الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

الهداية المأمولة في الشهر الفضيل

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأحد 27/3/2022

تُحرك الأجواء الروحانية وبالذات في ظل الأزمات والصراعات التي تعيشها بعض أقطار الأمتيْن، الأمل في أن يهتدي أطياف النهج التعطيلي للتعايش في أحسن حالاته، إلى سواء السبيل. وشهر الصوم المبارك الذي يهل هلاله علينا بعد أيام هو من الأشهر التي تبلغ فيه الأجواء الروحانية منتهاها وتكون خير مناسبة للذين غادروا السبيل عمداً أو رهاناً أو حتى دون قصد، لكي يتأمل هذا الأخ الحوثي في اليمن في واقع الحال ومعه في كل من لبنان والعراق وفلسطين وسوريا، وكل أخ يغرد خارج مداره العربي ويواصل تشبثاً بمفاهيم لا تبني مجتمعاً متحاباً ولا وطناً مستقراً، وهي مفاهيم تُغذَّى عسكرياً ومذهبياً. وهي لو كانت أثمرت ما يفيد الشعب والوطن وقبل ذلك يرضي رب العالمين، لجاز إعتبار ذلك خياراً لنهج يحقق الطمأنينة. لكن التأمل في عقدين من السنوات عاشتها وما زالت شعوب الأقطار المشار إليها بإستثناء الحلقات التي يتشكل منها السوار المذهبي والمسلح، تؤكد أن لا خير على المدى البعيد يرتجى وأن عشرين سنة من الإطباق الثوري والمذهبي وبالسند العسكري على مجتمعات في لبنان والعراق وفلسطين وسوريا واليمن تكفي كإختبار لعدم جدوى دواء إعتبر الذين تناولوه أنه يشفي ثم يتبين أن المردود غير ذلك، وأن العلة أمعنت أذى في الكيان الذي بات وطناً عليلاً. ويكفي التعمق في أحوال خماسية الأوطان العربية التي أثقلتْها الجمهورية الإسلامية الثورية بكل ما يعيق نموها ويشل إرادة أطياف من الممسكين بمقاليد السُلطة للإستنتاج بما أحدثته ظاهرة العلة والعليل والمعلولين.. أي التدخل الإيراني بالأوطان الخمسة وبملايين الناس فيها، بإستثناء الذين يتولون تكليفاً أو توظيفاً تنفيذ "أجندات" لا تجاز في أمرها المناقشة كما لا مجال للإعتراض.

قبل أيام حدث نوع من الإستبشار المأمول بإمكانية متدرجة للوعي من جانب إخواننا الحوثيين الذين حوَّلوا العاصمة صنعاء إلى رهينة. وإفترضنا أن الحكمة اليمانية إياها ستعود إلى صانعي القرار في الجبهة الحوثية، فيلتقي اليمني مع أخيه المخطوفة عاصمة آبائه وأجداده وأولاده وأحفاده ويبدأ العمل الجدي على لأم الجراح بإزالة الأحقاد أحياناً والعتب عموماً.

جاء إفتراضنا في ضوء السعي الطيب من جانب المملكة العربية السعودية التي تريد جمعاً محموداً للشمل اليمني. وهي عندما تسعى فإنها لا توفر جهداً لإنجاح السعي. أليس هذا ما حدث بالنسبة إلى لبنان وكان إتفاق الطائف صيغة الإنقاذ الذي في ضوئها إستعاد اللبنانيون الوطن فالإستقرار فإعادة البناء فالإزدهار والذي لا علاج في الأيام الصعبة الراهنة التي يعيشها بغير إستعادة الوعي المسلوب.

تجربة "إتفاق الطائف" هي ما تحتاجه اليمن. وهي ما بدأ الوعي في لبنان يستعاد في شأنه. وعندما لا يجد اللبنانيون سبيلاً لتصحيح مسارهم المرتبك أفضل من هذا الإتفاق فإنه أحرى بإخواننا الحوثيين التأمل والتبصر وهذا لا يكون بالإكثار من شروط التعجيز رداَ على مسعى يستهدف خيراً وفيراً يبدد شراً مستطيراً.

بعد أيام تحل الأجواء الروحية وتلك خير فرصة للأخ الحوثي لكي يلتقي مع إخوانه ومع الحادبين على اليمن الوطن والشعب هدياً بما يريده الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان وتشاركهما النظرة إلى أن قاطرة سلمان هي التي تشد الأشقاء إلى صف متآلف ومتكاتف، شعوب الأمتيْن بوجه خاص. وعندما تثمر الخطوة الإمارتية في إتجاه سوريا النظام الذي طال تغريده خارج سربه العربي وبات لا بد من تضميد عربي للجراح السورية، فإن ما هو مأمول حدوثه لم يعد بعيداً. كما عندما يقول رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي من الكلام الذي يعكس ليس فقط رأيه وإنما مشاعر الأكثرية اللبنانية، فإن المداواة العاجلة للجرح النازف باتت قريبة المنال. وعندما يعود الرئيس السيادي عبدالفتاح البرهان مجبور الخاطر من زيارة إلى الرياض كما عودة سائر الرؤساء السودانيين السابقين عندما تلم بالوضع محنة إقتصادية أو أزمة نفط أو حتى أزمة سياسية تحتاج إلى حكمة أو تحكيم من جانب ولي الأمر في المملكة، فإن حالات عربية كثيرة ستكون بنوداً في "قاطرة سلمان" لإخراج العقد والتعقيدات من شرانقها، وبالذات في لبنان قبل إضمحلال صيغته وفي العراق الذي باتت مفردة "الإنسداد" تلازم أزمة يتمنى الحادب السعودي نيابة عن الأمة نهاية توافقية لها.

ويبقى أننا عندما نستبشر بما أوردناه خيراً ما دمنا على موعد مع الشهر الفضيل، نتذكر كم أن فرصاً ضاعت في سنوات مضت منذ الحرب العراقية _ الإيرانية وكان من شأن إغتنام المناسبات الروحية فرصة للعلاج. كما نتذكر كيف أن إطلاق الصواريخ التي تدمر كان يتم حتى عند أذان المغرب في بعض أيام الحرب الخمينية _ الصدَّامية لا أعادها الله.

جعل الله من عواد الشهر الفضيل، دعاة العمل في سبيل رأب الصدع ومداواة الجراح ومستبدلي البغضاء بالود. وعندها لا يعود إطلاق المسيرات والصواريخ فعْل قوة ولا فعْل شجاعة. والله الهادي إلى مرضاته.

فؤاد مطر