الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

مشاركة لبنانية مصرية لإستكشاف كيسينجر(2)

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 13/6/2023

بعد تغطية رحبة للحرب التي خاضتها مصر الساداتية (6 أكتوبر/تشرين الأول 1973) تعويضاً عن هزيمة 5 يونيو/حزيران 1967، وما أثمرتْه العلاقة لاحقاً في ضوء "ثغرة الدفرسوار" بين الرئيس أنور السادات والدكتور هنري كيسينجر من جنوح مصري نحو إبرام المسالمة الأُولى العربية _ الإسرائيلية المتمثلة ﺒ "إتفاقية كامب ديفيد" إقترحتُ على ناشر صحيفة "النهار" غسان تويني التي كنتُ أغطي ميدانياً التطورات العربية وبإهتمام إستثنائي التطورات المصرية ونشرت "دار النهار" بعض المؤلفات والأبحاث لي وأبرزها "أين أصبح عبدالناصر في جمهورية السادات" و "الحزب الشيوعي السوداني نحروه أم إنتحر" إستحداث سلسة من المؤلفات تصدر عن الصحيفة وتختص بالإضاءة على أُولي الأفكار والنظريات التي يعتمدها كبار الحكام في العالم على نحو ما فعلت الإدارة الأميركية عندما أخذ بعض رؤسائها برؤى الدكتور هنري كيسينجر عند صياغة مواقف ومبادرات إستثنائية ومنها "إتفاقية كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل على سبيل المثال لا الحصر. وعندما وصلْنا في تبادُل التشاور في الفكرة إلى إنشاء دار نشر مستقلة عن "دار النهار" ويكون هنالك تعاون معها في مجال الطباعة والترويج والتسويق نصح غسان تويني بأن تكون التسمية "دار القضايا" بدل "دار القضية" لأن التسمية الأخيرة من جاني تعني حصراً الاهتمام بما هو متعارف عليه أي القضية الفلسطينية.

خلاصة الأمر تم إنشاء الدار بالتسمية إياها (دار القضايا) وبدأت سلسلة "أفكار ونظريات العصر" بكتاب صدر عن مؤسسة نشْر عريقة في الولايات المتحدة ومؤلفه ج. وإرن يحمل عنوان "مخطط كيسينجر" تولى الزميل نبيل أبو حمد تصميم غلافه، وأحد زملاء حقبة الستينات في الصحافة باللغة الإنكليزية جهاد الخازن ترجمته وتولى مراجعته الزميل يوسف صباغ أحد الزملاء الضليعين باللغة الإنكليزية والمتابع الدقيق في صحيفة "الأهرام" للسياسة الدولية. وبحُكم علاقتي الطيبة بمؤسسة "الأهرام" من كبيرها محمد حسنين هيكل إلى عشرات الزملاء والكتاب الذين أعتز بهم تولى الدكتور سعدالدين إبراهيم كتابة تقديم إستثنائي من حيث العمق والإحاطة الفكرية والأكاديمية برؤى كيسينجر.
ما جمعني بالزملاء الثلاثة جهاد الخازن ويوسف صباغ وسعد الدين إبراهيم إلى جانب تزكية غسان تويني هو ضرورة إستكشاف كيسينجر المفكر السياسي والإستراتيجي الذي أمكنه ومن وراء أستار أصحاب القرار الأميركي _ المصري_ الإسرائيلي تحقيق التسوية الأولى في الصراع العربي _ الإسرائيلي بدءاً بالحلقة الأعلى مصر تمدداً إلى سائر الحلقات. وها هو كيسينجر وقد أنجز قرناً من العمر يتأمل في ما فعله. كما ها أنا أروي كيف إكتشفْنا للمرة الأُولى "مخطط كيسينجر" من خلال عباراته التي تعكس أفكاره ورؤاه التي أسجل في الآتي ومن الكتاب إياه بعضها:
_ "الدبلوماسية يستعاض عنها إما بالحرب أو بالسباق على التسلح.
_ "لا تقتصر مسؤولياتنا على رفْع مستوى معيشة الدول الحديثة العهد بل تتناول إعتقادنا بالحرية والكرامة الإنسانية مرتبطاً بالظروف الخاصة لهذه الدول.
_ "إن التصنيع بدلاً من أن يولِّد الديمقراطية فقد يزيل الحافز الاقتصادي لها.
_ "لا يمكن تسوية الخلافات بين الدول ذات السيادة إلاّ عن طريق التفاوض أو القوة بالحلول الوسط أو بفرض الحل فرْضاً.
_ "لم يكن محض مصادفة أن تنظر عدة دول بما فيها دولتنا إلى الساحة الدولية وكأنها منتدى تُنسف فيه الفضائل بأساليب المكر من قِبَل الأجانب.
_ "إذا كان العالم أفضل من مخاوفنا فإنه لا يزال أدنى بكثير من أملنا فيه.
_ "الزعماء الباهرون في الدول الجديدة هم أشبه شيء بالبهلوان الذي يسير فوق حبل مشدود، إذا أخطأ في نقلة واحدة سقط ودُقت عنقه.
_ "علينا أن نشيد نظاماً دولياً قبل أن تُفرض علينا أزمة ما كأمر محتم.
_ "الإستخدام السياسي للقدْر المتوفر من القوة مهما بلغ قد تغيَّر.
_ إن السلام يجب أن يكون أكثر من مجرد غياب الصدام.
_ "نقطة الضعف الرئيسية في دبلوماسية الولايات المتحدة هي عدم إعارة الاهتمام الكافي للناحية الرمزية في السياسة الخارجية.
_ "إذا كان السلام يعتمد في نهاية المطاف على الشخصيات، فيبدو أن النية الحسنة المجردة أهم من البرنامج المحسوس. والحقيقة هي أن محاولة إحراز تسويات معيَّنة تظهر وكأنها تعوق السلام ولا تساعده.
_ "إن محك الحنكة السياسية هو كفاية تقييمها قبل وقوع الحادث.
_ "رجل السياسة الذي يفرِّط في التغاضي عن خبرة شعبه يفشل في تحقيق الإجماع المحلي مهما بلغت حكمته وسياساته.
_ "على مخطط السياسة أن يهتم بأفضل ما يمكن تحقيقه. ويجب أن يعلم أنه مسؤول عن عواقب الكارثة وعن فوائد النجاح، وقد يكون عليه تعديل بعض الأهداف، لا لإنها قد تكون غير مرغوبة إذا ما تم التوصل إليها، بل لإن مخاطر الفشل تطغى على المكاسب المحتملة...". (إنتهت أقوال كيسينجر).
خلاصة القول إن هذه المقالة هي محاولة لظروف إكتشاف أفكار رمز إستثنائي من رموز العمل السياسي والدبلوماسي الدولي الذي له أثره المباشر وغير المباشر في قضايا عشنا محاذيرها في العالم العربي.
وإذا جاز النصح أو فلنقل الإقتراح فهو أن يقرأ أصحاب القرار العرب وأهل الدبلوماسية والسياسة العرب بعمق وبالكثير من التأمل ما كان يدور في خاطر كيسينجر قبل عقود من بلوغه المحطة الماسية من العمر. ففي القراءة إفادة.. وفي إعادة القراءة إفادة أكثر.
فؤاد مطر