الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

التفاؤل بالخير الرئاسي قد يتواجد

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط" 

بتاريخ الثلاثاء 15/1/2024
لم يخطر في البال اللبناني ماضياً أن الذي سيترأس الجمهورية سيكون قائد الجيش. ففي الحقبة التي سبقت الإستقلال كان المترَأَّسون بإرادة الإنتداب الفرنسي من المدنيين ومن وجهاء المجتمع اللبناني، مع ملاحظة أن الترئيس لم يقتصر على الطائفة المارونية حيث رُئِّس الكاثوليكي أيوب تابت الذي من القرارات اللافتة التي أصدرها التشديد على مواعيد عمل الموظفين كذلك منْع شرب القهوة في المكاتب، ومن جانب آخر منْع الناس من التبويل على الجدران وكان ذلك في بداية الأربعينيات شائعاً، ومنْع التزمير منعاً باتاً، وهذا ما تحتاجه العاصمة بيروت في الزمن الحالي. كما كان من المترأَّسين الماروني إميل إده بعد الماروني الصحافي والمحامي الفرد نقاش الذي لم تُعجب مقالاته الحاكم التركي جمال باشا فشمله بحُكم بالإعدام إلى جانب مناضلين لبنانيين. والماروني حبيب باشا السعد أول مسيحي في الشرق الأوسط مُنح من الباب العالي لقب باشا.
وأما ختام التعيين من جانب الإنتداب الفرنسي فكان للأرثوذكسي شارل دباس الذي حظي ﺒ "نعمة" التجديد أو التمديد في ما تلا العهود الرئاسية والذي كان متقشفاً يكتفي بمرتبه الشهري من دون أن يعني ذلك أن المحيطين به كانوا مثله. وقياساً ببعض رؤساء العهد الإستقلالي فإن اللبناني يتمنى لو أن الرئاسة لا تعود بمثابة فرصة أمام الحاشية للإثراء دون وجه حق أو تأدية واجبات لمصلحة الوطن والمواطن. وهذا عايش اللبنانيون فصوله وكابدوا تداعياته.
ما نحن في صدده راهناً هو أن رئيس البلاد قرار عربي – نصف دولي بنسبة لافتة وأن دور النواب الذين عقدوا الإجتماعات وأدلوا بالتصريحات بعد المشاورات هو الإقتراع لمن يتم عليه التوافق العربي – الدولي زائداً التشاور اللبناني، ليس سراً يصار إلى الكشف عنه وإنما حقيقة تؤكدها الإجتماعات المتتالية لسفراء مصر والسعودية وقطر والولايات المتحدة وفرنسا التي ربما لو هي سباعية لكانت أنجبت ولما زاد التأجيل عن الحد فضلاً عن أن مشاركة روسيا والصين وهما أصلاً في الرؤى السياسية العربية عضوان في مجلس الأمن ولذا فإن مشاركة السفيريْن الصيني والروسي في جولات التشاور كانت ستشكل دفعاً للسعي المشكور في أي حال، كما تؤكد زيارات الموفدين العرب والأجانب وما يتم خلالها من محادثات لا يدري بها أحد.
وثمة حالة لافتة أخذت مكانها في المشهد الرئاسي وتتصل بإنتخاب ترئيس الجمهورية اللبنانية، أو فلنقل بإختيار مَن يترأس، وهي أن الرئيس العسكري – المدني فؤاد شهاب هو من اختار الرئيس الرابع للجمهورية الذي كان شارل حلو غير المصنف رجل سياسة طموح مكتفياً بدوره كمحام إلى جانب مقالات بالفرنسية يكتبها بين الحين والآخر. وما نعنيه بالإختيار أن الرئاسة اللبنانية التالية كانت بفعل خيارات عربية – أجنبية مع إختلاف نسبة التأثير، ومن أجل ذلك فإن القرار اللبناني في المسائل التي تُطرح عربياً أو دولياً مكبل نسبياً بمراعاة ما تراه دول عربية أو أجنبية.
ويبقى من حق القارىء علينا ونحن نحاول تبسيط الذي هو أعظم في الحالة اللبنانية وأجواء الإكتئاب العامة التي بدأت التبدد بعدما بات قائد الجيش قائداً للدولة أن نستحضر من الذكريات الخاصة والعامة ما حدث ماضياً يوم كان لبنان في حال أفضل وعلى سبيل المثال لا الحصر في زمن رئاسة أول رئيس جمهورية للبنان المكتمل السيادة المستقل الشيخ بشارة الخوري ورابع رؤساء ذلك الزمن شارل حلو إنما يوم كان ما زال صحافياً. ونحصر الإستحضار في موضوع واحد "شهباء" شارل حلو و "انشاص" بشارة الخوري. فقد زار شارل حلو الصحافي الكاتب بالفرنسية (قبل ثمانين سنة) حلب المزدهرة غير حلب التي إجتاحتها البربرية فدمرت أحياءها وأسواقها وكل ما هو في غاية الجمال التراثي العربي والتركي كما كانت بعد ذلك ساحة الحسم في التغيير الذي حدث لبلاد الشام، ومن هنا أهمية توصيف كاتب لبناني مسيحي بات لاحقاً رئيساً للجمهورية للشهباء وبالذات سطوره "تتبدى حلب عاصمة شمال سوريا وكأنها تألفت من مدن عدة، فهي تضم خصوصاً الشوارع الجديدة الحديثة ذات الأرصفة الرحبة والفيلات البيضاء المكسوة بالرخام المشع، وقد فرش داخلها بالسجاد النفيس الذي يحيط بلهب مدافىء تلك الحقبة. وفي حلب أيضاً شوارع قديمة تحدها بيوت ذات مداخل ضيقة وحوانيت تعرض أو تحوي نتاج الأرض وسلعاً من كل صنف ولون، يفوح منها عطر التوابل ورائحة البخور...".
وأما الشيخ بشارة الخوري أول رؤساء لبنان السيد المستقل فكتب عن مكان إنعقاد أول قمة عربية بدعوة من الملك فاروق وإستضافة في منتجع "إنشاص" في "المملكة المصرية" يوميْ 28 و29 يونيو/ حزيران 1946 الآتي: "عُقدت الإجتماعات في فيللا الجمَّاعات بقرب قصر أنشاص الكبير وهي بناية صغيرة ولطيفة جداً تشرف على حوض ماء، وكل ما فيها من رياش هو من مصنوعات مصر. "ومن مظاهر النكات على هامش البحث في الأمن القومي والمستقبل العربي أن الملك عبدالله (ملك الأردن) خاطب مرة الملك فاروق بالتركية وأجابه بها، ثم إتفق أن خاطبني شكري بك القوتلي بالفرنسية فأجبته بها وإلتفت الملك عبدالله إلينا قائلاً: يظهر أنهم جلوا ولم تجْلُ لغتهم. فأجبته: وكذلك الذين سبقوهم في الجلاء يا صاحب الجلالة. فضحك الجميع وكانت ضحكة الملك فاروق مدوية مقهقهة وشاركَنا الملك عبدالله ضحكتنا الإجتماعية...".
تلك مجرد خواطر على هامش حدث كان حتى اللحظة ما قبل الأخيرة مدعاة ملامح إستعادة ثقة اللبناني بوطنه وإحترام من تبوأ المنصب السيادي الجنرال جوزف عون قائد الجيش اللبناني (العسكري الرئيس الخامس مقابل تسعة رؤساء مدنيين) من القاعدة إلى القمة، للمبدأ الأساسي في وجدان كل مواطن وخلاصته: كلنا للوطن للعلى والعلَم.

فؤاد مطر