الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

أعان الله جو بايدن ومصطفى الكاظمي

الرجوع

 نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط" 
بتاريخ الأحد 24/1/2021

عام 2004 حدثت إنتفاضة خجولة من جانب وسائل الإعلام الأميركي صحفاً وفضائيات بسبب ممارسات مخجلة إقترفها جنود وجنديات أميركان في سجن "أبو غريب" الذي ملأ به الحاكم الأميركي بريمر ووزير الدفاع زمنذاك دونالد رامسفيلد مئات السجناء. ونشرت تلك الوسائل صوراً لسجناء عراة تمثل إحداها جندية أميركية تستمتع وزميلها بتعذيب أسير أُجبر على التعري فيما هنالك كلب شرس أتى به الجنديان يهم بالإنقضاض عليه.

زمنذاك وبعد النشر تفادى الرئيس بوش الإبن ورامسفيلد ومعهما وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الإعتذار مِن الذي جرى في "أبو غريب" وإكتفى الثلاثة بإبداء الأسف.

مناسبة هذا الإستحضار من جانبنا لتلك الواقعة المشينة أن جوزف بايدن الذي إستقبلْنا بشعور الحائرين تنصيبه الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة خلفاً للرئيس-الأمبراطور دونالد ترمب منتصف نهار الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني 2021، كان في زمن واقعة "أبو غريب" المشينة عضواً في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. ولقد هزت وجدانه اللقطات المصورة لوقائع التعذيب في "أبو غريب" فإقترح أن يستقيل رامسفيلد وزير الدفاع.

الآن وبعد ست عشرة سنة هنالك آمال معقودة على جوزف بايدن الرئيس أن تكون مشاعره الإنسانية تجاه أحوال من التعذيب للأسرى والمساجين في "أبو غريبات" كثيرة بالذات في إسرائيل واليمن وسوريا وليبيا، تمثل مشاعره إزاء الواقعة التي أشرنا إليها.

وقد يقال إن ذلك الموقف الذي إتخذه بايدن الذي كان على الدرجة الأُولى في سُلْم الصعود السياسي إنما إتخذه لإن مقترفي الواقعة المشينة أميركان وأنهم وهذا هو الأهم في جيش الدولة العظمى أميركا. وهذه حيثية يؤخذ بها في حال أن أميركا لا تتصرف مع دول المنطقة وكأنما هي اللاعب الأكثر فعالية في أمن هذه الدول وسياساتها. ومثلما أنها تعطي لنفسها حق إصدار العقوبات وتلك سياسة إزدهرت في سنوات الرئيس ترمب ولكنها لم تبلغ منتهاها فإن الواجب عليها في ظل ولاية رئاسية جديدة إستكمال التصحيح الذي بدأته في اليوم الأول لها. ومع أن هذا التصحيح إقتصر على قضايا داخلية في معظمها إلاّ أن أميركا التي تصحح هي غير أميركا التي كانت لا تقايض بشكل عادل، أي بما معناه إنها كانت تأخذ من الجانب العربي أكثر مما تعطي، بل يجوز القول إنها غرفت مواقف ومساندات وإكتفت من الرد بإصدار عقوبات جعلت الطرف المعاقَب في نظر مجتمعه كما لو أنه مظلوم من ظالم وليس منتهجاً السلوك المعطل للإستقرار والأمن الاجتماعي. ولنا في هذا الذي يتواصل حدوثه في لبنان وسوريا واليمن وليبيا ما يعكس فداحة هذا السلوك. كما لنا في هذا المستعاد حدوثه في العراق الذي ما أن وضع العهد الكاظمي التصحيحي قدمه على سكة إعادة النظر في توجيهات الإحتواء والتحضير لإنتخابات تؤسس نتائجها لسُلطة تشريعية غير مرتهنة، حتى رأينا الرد السريع المزدوج عليه وفي وقت واحد. فالذي هو الرمز الفاعل للعراق المحتوى نوري المالكي يعترض على رقابة دولة محايدة لعملية الإنتخاب وهذا يعني أن الانتخابات إما تكون بمثل البرلمان الذي أبقى العراق في حال من الإرتهان أو لا تكون. ثم يحدث الشق الثاني من الرد تفجيراً بنكهة سليمانية وبما معناه أن الثأر للحاج قاسم المرجأ حدوثه في قلب أميركا وفي ديار أصدقائها، على نحو ما سبق لمنشآت أرامكو، يمكن البدء به في عراق مصطفى الكاظمي الذي كان يسعى جاهداً لكي يبدأ في العراق عملية إعادة النظر التي خطواتها من حيث المباشرة وعدم التأجيل ما يشبه الذي بدأه الرئيس الأميركي الجديد وفي اليوم الأول لإمساكه قلم التوقيع على قرارات أُعدت له سلفاً.

أعان الله الرئيسيْن المستهدفيْن اللذيْن ينويان بصدق تصحيح ما بات تصحيحه واجباً وطنياً، وإعادة النظر في سياسات وإقترافات وخطوات وقرارات ظالمة. ونقول ذلك من منطلق كما أننا في العالم العربي تواقون إلى أميركا الصديقة رداً على أميركا التي أساءت إلينا أفدح إساءة على مدار أربع سنوات. كما أننا تواقون إلى أن ينجو العراق من الشباك التي كبلت قراراته وإرادته الوطنية، عل وعسى في نجاته ما يؤسس لنجاة لبنان فلا يتواصل ذبولاً ونجاة اليمن بحيث لا تذوب مقولة "الحكمة يمانية" في "الأسيد" الحيثي.

فؤاد مطر