الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

لاءات ساعة الشدة

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط" 
بتاريخ الأحد 14 /3/2021

كان رأس المارونية الطائفة عند حُسْن الآمال المعقودة عليه من جانب اللبنانيين المصدومين من نهج بعض المارونية السياسية، والصارخين منهم والكاتمين الغيظ فيهم من ممارسات زعامات أعطوها من الولاء وإلى حد المبايعة، وعندما إحتاجوا إلى وقفة من جانبهم فإنهم لم يجدوا أحداً منهم، وبقيت ليلة العيش الظلماء تزداد ظلاماً ثم جاءت صيحة البطريرك بمثابة اللحظة التي تفتقدها الليلة تلك المتمثلة ﺑلاءاته التي فاقت لاءات قمة الخرطوم بسبعة وستين «لا» كل "لا" منها بمثابة بند في بيان أول من حركة إنقلابية غير تلك الحركات التي إرتبطت ببعض رواد وصاغات وعقداء في جيوش الأمة.

ما هو معقود على هذه العشرات من اللاءات الراعيِّة، ذات المسحة الروحية الاجتماعية، من الآمال قد يطول موعد جنيْه. فهي مثل شتلة قام بغرسها بستاني حاذق وتحتاج إلى مَن يرويها بقطرات مع فارق أن اللاءات الصرحية تتطلب من الموجوعين المنتشرين من الناقورة إلى طرابلس ومن بيروت إلى الهرمل وعلى الجبل بسائر مكوناته والسهل بكل شرائحه، المزيد من الهمة والثبات والتخفيف من الإنفعالات وعدم إستعمال الألفاظ غير المستحبة. وعندما سيحين يوم جني خير تلك الشتلة من ثمار تترجم ما حوته لاءات غارسها اللبناني الجذور العروبي المنطلقات سواء لجهة الأشقاء الذين ينطقون الضاد أو لجهة الحقوق المنتهَبة بدءاً بفلسطين وإنتهاءاً بالاسكندرون مروراً بطمب الكبرى وشقيقتها الصغرى وشقيقتهما أبو موسى، فإن الشاتل السيد الماروني سيُذكر دائماً بالخير على مبادرته التي أطلقها من صرحه، ولم تكن كما الصرخات في واد وإنما تذكير بأمل أن تنفع الذكرى لذوي السلطان بأنهم مخطئون في غفلتهم المتعمدة، ولمن كانوا أصحاب السُلطة الأُولى عن أحوال الرعية مستعمييِّن وخرْسائيين وصمَّائيين أن منقلبهم مآله أسوأ المنقلبات.

للمرة الأولى في لبنان اﻟ10,452 كم² يجد بنو قوم هذا الوطن، بإستثناء أهل الحُكْم والذين حولهم، من لا يتلطى وراء صيغة الحوار حلاً للمعاناة وللمصائب المتتالية، وهذا ما إعتاد عليه الموجوعون في لبنان على مدى أربع سنوات عجاف حيث كلما إشتدت الأزمة ولا تنفرج يتبارى المصرِّحون بطرح الدعوة إلى الحوار حلاً. وفي ضوء أكثر من محاولة حوار لم يتحقق أي إنفراج. وللمرة الأولى يجد اللبنانيون الموجوعون المرجع الفاعل الذي لا يربط تشخيصه لواقع الحال البالغ السوء الذي وصل إليه اللبنانيون بمصلحة سياسية أو حزبية بمعنى أنه يوظف ما يدعو إليه من أجْل تحقيق مكسٍب إنتخابي أو وعْد بمنصب رفيع، ذلك أنه في أعلى المناصب كما أن كرسيه ليست لغاية شخصية أو للتوريث أو لتسديد إلتزامات لقوى خارجية مفروضة عليه. ومن هنا فإنه لا ينطق بما يقوله وعوداً أو لتحقيق مآرب شخصية لها المردود المالي إلى جانب الشعبوي. في ضوء ذلك فإن أي طيف يعاني من وطأة البطالة والعلاج وتكاليف الدواء والمعيشة عموماً وتلبية إحتياجات البنين والبنات الذين يتابعون الدراسة في الخارج، غير مغفور له عدم الإلتفاف حول لاءات البطريرك الراعي، فهو هنا إثنان في شخص واحد: بطريرك طائفة متشققة ويحتاج ثوبها إلى رتق، وخير "رتَّا" أي الراتق للثوب هو في بعض التأمل في واقع الحال وعلى أساس أن التشقق الذي نشير إليه أحدث أحدث إصابة للبنان الوطن في هويته وتَسبب للبنان المواطن بمحنة متعددة الأعراض والعواقب.

قبْل الرؤية الصرحية كانت الشكوى تحتاج إلى تفعيل تكتسب إمكانية الجدوى، ثم جاءت اللاءات السبعون وسيلة تحفيز للشاكين همساً أو من خلال تظاهرات متقطعة، من أجْل النطق بالصوت الأعلى. هكذا كانت الحال العربية عموماً قبْل القمة العربية الإستثنائية في الخرطوم. الشعب العربي مكسور الخاطر مغموم إلى أعلى درجات الغم حزين مما جرى يوم الخامس من يونيو/حزيران 1967، ثم كانت القمة الإستثنائية في الخرطوم تحتضن الجميع. وبدل الإنشغال في الذي جرى ولماذا جرى وما الذي كان يجب أن يجري، فإن رموز الحكمة والثروة رأوا وقف فيضان الإحباط والحزن والمعاتبة والخوف من أن تتسع مساحة الهزيمة، فلا تقتصر على الذي جرى وإنما يفرض الطرف الإسرائيلي الهازم صلحاً مع مصر يمتد إلى سائر العرب، ثم تفاوضاً وإعترافاً وبذلك تتهاوى الخيمة العربية على الجميع.

ولقد تصرَّف الجمع العربي على نحو ما أوحى به الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمة الله عليه، أي الإلتفاف أكثر حول عبدالناصر المصاب في كبريائه وذلك من خلال قرار إعادة بناء القوات المسلحة المصرية بغرض إزالة آثار العدوان وذلك أيضاً من خلال دعم مالي مبرمج وغير محدد بفترة زمنية شاركت فيه الكويت وليبيا أدريس السنوسي، وفي الوقت نفسه ترميم النفسية العربية المحبطة وذلك بإتخاذ قرار قضى بإنشاء صندوق الإنماء الاقتصادي والإجتماعي.

الذي حققته تلك اللاءات من خلال التخريجة السودانية في شخص إسماعيل الأزهري ومحمد أحمد محجوب والنخوة السعودية في شخص الملك فيصل، كان قطْع الطريقبضع سنوات على أن يحقق الذئب الإسرائيلي الفاغر الأشداق الغرض الشرير. لكن حالة الصمود قائمة رغم إجتهادات على طريق التطبيع غير قابلة للثبات إذا كانت السماحة الخليجية- السودانية- المغربية ستبقى تقابَل بالشراهة الإسرائيلية-الأميركية.

ما لا بد ستحققه لاءات البطريرك الراعي أن حالة اليأس من تصحيح الأوضاع لن تستمر. ومثلما أن الحالة العربية عموماً بعد قمة الخرطوم ولاءاتها الثلاث ليست كما حالتها حتى يوم 1 سبتمبر/أيلول 1967 يوم إعلان تلك اللاءات، فإن الحالة النفسية لعموم اللبنانيين العالين الصوت كما الحابسينه  قبل لقاء الصرح وقطرات الأمل بالإنفراج وربما بالخلاص من خلالها لاءات سيده، ليست كما كانت عليه قبْل ذلك اليوم الذي هو رافعة معنوية.

ويبقى أن المرء ليأسف كثير الأسف عندما لا ينظر الأشقاء الإيرانيون بنظرة من عليه البدء بصياغة موقف يجيز فيه للطيف اللبناني الإيراني الهوى ترجيح كفة مراعاة الواقع الاجتماعي اللبناني على كفة التطلعات الطموحة للثورة الإيرانية. ونجدهم من خلال أحد منابرهم يتطاولون على صرح وطني بإمتياز يرى في سيده جموع اللبنانيين في الجهر من جانب البعض وفي السر من جانب البعض الآخر أنه سيصحح في ما يقوم به ما يمكن ويجب تصحيحه. وحتى إذا كانت دواعي التطاول لإستحالة الإفصاح عنها هي أن البابا فرنسيس سيزور العراق فيما لم، أو لا يزوره المرشد علي خامنئي لدواع شخصية، ولم يتمكن آية الله الخميني من زيارته مع أنه قام بقلب نظام الشاه وإستلام الحُكْم وأمله أن يكحل عينيه برؤية العتبات في النجف وكربلاء وسامراء على الطبيعة ثم حرمه الرئيس صدَّام حسين بالحرب من هذه الأمنية.. إنه حتى إذا كان التطاول مرتبطاً بما نشير إليه فإن ما صدر عن المنبر الإيراني سقطة كان لمصلحة "حزب الله"والطيف المحلق في فضاء الحزب تفاديه.

وهنا تصح إضافة "لا" جديدة إلى لاءات البطريرك الراعي وهي: لا تنسوا أن من يتطاول علينا إنما يتطاول على كل فرد منكم. كما يصح القول: إنهم لا يدرون ماذا يقولون كما ماذا يفعلون بآخرين. هداهم الله إلى الصراط المستقيم.

فؤاد مطر