أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الخميس 24/10/2024
في الوقت الذي تواصل إسرائيل نتنياهو همجية من كل نوع شرير وتدميري وإبادي على لبنان من جنوبه إلى شماله إلى بقاعه مروراً بطرائد عمرانية وبشرية في مناطق من العاصمة بيروت التي درجت أطراف سورية – إيرانية – إسرائيلية على إستباحتها ضيقاً بأمومتها للشرائع وبقدرتها الإصطفاف إلى جانب العواصم العربية والدولية ذات الشأن.. في الوقت ذاك تشهد المنطقة نشاطاً سياسياً يبعث في النفس العربية عموماً الحزينة على ما آلت إليه التطلعات غير المحسوبة، الأمل بأن الجرح العربي لا بد أن يلتئم في حال تم الأخذ بالتعقل والإستفادة من دروس نصف قرن مضى. وعلى نحو القول الشائع "في الحركة بركة" فإن المرء يتفاءل خيراً بالذين يسعون إلى إنتشال الواقع الراهن من وهدته.
من ملامح هذه الحركة التي تعزز بركة وأمناً وتنمية وطمأنينة نفسية إحتمال وضْع حد لظاهرة اللجوء والنزوح ومعها الجنوح نحو تحالفات تَبين أن ظاهرها الإيجابي يغطي جوهرها السلبي وخصوصاً عندما يكون التحالف مفتقداً المنطق وفي طياته نوايا تتجاوز المعاني اللفظية لهذا التحالف. وعلى سبيل المثال التحالف بين طيف لبناني ونظام صاحب مشروع الغرض منه ليس ما هو معلن وإنما المستتر. وفي هذه الحالة المنقوصة التوازن يدفع المتحالف الثمن الذي لا يقتصر على مجتمعه وجماعاته وإنما يصيب الوطن وأطيافه بويلات. وهذا الذي نقوله أصاب لبنان الوطن جرَّاء تعمُّد النظام الإيراني أن يكون له ثلث لبنان أرضاً وشعباً بدل موطىء قدم صداقة وعلاقة سوية متعارف على طبيعتها سياسياً ودبلوماسياً كما سائر علاقات الدول بعضها مع بعض. وبدت الجمهورية الإسلامية في إيران جزئياً في هذه العلاقة تقتبس الصيغة التي كانت في الزمن المزدهر للاتحاد السوفياتي الذي إستعمل الجمهوريات المحلقة في فضائه الرحِّب لأغراض في النفس الماركسية اللينينية الستالينية البريجينيفية. ولمجرد أن بلغ الحلم الشيوعي آخر نقاط بهرجته تساقط الإتحاد السوفياتي جمهورية تلو أُخرى. وهذا مآل الحلم الذي إفترض الخميني أنه سيتحقق من خلال ورثته ومن هنا جاءت صيغة الأذرع التي أرادت إيران الخمينية – الخامنئية من خلالها إنشاء "شرق إسلامي جديد" يواجه "الشرق الأوسط الجديد" الذي كثر الكلام في شأنه أميركياً – أوروبياً – إسرائيلياً.
ما يعنينا ونحن نعيش في المنطقة كارثة الإحتراب الهمجي المكلل بسخاء أميركي سياسي وتسليحي لإسرائيل وعدم إكتراث بالأصول والمواثيق الأممية وكذلك عدم إصغاء للقادة الذين يرومون خيراً وإستقراراً للعلاقات بين الشعوب وحتى بين الأنظمة... ما يعنينا هو ما يندرج تحت قاعدة "في الحركة بركة" وبالذات ما قد نشهد ملامحه في الآتي من الأيام، ونعني بذلك المحادثات التي جرت في القاهرة بين الرئيس حسني مبارك وولي عهد المملكة العربية السعودية رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز خصوصاً أن زيارة الأمير إلى القاهرة إستثنائية تليها زيارة الملك عبدالله الثاني إلى السعودية، كذلك الظروف التي تعيشها المنطقة ويشعر عموم الشعب في كل دولة عربية أن الأمل معقود على ما يراه القطبان العربيان اللذان إعتمدا الحكمة والحنكة والصبر الجميل في التعامل مع الواقع العربي – الإسرائيلي الذي يزداد إضطراباً يوماً بعد يوم والذي كان مأمولاً تعديله جذرياً لو صَدق السعي الأميركي – الأوروبي بدل ممالئة إسرائيل والإكثار من "فتاوى تبرير" حربها على غزة البنيان والإنسان وعدم تعاطف هذا الطرف الممالىء ولو من باب درء عدم الإحترام لما يفعل ويقول من تبريرات للحرب على الإنسان والبنيان في أرض عربية، غزة ثم لبنان.
وإلى هذا الحراك العربي الذي يكتسب أهمية ملحوظة بمَن قام به، هنالك المأمول سماعه من نتائج أولية للقمة الخليجية – الأوروبية التي كانت خطوة غير مسبوقة وتعطي الحراك العربي في شخص من يحيطه بالإهتمام، وكذلك من موقف مأمول إتخاذه من "التحالف الدولي من أجل إقامة الدولة الفلسطينية" وتنفيذ حل الدولتيْن وبما يضع حداً لعدم حسم الدول الكبرى وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا أمر إستيلاد الدولة الفلسطينية، وكذلك لإسكات رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو الذي كلما صدر تصريح لمسؤول أميركي وأوروبي بمن في ذلك تصريحات لرؤساء الدول ووزراء الخارجية يتضمن إقراراً بقيام دولة فلسطينية، فإنه يسارع إلى رفْض الفكرة من أساسها، وإزاء ذلك لا يتمسك المصرحون هؤلاء بما قالوه، بل إنهم من أجل الفوز بمقعد في الكونغرس، أو حتى الفوز برئاسة الولايات المتحدة فإنهم يمطرون إسرائيل بتعهدات لا منطق فيها ولا عدالة. وحيث أننا في زمن بلغ فيه التعهد الأميركي ومن الجانب "الديمقراطي" مداه فإنني أستحضر من أرشيفي الشخصي وعلى سبيل المثال لا الحصر معلومة تحمل تاريخ الأحد 14 يونيو/ حزيران 1992 وتتضمن تعهدات تندرج في سياسة الممالئة نفذَّها المرشح الديمقراطي (بيل كلنتون) ومنها "معارضة قيام دولة فلسطينية. قيام تعاون إستراتيجي في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إعطاء إسرائيل ضمانات قروض بقيمة عشرة بلايين دولار. بقاء القدس عاصمة لإسرائيل في أي مفاوضات وأن تكون غير مجزَّاة. إنشاء لجنة أميركية – إسرائيلية مشترَكة لتطوير تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين. وضْع حد للضغوط الأميركية على إسرائيل". ومن الواضح أن هذه الهبة كانت تنفيذاً لمطالب مشروطة من "اللوبي الإسرائيلي" بلغ تجاوب كلنتون معها حد إعتبار كلام ينتقد فيه الرئيس جورج بوش هذا اللوبي بأنه – والكلام ﻟ كلنتون - "كان أسوأ يوم في تاريخ العلاقات بين البلدين". وثمة ملاحظة وهي أن بيل كلنتون بعدما حققت له الممالئة مبتغاه وبات رئيساً للولايات المتحدة أوجبت المعادلة الأميركية – الدولية والأميركية – العربية والخليجي منها بشكل خاص أن يعدِّل بعض الشيء في توجهات إدارته. ولأنه فعل ما لا يرضي "اللوبي الإسرائيلي" الذي سبق أن مالأه فإن هذا الأخير أوكل إلى صبية من بنات الطائفة (مونيكا لوينسكي) واجب أن تمارس مع الرئيس في مكتبه ما يؤنس ذكوريته على أن يكشف الإعلام الممالىء الواقعة وبذلك غادر الرئيس الذي أغدق على إسرائيل أجزل الوعود مقروناً تاريخ رئاسته بفضيحة وما تلا ذلك من إنعكاسات على حياته الشخصية.
بعد بضعة أسايع سيكون هنالك رئيس أو رئيسة في البيت الأبيض هو السابع والأربعون بدءاً بأولهم هاري ترومان. وطوال تسعة وسبعين عاماً رئاسية أميركية كان اليوم التالي لكل عهد رئاسة إزاء العرب غير متكافىء لأن الكفة الإسرائيلية هي الثقيلة في ميزان البيت الأبيض. ونتجت عن فواجع كان في إستطاعة آخر ست إدارات أميركية تصويب مسارها وبحيث يوضع حد لتعزيز الباطل الإحتلالي الإسرائيلي على حساب الحق العربي لكنها لم تفعل وبسبب نهجها غير المتكافىء حدثت الفواجع التي أحدثها الفاجعة اللبنانية توأم الفاجعة الغزاوية أرضاً وبشراً.
في ضوء ذلك فإن العربي المكتوي نفسياً بما هو حاصل وعيناه شاخصتان على "عم سام" اليوم الأميركي التالي" أي على أحد إثنين (ترمب الذي ترأس من قبل وهاريس التي أوجبت الظروف أن تكون فرس السباق) من واجبهما تصحيح المعادلة غير المستقيمة طوال ثلاثة أرباع القرن يتساءل: هل نحن على موعد مع عهد عربي – أميركي يحقق "الشرق الأوسط المتجدد" والمتعافي ويطوي بدعة "الشرق الأوسط الجديد". لربما العربي المتفائل بالخير يجده.
فؤاد مطر