لا يلتزمان وبذلك أدرجا إسميهما في لائحة الذين لا يلتزمون بالعهود والوعود.

كانت القمم التي إستضافتْها الرياض والعلا وجدة وبأبعادها الخليجية والدولية والعربية والرموز المشاركين فضلاً عن مضامين البيانات الصادرة عنها، بمثابة قص شريط البدء بترجمة روحية تلك القمم وهذا ما بدا مدعاة للإعجاب بالإدارة الصينية للأزمات في اللقاء السعودي _ الإيراني الذي إستضافتْه العاصمة الصينية وبدأ العمل الجدي من أجل التنفيذ. ومن هنا يمكن القول إن الذي حفَّز الدبلوماسية الصينية على خوض الغمار هو النهج الذي إتسمت به تلك القمم فضلاً عن أهمية المكان الذي تم فيه الإنعقاد. ففي هذه القمم تبلورت حكمة خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز وسلاسة تسيير القضايا الشائكة بغرض تيسير أمر نقْلها من التأزم إلى التحفظ فالتوافق على ما يطوي بالتدرج القضايا العالقة الأكثر تعقيداً. وزيادة في القول إن القيادة الصينية ربما كانت لن تبادر إلى السعي التوفيقي لولا أن المملكة كانت مَن بادر من خلال تلك القمم التي أريد لها الإنعقاد لتنجح بإمتياز، وأن لا تكون فقط في العاصمة وإنما يكون غرب المملكة وشرقها ووسطها المكان للإنعقاد وتلك تجربة سبق أن أخذت بها مصر التي إستضافت القمم في انشاص والقاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ.
من ملامح الإستراحات التي المنطقة من تركيا وإيران إلى سوريا ولبنان وما بين هذه من حالات عالقة على موعد مأمول معها، أن العَلَم السعودي عاد يرفرف في سماء طهران كما رفرفة العَلَم الإيراني في سماء الرياض.. والعَلَم السوري على أهبة الرفرفة التي إكتملت خليجياً ومثَّلت كل من سلطنة عُمان ودولة قطر دوراً محموداً في هذا السبيل، تشكل إيذاناً للمباشرة بإعادة قراءة في الملفات وإعادة نظر في الأساليب وإعتبار ما كان يشكل حالات من منغصات العلاقات، تدخلاً أمنياً أو إفتراءات كلامية، ستتوارى بالتدرج من أجْل صفاء التعايش ووضْع العلاقة في حالة من التطوير بما يحقق الطمأنينة. عسى ولعل الأذرع الإيرانية في أكثر من دولة عربية وبالذات لبنان.. فأميركا إحتمالاً بعد المسعى العُماني الطيِّب تعتمد ميدانياً وإعلامياً ما لا يسبب عثرات لهذه الإستراحة. وهذه الخطوة تواصل تركيا الأردوغانية في عهدها الجديد الأخذ بها ضمن حسابات. بل ما يجوز إفتراضه أن تركيا ما بعد انتخابات الرئاسة لن تكون كما تركيا من قبل، وأن الرئيس رجب طيب أردوغان ربما يرى أن ظروف الفوز المبهر تجعله يأخذ في الإعتبار أنه بمنظار العملية الديمقراطية حقق الفوز أما بمنظار الواقع الإنتخابي فإن نصف الشعب التركي بزيادة بسيطة إختاره في حين أن الذين صوتوا لمنافسه المعارض كانوا أقل من النصف بنسبة بسيطة. هذا يعني أن يستحضر شعار "تصفير الأزمات" الذي سبق أن سوقت له الدبلوماسية التركية قبل خمس سنوات فيعيد النظر في خيارات كثيرة من بينها مساعدة الليبيين، وذلك من خلال طي ورقة العسكرة والتدخل السياسي _ المخابراتي في شؤونهم، وطمأنة مصر بما يجعل العلاقات معها خالية من الحذر، والتعاون مع الدول العربية بمفهوم الجار السابع الذي طالما أوصى به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ومجاراة إيران في نهج التعامل المتدرج الذي طالما بدأ دبلوماسياً فلا بد أن يتطور لكي يصبح أخوياً. وعندما يقتبس الرئيس أردوغان طموح "تركيا القرن" و "تركيا النجم الصاعد" من طموح "رؤية 2030" التي يضفي عليها رمزها الأمير محمد بن سلمان المزيد من الخطوات الواعدة في ضوء الحفاوة الدولية الإستثنائية في باريس بعد المحادثات المعوّل على نتائجها لبنانياً في الدرجة الأُولى، فإن ذلك مدعاة للتوقع خيراً في السنوات الأردوغانية الخمس الآتية التي هي الولاية الثالثة له التي تمناها ونالها بعد جولات من التحدي وطموحه أن يكون ختامها إعتبار تركيا برأسيْن تاريخييْن: أتاتورك _ أردوغان وليست فقط ﺒ الرأس الأتاتوركي.
ومن ملامح الإستراحات أن الإعتبار المحترم والموضوعي من جانب الصين للقيادة السعودية بدءاً بالزيارة التاريخية من الرئيس شي جين بينغ إلى المملكة (الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول 2022) وعقْده تلك القمة التاريخية مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، حفَّز الرئيس الفنزويلي الثوري نيكولاس مادورو على أن يقوم الثلاثاء 6 يونيو/حزيران 2023 بزيارة مماثلة ليست فقط بدوافع الورقة النفطية التي يملكها البلدان وإنما لأن خليفة الثوري الراحل هيوغو تشافيز قرأ في المشهد السعودي التنموي وأهمية توظيف الثروة النفطية من جهة والتوازن في العلاقات مع الأقطاب في العالم ما هو الأمثل كنهج سياسي فكانت الزيارة التي تندرج من حيث الدواعي والتطلعات ضمن مناخ زيارة الرئيس الصيني للمملكة ثم إشتراك الرئيس الأوكراني فلاديميير زيلينسكي في جانب من القمة العربية في جدة يوم الجمعة 14 مايو/أيار 2023، هذا إلى جانب التناغم الموضوعي بين ولي العهد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبما من شأنه تحقيق تسوية موضوعية للحرب الروسية التي لا نهاية لها في المدى المنظور على ما تشير التطورات بعد إزدهار سلاح المسيرات وإغراق السهول والبيوت جراء سلاح نسْف الجسور والسدود. عسى ولعل تأخذ أثيوبيا هذه الكارثة في الإعتبار بما يصون "سد النهضة". ومن الإشارة لا بد يفهم اللبيب الأثيوبي أبي أحمد ما نقول. وأما إطلالة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن للتحادث مع ولي العهد في اليوم نفسه لإطلالة الرئيس الفنزويلي وبما تكنه الإدارة الأميركية لنظامه، فإنهما تشكلان المزيد من الثبات للحكمة والحنكة في العلاقات سواء مع الأشقاء ومع الأضداد. ولا بد أن الرئيس السوري بشار الأسد المستعاد إلى ربعه الأشقاء العرب وخيمتهم الجامعة العربية سيأخذ في الإعتبار ضرورة تعديل حالة التوطين المزدوج الإيراني ثم الروسي، كما تستوجب منه الدواعي العربية والحالة الإيرانية كما العراقية واللبنانية فتح نافذة أولية للم الشمل الملاييني النازح المتناثر في خيم على مد النظر بين لبنان والأردن والعراق وتركيا والسودان ودول أُخرى، بأمل الإكثار من النوافذ وصولاً إلى فتْح باب إستعادة سوريا النازحة على مصراعيه كما إستعادة الجامعة العربية لها.
والله الهادي إلى سواء السبيل والإستفادة من ملامح الإستراحات.
فؤاد مطر