الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

كيسينجر.. ويا لتلك الثغرة(1)

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"

 بتاريخ الأربعاء 31/5/2023

أمضيت السنوات الأولى من الحقبة الساداتية بحكم متابعتي الدؤوبة للتطورات السياسية العربية في صحيفة "النهار" اللبنانية، كثير الاهتمام بتعاطي وزير الخارجية الأميركية الدكتور هنري كيسينجر الذي بلغ أوج تخطيطه في إقناع الرئيس أنور السادات إبرام إتفاقية السلام مع رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن التي تمت في كامب ديفيد برعاية الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة جيمي كارتر حملت يوم 26 مارس/آذار 1979 _ 27 ربيع الثاني 1399 ﻫ تاريخاً للتوقيع الثلاثي عليها. وللتذكير فإن الإتفاقية التي تدعو الأطراف الأُخرى للنزاع (سوريا. الأردن) إلى الإشتراك في العملية، تنص في موادها الأُولى والثانية والثالثة على "إنهاء حالة الحرب بين الطرفيْن وإقامة السلام بينهما وسحْب إسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الإنتداب، وعند إتمام الانسحاب المرحلي يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية بينهما...".

ليس هنا المجال للإفاضة في الإضاءة عما تلا التوقيع من جانب إعتراض معظم الدول العربية على هذا الصلح المنفرد وتطور الإعتراض إلى تجميد عضوية مصر في الجامعة لبضع سنوات في أواخر عهد السادات ثم في بعض سنوات الرئيس حسني مبارك، وإستعادة مصر العضوية لاحقاً وبالروحية نفسها لإستعادة الرئيس بشَّار الأسد مكانة في قمة رأب التصدعات التي عُقدت  في جدة يوم الجمعة 14 مايو/أيار 2023 وأصدرت بياناً هو بمثابة خارطة للعمل العربي التشاركي في رسم معالم الطريق وفي فترة زمنية تحقيق إستعادة سوريا الدور ولم شمل النزوح واللجوء.

كانت السنوات الثلاث المصرية كيسينجرية في بعض ملامح العمل السياسي. فقد خاض الرئيس السادات الحرب وحقق الجيش المصري مفاجأة وأثلجت الصدور عملية العبور التاريخية. وفيما الفرح يسود الأجواء العربية في ضوء النتائج الأولية لحرب 6 أكتوبر 1973، وفيما الفرح يسود الأجواء العربية نتيجة الإنجازات الأولية لحرب 6 أكتوبر 1973 ومباهج العبور والإنتشار العسكري المصري في سيناء تغمر النفوس، دخل كيسينجر خفية على المشهد الحربي محفزاً إسرائيل على إحداث إختراق إسرائيلي باتت تسميته "ثغرة الدفرسوار". ومنذ تلك الواقعة باتت الثغرة محور الاتصالات والتصريحات والمتابعة من جانبنا كمراسلين عرب وأجانب. ومن دون أن تخطر في البال أن الثغرة فعل كيسينجري الغرض منه الإنتقال إلى مسالمة مصرية _ إسرائيلية وهذا ما إنتهى إليه الحراك الكيسينجري مفاوضات سلام بين السادات وبيغن (17 سبتمبر/أيلول 1978) مهَّد لتوقيع المعاهدة التي أشرنا إليها في سطور سابقة.

بداية دور كيسينجر يعكسه قوله عند حدوث الواقعة "إن حرب أكتوبر فاجأتْنا على نحو لم نكن نتوقعه".

هل كان صعباً على مصر إنهاء الثغرة وإكمال الإنتصار. وهل في هذه الحال لا يتم إبرام إتفاقية السلام وإنشاء العلاقات بالضغوط الأميركية.

أستحضر كإجابة من المرجعية الحربية المشير أحمد إسماعيل أوردها في مقابلة (أرادها مسجلة محتفظاً بنسخة من التسجيل) أجريتها معه في مكتبه ليلة الخميس 3 أكتوبر 1974 وبحضور مساعده وقائد الجيش الثاني خلال الحرب اللواء سعد مأمون، ومما قاله: "أمس كنت أتحدث مع أحمد بهاء الدين في أمر الثغرة. ولقد أكدتُ له وأريد أن أؤكد أيضاً لك أن موضوع الثغرة لم يكن مسألة صعبة بالنسبة إلينا كعسكريين" وإلتفت المشير إسماعيل إلى اللواء سعد مأمون وقال: اللواء سعد يجلس إلى جانبك. لقد عينْته ليصفِّي أمر الثغرة". ومن جانبي قلت للواء سعد مأمون: ليتك أنهيت موضوع الثغرة فلو إنتهت ماذا كان سيبقى لإسرائيل؟ ثم تذكرتُ الإنذار الذي وجَّهه الرئيس ريتشارد نيكسون وحمله كيسينجر إلى السادات في أسوان. وأضاف المشير إسماعيل:"وضعْنا خطة بالفعل لضرب الثغرة وأنا واثق من أننا كنا سننهيها ونشتت الجنود الإسرائيليين. وفي اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة عُقد في القناطر الخيرية يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 1973 عرضتُ الخطة على الرئيس السادات وأنا مقتنع بأن العدو فضَّل أن ينسحب بعدما أدرك أن الوضع ليس لمصلحته أبداً...".

كان كلام المشير إسماعيل يوحي بأن الموضوع سياسي وكذلك القرار. ومن أجْل ذلك تُرك الأمر للرئيس السادات الذي بات صديقاً للداهية كيسينجر.

ومن هنا وجدتُ نفسي تواقاً لإكتشاف هذه الظاهرة الكثيرة التميز في التخطيط السياسي والدبلوماسي لمناسبة مئوية الرجل.. وكان السعي حثيثاً من أجل ذلك. وهذا ما ستتبين دواعيه في مقالة لاحقة. والله المعين.

 

فؤاد مطر