الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

المشهد المرعب لا قدَّر الله

الرجوع

 أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط" 
بتاريخ الأربعاء 11/1/2021

في الوقت الذي كان يشغلنا كعرب أي حال سينتهي إليه العراك السياسي الأميركي الجديد من نوعه على أوساط أهل الحُكْم فيالعديد من أقطار الأمة، وجاء يشغل البال ويطرح في المشهد السياسي إحتمالات من شأنها إحداث مفاجآت تستدعي معالجات لتداعياتها ليست في الحسبان.. في الوقت نفسه تتزايد الخشية من إحتمال حدوث مواجهة على ضفاف نهر النيل لن يكون من المتيسر محاصرتها بالمساعي الطيبة، ذلك أن ما يصدر عن أهل الحُكْم المصري ومعهم أهل الحُكْم السوداني في شأن أزمة "سد النهضة" يقابَل من جانب أهل الحُكْم الأثيوبي بالتشدد وبالمماطلة مع الصيغة التوافقية التي تبقي على العلاقة مستقرة بين الدول الثلاث.

هذا العناد من جانب رئيس الحكومة الأثيوبية ابي أحمد وكيف أنه خسر دوراً طيباً على صعيد المرونة وجعْل السلام يتقدم على المواجهة في ما يخص الأزمة مع اريتريا وكوفىء دولياً عليه بمنحه جائزة نوبل للسلام، يجعلنا نتساءل: ألم يأخذ ابي أحمد في الإعتبار أن مكانته باتت أفضل بعدما أنجز تلك الأزمة التي تبين أن الشعب الأثيوبي يريدها من أجل أن تستقر الأحوال ولا يعود الموضوع الاريتري بمثابة لغز ينفجر في لحظة غير مسبوقة.
كذلك نتساءل: ألم يأخذ ابي أحمد في الإعتبار أن المكانة التي حققها في شأن التسوية الموضوعية مع اريتريا هي التي أهلته ليلقى القبول من جانب الأطراف السودانية المنتفضة على النظام الإخواني البشيري من أجْل القيام بمسعى قام به وفق معادلة تقوم على الحل الذي يتم على أساس ألا تعلو كفة في ميزان الأزمة على كفة، وألا يأخذ طرف ما ليس من حقه أخْذه على حساب الطرف الآخر. ورغم أن الأزمة كانت كثيرة التعقيد إلا أن إنطباع طرفيها العسكري والمدني عن الوسيط، جعل اليسر يتقدم على العسر ثم أضفى الحرص الأفريقي والدعم العربي وبالذات السعودي- الإماراتي-المصري للتوافق حلاً للأزمة المزيد من التيسير للدور الأثيوبي.
هذه الشمائل في شخص رئيس الحكومة الأثيوبية أحدثت إرتياحاً لدى أهل الحُكْم المصري المشغولي البال في موضوع "سد النهضة"، وإفترضوا أن الأسلوب الذي إعتمده الرئيس الأثيوبي في أزمة جاره السوداني لا بد سيعتمده في موضوع السد. كما أن إدارة الرئيس دونالد ترمب رأت الأمر نفسه ومن أجل ذلك إتخذت خطوة غير متوقعة حيث أنها دخلت طرفاً في الأزمة، وعقد الرئيس ترمب في البيت الأبيض إجتماعاً مع رموز الدبلوماسية المصرية والسودانية والأثيوبية ومعهم وزير الخارجية الأميركية، وغرضه من هذا الاجتماع الإستثنائي حث الطرف الأثيوبي الضار على التساهل مع الطرف المصري المتضرر من موضوع أن يكون ملء سد النهضة على حساب حصة مصر من مياه النيل.
لم تكن الإفتراضات في محلها. لم يأخذ الرئيس الأثيوبي بتمنيات الرئيس ترمب ولا بأماني الرئيس عبدالفتاح السيسي. وأما الصدمة الكبرى فكانت إشتباكات عسكرية-أثيوبية-سودانية على خلفية أزمة داخلية عاشها نظام ابي أحمد الذي لم يأخذ أيضاً بما سعى إليه قادة أفارقة.
كثرت الإجتماعات والمماطلات وبقي العناد على حاله. يصر ابي أحمد على الملء الكامل للسد. وها هو في ضوء الوضع الإستثنائي الذي تعيشه الإدارة الأميركية وكيف أن الرئيس ترمب شخصياً دخل طرفاً مشجعاً للتسوية، لم يعد ذلك اﻟ ترمب.
نحن الآن أمام مشهد قد يكون لا قدَّر الله مرعباً إذا بقي رئيس الحكومة الأثيوبية على إصراره ملء "سد النهضة" وليفعل المعترضون ما يريدون. هو بهذا العناد يستحضر عناد الخميني في رفض وقف الحرب مع العراق، وعناد صدَّام حسين في رفض الإنسحاب من الكويت التي غزاها. لم ينفع العناد كلاً منهما ولن ينفع لا في الدنيا ولا في الآخرة كثيرين من الطينة نفسها... وهم كثُر في إيران ولبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا، وفي فلسطين بأجنحتها الثلاثة.ويا ويل المنطقة من الذين لا يعقلون ولا يخافون الله.

فؤاد مطر