أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الخميس 14/11/2024
أول ما خطر في البال بعد الفوز المبهر الذي حققه دونالد ترمب وبات بذلك الوحيد بين رؤساء الولايات المتحدة الذي يستأنف الترؤس بعد خذلان سعيه لتجديد رئاسته الأولى ثم مثابرته لتقويض الخذلان في انتخابات 2020 أمام جو بايدن بعودة تاريخية إلى الترؤس، هو ذلك الدعم السعودي غير المسبوقة صيغته الذي ناله دون غيره من سائر الذين ترأسوا الولايات المتحدة. وللتذكير فإن ذلك الدعم كان عبارة عن حفاوة بالرئيس ترمب لم تقم بها المملكة من قبل ولم يحظ أحد من كبار القوم في العالم بمثلها. فهو لمجرد إنجاز ترتيبات فوزه عام 2017 قرر ترمب أن تكون زيارته الأولى وقد بات رئيس الولايات المتحدة إلى السعودية. وجاء خياره في وقت كان خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز يقضي الأيام المتبقية من شهر الصوم في جدة التي كان وصلها يوم الخميس 27 أبريل 2017. وكبادرة تكريم من جانبه فإن الملك سلمان قطع زيارته ذات البعد الروحي وعاد إلى الرياض ليكون مع ولي عهده الأمير محمد بن سلمان متشاركيْن في الحفاوة بزائرهما رئيس الولايات المتحدة، الذي كان هو الآخر عند حُسن الفطنة والتصرف إستكمالاً للإنبهار بملامح الحفاوة التي لقيها، وهذا ما لاحظناه كمتابعين في خطابه الطويل نسبياً الذي ألقاه بنفسه وبدا هو الآخر، أي الخطاب، بمثابة حدث إستثنائي من حيث الإلقاء شخصياً، وكذلك من حيث المضمون. ففي الخطاب بدا ممتناً إلى أن إستضافته تمت في دارة الملك عبدالعزيز مذكِّراً بالشراكة الدائمة التي حققها الملك المؤسس والرئيس الأميركي الثاني والثلاثون فرانكلين روزفلت. وكأنما أراد ضمناً القول للشعب الأميركي ولمَن يراقب التطورات الدولية إن ثنائية العلاقة التاريخية بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت على ظهر طراد في البحيرات المرة (قناة السويس) يوم 15 فبراير/ شباط 1945 تتجدد إنما في الرياض وفي دارة الملك عبدالعزيز وأن الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد هما في نظره يجسدان بزيارته للرياض، التي هي الأولى بعدما بات الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، طيف تلك المرحلة التاريخية. وهو عندما يرفق الكلام وعلى سجيته بكلمات إطرائية لشخص الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد وقوله "أيها الملك سلمان أشكرك على خلْق هذه الفرصة العظيمة في التاريخ. إنني أقف أمامكم وأنا أُمثل الشعب الأميركي لأقدم رسالة صداقة وأمل، وهذا هو سبب إختياري أن تكون أول زيارة خارجية لي إلى قلب العالم الإسلامي.. إلى الأمة التي تخدم أقدس مرفقيْن في دين الإسلام..." فهذا ليس مجاملة وإنما لأن الملك سلمان بإستضافته عدداً من القادة العرب والقادة في دول إسلامية في القارتيْن الأسيوية والأفريقية ليكونوا معه بمثابة كوكبة تمثل الأمتيْن، كان يأمل ضمناً أن يأخذ الرئيس الأميركي في الإعتبار معنى الخطوة وما تريده الأمتان من الولايات المتحدة عدا قول ترمب في الأسطر السابقة ثم إضافته إليها عبارتيْن: "الأُولى تمثلت بقوله "في خطاب تنصيبي أمام الشعب الأميركي تعهْدت بتعزيز أقدم الصداقات الأميركية وبناء شراكات جديدة سعياً لتحقيق السلام. كما وعدْت بأننا لن نسعى لفرض طريقة حياتنا على الآخرين بل سنمد أيدينا بروح التعاون والثقة...". وأما الثانية فإنها المأمول تحقيقه كونه بقي عبارة في خطاب ومجرد حبر على ورق، بل إن الذين خلفوا ترمب نأوا بدورهم عما كان يرى إنجازه ولم يقْدِم بما فيه الكفاية على الإنجاز. والعبارة هذه التي خاطب بها الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد هي "رؤيتنا هي رؤية تتمحور حول السلام والأمن والإزدهار في هذه المنطقة (أي الشرق الأوسط) وفي العالم وهدفنا هو تحالف الأمم التي نشترك في هدف القضاء على التطرف وتزويد أطفالنا لمستقبل متفائل يحترم الله. ولذلك فإن التجمع التاريخي وغير المسبوق للقادة الفريد من نوعه في تاريخ الأمم هو رمز للعالم يعكس عزمنا المشترَك وإحترامنا المتبادَل. وبالنسبة لقادة ومواطني كل بلد إجتمعوا هنا اليوم أريدكم أن تعرفوا أن الولايات المتحدة حريصة على إقامة روابط أوثق للصداقة والأمن والثقافة والتجارة...".
إستعادة طبيعة تلك البادرة – التحية من جانب المملكة العربية السعودية تستوجب التساؤل: إن الظروف الراهنة الحاصلة في المنطقة العربية وترابطها الروحي مع الإنتشار الملياري للمسلمين في سائر قارات العالم من أفريقيا إلى أوروبا إلى الأميركيتيْن إلى الصين وروسيا، تحملنا على التساؤل وقد حقق ترمب مبتغاه رئيساً ولا رؤساء سبقوه بهذه القوة: أليست هذه الظروف تستوجب من الرئيس ترمب الرد على تلك التحية التي خصتها المملكة العربية السعودية به بوقفة نوعية من إدارته تأخذ في الإعتبار المسؤولية التي تتحملها القيادة التي أكرمته خير تكريم، خصوصاً إن هذه القيادة هي الحاضرة بقوة في المشهد العربي والمعول عليها بحكم إقتدارها ورؤى قيادتها. وما نقصده بالرد على تحية التكريم التاريخية لشخصه والتي ساعد جنيها الملياري في إنعاش وتثبيت سنوات ولايته الرئاسية الأولى وشكلت موجة تأييد شعبي حقق الولاية الثانية الحالية، هو تدعيم الرؤية العربية – الإسلامية – الأفريقية لتحقيق تسوية منصفة وإن كانت كفة الجانب الإسرائيلي من ميزان هذه التسوية ليست بمستوى الكفة الفلسطينية، ولكنه الرضى غير الكامل الذي تبقى الحال في ظله أفضل بكثير من الأحوال الفلسطينية الظالمة سنة بعد أُخرى وأشدها ظلماً نتيجة السكون الدولي إزاء الذي جرى وما زال في غزة ثم ما جرى وقد يأخذ المنحى الغزاوي في لبنان إذا كان المجتمع الدولي من رأسه (إدارة ترمب) وأطرافه المتقاعسة معظم دول أوروبا لن يتأمل بتجرد في ظروف القمم التي ما كانت لتنعقد بهذا اليُسر خارج السعودية وما إتخذته من توصيات، وحديثاً القمة العربية – الإسلامية التي وضعت ومن دون كثرة إجتماعات وتحفظات وبصريح مفردات تلك التوصيات مطالب تندرج ضمن رؤى السلام على كل الأرض العربية والسلامة للطيفيْن اللبناني بعد الفلسطيني اللذين أمعن العدوان الإسرائيلي المسكوت عنه أميركياً وأوروبياً بنسبة مدعاة للعتب كما للأسف وبات من حق المعتدى عليهم القول للرئيس الأميركي المنتصر إن ما يفعله الإسرائيلي ولا تتصدى له الإدارة الأميركية سيأخذ من مهابة المترئس الجديد، وكذلك تجديد إبلاغ المعتدي الإسرائيلي أن من مصلحته أن يرتدع ويتفهم ويتمعن في مصائر الاحتلال الذي هو إلى زوال في نهاية المطاف ومهما أمعن في إعتدائه وإذلاله.
خلاصة القول هي في التمني على الرئيس ترمب إستضافة قمة دولية في رحاب البيت الأبيض تشارك فيها أطراف الصراع بمن في ذلك الفلسطينيون واللبنانيون المعتدى عليهم وعقلاء من إسرائيل لا بد وصلوا إلى لمس حقيقة أساسية وهي أن لا أمن ولا إستقرار ولا سلام إذا كانت لن تُكتب الصفحة المتبقية من كتاب الصراع العربي – الإسرائيلي بمِداد التوافق والوفاق، ونعني بها حلاً دائماً وثابتاً. وهذه القمة التي نشير إليها ربما يكون صعباً الإقدام عليها من رئيس أميركي آخر لكنها يسيرة الإنعقاد في حال إرتأى الرئيس ترمب أن يكتب بتلك المبادرة صفحة تاريخية أفضل بكثير من تلك الصفحة التي كُتبت بتوقيع (الراحليْن) أنور السادات ومناحيم بيغن برعاية الرئيس كارتر. وبذلك يندرج إسمه في سجل التاريخيين وتلك خير الأمنيات لمن يطلب العلى.
فؤاد مطر