الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

تأملات وخواطر حول الجولة والقمة

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ السبت 2/7/2022

أضاف الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى كتاب التعبير عن جوهر العلاقة المصرية مع المملكة العربية السعودية صفحة جديدة لافتة المحتوى شكلاً وقولاً وتتمثل في أنه كان وبالنيابة عن شعب المحروسة في إستقبال وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في مطار القاهرة يوم الإثنين 20 يونيو/حزيران 2022، والذي بدأ منها جولة شملت الأردن التي لقي فيها إستقبالاً في المطار من جانب الملك عبدالله الثاني بأبهة الإستقبال الذي لقيه في مطار القاهرة من الرئيس السيسي. في الحالتيْن كانت رموز الحكم مدنياً وعسكرياً إلى جانب كل من الرئيس المصري والعاهل الأردني.

في جانب من هذا الإستقبال ومثيله قبل أحدث زيارات الأمير محمد الإستقبال الذي لقية من السلطان طارق في زيارته الأُولى لسلطنة عُمان، ومن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد عندما زار معزياً برحيل الشيخ خليفة، تعبير عن مكنون التقدير للدور السعودي وكيف أن مصر والمملكة الأردنية حاضرتان في البال السعودي عموماً وتاريخياً مع دفق من الاهتمام الوجداني من جانب الملك سلمان بن عبدالعزيز الذاكرة الوقادة لمسيرة العلاقات العربية في سائر درجاتها. وفي جانب آخر فإن طقوس الإستقبال كانت إذا جاز القول بيعة عروبية مصرية وأردنية وقبل ذلك عُمانية وإماراتية للأمير محمد بن سلمان تنطلق من قراءة موضوعية لواقع الحال العربي وللأفق الإستراتيجي للعلاقات بين الأشقاء وهذا ما إنطبعت خطوطه العريضة على مفاهيم ورؤى أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في محطات متميزة على مدى أربع سنوات مضت وراوحت بين إستعادة الصفاء إلى أجواء العلاقات السياسية بعدما شابتها توعكات عابرة وبين إنطلاقة نوعية على طريق التطوير وإعادة نظر جذرية في صياغة مفاهيم وتقاليد. وفي السياق نفسه إضفاء مرونة على ثوابت بما يتعلق بأواصر العلاقة مع الدول الكبرى وبحيث بات التنويع يؤهل المملكة مستقبلاً لكي تكون العضو الذي يمثل الأمتيْن العربية والإسلامية في مجلس الأمن. ولطالما كان هذا المطْلب يتردد الحديث في شأنه لكن حالة عدم إكتمال التوافق والمقومات كانت تُضعف المطالبة به.

ما يلفت الإنتباه إلى جانب هذا الذي لقيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من مصر السيسي ومملكة عبدالله بن الحسين ومن تركيا أردوغان ثم من السلطان طارق والشيخ الرئيس محمد بن زايد، أنه حدد مستوى معدَّلاً للبروتوكول المتعارف عليه في عالم تبادل أهل الحكم للزيارات الرسمية، بدءاً من مستوى نوعية الإستقبال وصولاً إلى مستوى التوديع وبينهما نوعية التوسيم ومضمون البيان المشترَك حول طبيعة المحادثات. كما الذي يلفت الإنتباه أن الرئيس بايدن لا بد سيضع في الإعتبار وعلى نحو ما إستبق الرئيس أردوغان ذلك، أن الأخذ بما سبق وأوجزه الملك سلمان في عبارة "علاقة الرياض بواشنطن مفيدة للعالم" التي سمعها منه الرئيس باراك أوباما عندما إجتمعا يوم الجمعة 2 سبتمبر/أيلول 2015 تحتاج إلى المزيد من الصفاء في الرؤية من جانب الرئيس جو بايدن (الذي كان نائب أوباما) عندما سيلتقي في المملكة قادة دول الخليج ومعهم رئيس مصر وملك الأردن ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي "صقر السلام" المأمول في المنطقة، أن العلاقة القائمة على الثقة التي تربط هؤلاء بالمملكة والتي لقي أمر تثبيت مفاهيمها جهاداً مضافاً من جانب وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان هدياً برؤى خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان، أفادت العالم بالفعل يشهد على ذلك الإستقرار في المواقف والتنوع في الخيارات مع دول العالم وبالذات مع كبيراتها الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والهند. وعندما باغت الرئيس بوتين العالم بمقامرته الأوكرانية، وبدا العالم على شفير تفجيريْن: (تفجير على مدى شهريْن متواصلين للبنيان والتراث في دولة جارة، وتفجير وطأة الجوع وشدة الصقيع وعتمة الليل وما يستتبع ذلك من ويلات سببها الغاز الروسي المحجوب والقمح الأوكراني المتقطعة سبل تصديره مع سائر أنواع الحبوب والأسمدة) فإن تعاطي المملكة الذي يتسم بالحكمة وإحترام كبيرات دول العالم لهذا التعاطي من واشنطن إلى بطرسبرغ وموسكو إلى لندن وباريس، مثَّل نوعاً من التبريد للحريق قبل أن يمتد خارج الأرض المعتدى عليها، هذا إلى أن أجواء التعاون التي نشرتها المملكة أفادت في طمأنة الخائفين الباحثين عن بدائل تستبق حدوث ما هو أعظم.

في أي حال ستتضح الأمور عندما يرى الرئيس بايدن نفسه أمام نصف العالم العربي كجغرافيا ومجمله كرمز للموقف العربي عموماً للطرف المشارك في القمة الموعودة أو مَن يرى أن القادة العرب المجتمعين بالرئيس الأميركي يمثلون موقفاً متجانساً إزاء الأساسيات وبالذات إزاء الموضوع الفلسطيني الذي كان يُفترض بعد إتفاقية السلام المصرية _ الإسرائيلية أن يبدأ شق الطريق نحو تطويره موضوعياً وكذلك بعد إتفاقية السلام الأردنية _ الإسرائيلية وإتفاقية أوسلو، وأن يحتضن الجمع الدولي بكثير من الإمتنان والدعم والمؤازرة مبادرة السلام العربية، ذلك أن أي إشارة إليها وبالذات من الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية من دون تفعيل إنما هو رفْع عتب يصل التأجيل في التبني العملي للمبادرة إلى التسويف فتذويب ما أجمع عليه القادة العرب في الأسيد الصهيوني. وبعد تطور نوعي حدث على صعيد التطبيع الإستنسابي من جانب دول باغتت خطوتها في هذا الشأن تقاليد التشاور الرسمي في رحاب الجامعة العربية، فإن الرئيس بايدن لا بد سيسمع من الجمع العربي الحاضر من التقييم والنصح في هذا الشأن وبما سبق وإستحضرناه من الذاكرة، عبارة الملك سلمان للرئيس كلنتون الذي بات أحد المراجع الإستشارية للرئيس بايدن "علاقة الرياض بواشنطن مفيدة للعالم" وإفادتها نوعية إزاء وضْع المبادرة العربية للسلام موضع التنفيذ.

في أي حال إن الجولة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان تبدو إضافة إلى عمق رسوخ علاقة المملكة العربية السعودية مع مصر، كما لو أنها بند في جدول أعمال جديد من نوعه للقمة العربية _ الأميركية التي تستضيفها المملكة، أي بما معناه إنها ليست للتباحث وإنما لتبادل المطالب، مطلباً مقابل مطلب، وبحيث يكون الإستحقاق مقابل إستحقاق.

ويبقى التذكير بأن اللهفة المصرية وبالذات من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسي ليست مفاجئة. وبالنسبة لمتابعي مسيرة العلاقة المصرية _ السعودية مثل حالي، لا بد يتذكر تلك اللفتة الإستثنائية السابقة ومن جانب الرئيس السيسي نفسه. ومن باب المصادفة فإنه في اليوم (الإثنين 20 يونيو 2022) الذي كان الرئيس السيسي يتقدم مستقبلي وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في مطار القاهرة، كان في موعد متقارب (الأربعاء 19 يونيو/حزيران 2014) قبل ثماني سنوات يسجل مبادرة غير مسبوقة حيث أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمة الله عليه) العائد من إجازة في قصره المغربي وكان ما زال في حالة من التوعك بعد العلاج لمدة ثلاثة أشهر في الولايات المتحدة (ديسمبر _ يناير _ وفبراير 2014) إرتأى أن يتوقف في القاهرة. وكان السيسي المتسلم حديثاً رئاسة مصر على درجة عالية من الفطنة وقراءة الوضع فذهب بنفسه وبصحبته أركان الدولة من مدنيين وعسكريين إلى مقابلة الملك وهو في مقصورته داخل الطائرة. ولم يكتفِ بالسلام يداً وإنما بشعور الوالد قبَّل رأس الملك رغم محاولة العاهل السعودي ثنيه عن ذلك. ولقد بدت وقفة الملك عبدالله غير المخطط لها رسمياً من قبل ونوعية إستقبال الرئيس السيسي وسائر تفاصيل الإستقبال، كما لو أنها بمثابة زيارة وداعية لمصر، فقد إنتقل إلى رحمة الله فجر يوم الجمعة 23 يناير 2015. وهذا التميز من جانب الرئيس السيسي إزاء أُولي الأمر في المملكة يعكس طبيعة العلاقة وعمق العاطفة الأخوية المقرونة بالدور الذي سيكمله في البعد الإستراتيجي للعلاقة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد وبادئاً مستقبلاً حقبة الملوك الأحفاد. حفظ الله للمملكة وللأمتين خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز.

فؤاد مطر