الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

حرام الإحتلال.. وحلاله

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الجمعة 1/11/2024
لم يكن للشاه محمد رضا بهلوي في الستينات – السبعينات مشروع هيمناوي كالذي عليه الإمام الخميني وتوريثه الأول السيد علي خامنئي فينجز هذا الأخير حالة من الهيمنة تعتمد مقارعة بعض أنظمة المنطقة من خلال أذرع باتت ذات شأن بفعل كرَم التسليح والشحن المذهبي. وإعتمد المرشد في بسط مشروعه على "الحرس الثوري" صيغة جيش غير مسبوقة يتقدم دورها على الجيش التقليدي. ولأن مقومات المشروع الهيمنة تتطلب في الدرجة الثالثة قبل الأولى التسليحية والثانية النووية تصليب الدور المؤثر عالمياً، فإن إيران الثورية وقد تمكن إمامها من تقويض نظام الأمبراطور محمد رضا بهلوي وبإغماضة أعين من جانب الحليف التاريخي الولايات المتحدة والمحلقين في فضائها من الدول الأوروبية خطت الخطوة الأولى الهيمناوية وذلك بإضافة إحتلال جزيرتيْ "طنب الكبرى" و "طنب الصغرى" إلى جزيرة "أبو موسى" التي كان نظام الشاه إستحوذ عليها من شيخها حاكم الشارقة خالد القاسمي وبموجب إتفاق يحمل تاريخ 29 نوفمبر 1971 ومن دون تحديد فترة زمنية لهذا الإتفاق.
وهكذا فبعدما باتت الجزر الثلاث وكانت القوات البريطانية إنسحبت، بحوزة إيران الثورة، فإن أهل الحكم الإيراني عملوا على تحويل الجزر الثلاث التي فرَّسوها والبالغة مساحتها 21 كيلومتراً مربعاً إلى قاعدة إستراتيجية مهمة يحقق لهم موقعها المهم وهو التحكم إن أراد ذلك النظام بمضيق هرمز ومئات الناقلات والسفن التي تزود دولاً عدة في العالم الغربي ومثيله الشرقي بما تقديره خمسون في المئة من النفط.
بلغ إبتهاج النظام الإيراني مداه الأبعد بورقة الهيمنة إحتلالاً لجزر من حق الدولة الإتحادية الإماراتية، وقد باتت مستقلة برحيل القوات البريطانية عن إماراتها، أن تكون تابعة لها. وإفترضت أن إيران الجديدة ستصحح ما حدث من جانب إيران الشاهانية التي إستحوذ أمبراطورها بصيغة الإتفاق على كبرى الجزر الثلاث ومن دون تحديد فترة زمنية كما سائر معاهدات تبرمها دول مع دول. لكن النزوع الهيمناوي حال دون أن تبدي إيران الثورية تفهماً وكيف ستفعل ذلك وهي التي بدأت تخطط لإنشاء أذرع في بعض الدول حيث التربة المذهبية صالحة لتعضيل هذه الأذرع.
وتحضرنا هنا واقعة توضح مدى التناقض في الموقف الإيراني الثوري من ظاهرة الاحتلال وخلاصتها أن سادس رؤساء الجمهورية الإيرانية محمود أحمدي نجاد (من 3 أغسطس 2005 إلى 3 أغسطس 2013) ألَّف في زمن ترؤسه بل ومباشرة بعد الترؤس كتاباً بالفارسية تمت ترجمته إلى الإنكليزية وأشرفت الرئاسة على إصداره بعدما كانت أوكلت إلى مختصين وموثقين إعداد دراسة عن ظروف إحتلال قوات بريطانية وسوفياتية وأميركية إيران خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي ولايته الرئاسية تلك مهد لعزمه توزيع مئات النسخ من كتابه هذا خلال مشاركته في الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة (الثلاثاء 10 سبتمبر/ أيلول 2010)، بالقول في مناسبات إنه سيطالب الدولتيْن إياهما بتعويضات كما أن ناشر كتابه قال من خلال مقابلة أجرتْها معه صحيفة "إعتماد" الإصلاحية إن القوى العظمى الثلاث دفعت تعويضات أولية لإيران بعد الحرب، وتحديداً فإن السوفيات قدَّموا 11.5 طناً من الذهب ثمناً لمواد غذائية أُخذت من إيران وأن بريطانيا دفعت 8.5 مليون جنيه إسترليني، كما أن الولايات المتحدة الأميركية قدَّمت مساعدات تقنية كتعويض من جانبها. وبعد هذه المعلومة لم يصدر عن طهران جديد في شأن التعويضات ولا في شأن نجاد الوحيد بين رؤساء إيران الذي زار الجزيرة المحتلة "أبو موسى" وشجع خطوات تستهدف إضفاء صفة سياحية على الجزيرة، وهذا قبل إنزاله من علياء الرئاسة، وبعدما كان سجل في تاريخ المنظمة الدولية أنه ألقى من على منبر الجمعية العمومية ما يتطلع إليه كل رئيس دولة. وأما الحرس الثوري فإن جنرالات منه زاروا الجزيرة المحتلة، الأمر الذي تنبهت له الإدارة الأميركية التي إعتبرت الفعل الإيراني الإحتلالي وزيارة رئيس الدولة ثم حرسها الثوري ومشاريعها السياحية بمثابة تهيئة لتطويق الحراك السياسي والعسكري الأميركي في منطقة الخليج. كما أن الموقف الإحتجاجي في حينه (17 أبريل/ نيسان 2012) من جانب وزراء خارجية الدول الخليجية على الزيارة النجادية – الحرسية الإستفزازية إياها قوبل من جانب الحُكم الإيراني بما يعكس المنحى الإحتلالي للجزيرة. وزاد الأمر تعقيداً أن الحرس الثوري إعتبر الجزيرة المحتلة بأنها "أرض إستراتيجية وحساسة لإيران".
وبالعودة إلى ظروف "الاتفاق" بين حاكم إمارة الشارقة خالد القاسمي والحكومة الإيرانية (الشاهانية) فإن ما يمكن إفتراضه هو أن السلطة البريطانية زمنذاك (بين الستينات والسبعينات) إرتأت بغرض إحتواء جزئي لإيران (كما الولايات المتحدة) منْح هذه الجزيرة والجزيرتيْن الأُخريين وعلى نحو منْح الشتات اليهودي، متمثلاً بمجالس صهيونية تتوزع على دول الغرب الأميركي – الأوروبي، الوعد الملكي في صيغة رسالة من اللورد البريطاني بلفور تتضمن الموافقة على إنشاء وطن لليهود في فلسطين. وفي الحالتيْن لا تملك بريطانيا هذا الحق وإن كان الواقع الدولي يجعلها تتكارم من جيب الآخرين.
وحيث أن الذي جرى لا يستند إلى الحق، فإن المأمول من إيران الثورية إعتبار الاتفاق القاسمي – الشاهاني بأنه كان بمثابة أمانة إلى حين وأنها بغرض التصحيح والحرص على عدم إضفاء السمعة الإحتلالية عليها ترفع سلطتها عن الجزر، وذلك لأن إسناد الاتفاق إلى سلطة سابقة تهاوت لا يعني أحقية الإحتفاظ به وكما لو أنها هي الطرف في إنجازه. عدا ذلك يعني أن الفعل الذي كان بمثابة إتفاق إنتهى مع السلطة الثورية إلى إحتلال.. وإلى حد ما بمثل دوام الإحتلال الإسرائيلي للوطن الفلسطيني العربي الإسلامي المسيحي.
وعند التأمل في أحوال المنطقة فإن الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى علاقة عربية – إيرانية تستقر خالية من التطلعات التي أظهرت التطورات الناشئة عن العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان خللاً فيها، ويتعاون القطبان على ما ينهي حالات بالغة المرارة حصلت على حساب الشعوب والتنمية والتطوير، وذلك بالتفهم والسعي المشترك لإنهاء صيغة الأذرع التي أشعلت ناراً وظاهرة الاحتلال المريرة بنوعيْها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإحتلال إيران للجزر العربية – الإماراتية.
هدى الله الجميع إلى ما يحقق الاستقرار والأخذ في الإعتبار أن ليس هنالك الإحتلال الحرام والإحتلال الحلال.. كلاهما إحتلال.
فؤاد مطر