أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ السبت 19/10/2024
شكَّل الإرتفاع المتدرج في عدد السكان العرب الفلسطينيين وبالذات في مجتمعات المسلمين منهم المزيد من الخشية لدى سلطة الاحتلال الإسرائيلي من أن تنتهي الورقة السكانية عنصر ضغط تساعد في حسم موضوع الدولة الفلسطينية التي كان بدأ الكلام الجدي في شأنها بعدما أبرمت مصر الساداتية معاهدة سلام مع إسرائيل، وكذلك بعدما إتسعت نسبة الدول الأجنبية من أميركا إلى حليفاتها الأوروبيات المنضوية تحت راية الحلف الأطلسي التي ترى في إستيلاد كيان شرعي للفلسطينيين دولة مستقلة أو دولة ثنائية الشعبيْن اليهودي والفلسطيني، خير صيغة حل تُطمئن الذين يسروا لاحقاً للمؤتمر الصهيوني (مدينة بازل السويسرية 29 و 30 و 31 أغسطس/ آب 1897) وبمشاركة 204 مندوب حضروا من دول عدة إعلان المبادرة البريطانية المتمثلة ﺒ "وعد بلفور" الذي جاء في صيغة رسالة سلَّمت بريطانيا (التي تحتل) فلسطين إلى اليهود الذين بدأوا يتقاطرون من دول كثيرة لإحتلال وطن الشعب الفلسطيني غير عابئة بريطانيا البروتستانتية المذهب بأن خير المقامات المسيحية كنيسة القيامة في قبضة الاحتلال الإسرائيلي حالها من حال المسجد الأقصى ثالث المقامات الروحية الإسلامية. وما هو أكثر إيلاماً أن هذه الدول التي باركت للصهاينة إحتلالهم فلسطين العربية – الإسلامية – المسيحية إعتبرت وعد صياغة لورد بريطاني بعبارات ماكرة، كصياغة زميله في اللوردة كاردون بعد نصف قرن لقرار مجلس الأمن 242 الصادر بتاريخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، أفضل توظيف لمصلحة إحتلالها المستمر أصلاً لفلسطين بدليل أنها عملت بالسر وبالعلن على ضم أرض الآخرين إليها. ولعلها في ذلك كانت تجدد محاولة ما كان سيقوم بها موشي دايان على نحو ما كشفه المؤرخ الإسرائيلي جاي لارون في تقرير نشره السبت 21 فبراير/ شباط 2009 ويتضمن وثائق تفيد أنه وضع عندما كان رئيساً للأركان خطة لإحتلال القاهرة ودمشق بغرض توسيع حدود إسرائيل وسيطرتها على المنطقة. وإستناداً إلى ما أورده المؤرخ الإسرائيلي (المصدر. صحيفة الشرق الأوسط عدد يوم الأحد 22 فبراير/ شباط 2009) فإن ديان رئيس الأركان زمنذاك أوضح يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1955 أمام جنرالات الجيش تفاصيل الخطة على النحو الآتي: "ضربة أولية لمصر تهدف إلى إحتلال قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء حتى قناة السويس وبعد ذلك إحتلال القاهرة فإحتلال الضفة الغربية حتى الخليل في المرحلة الأولى ثم الوصول إلى نهر الأردن في المرحلة الثانية، وفي لبنان يتم إحتلال الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني وفي سوريا إحتلال الجولان وصولاً إلى دمشق".
بقية هذه الخطة أن ديان عندما عرضها على رئيس الوزراء بن غوريون فإن هذا الأخير قال له "هناك خطر أن تقذف مصر تل أبيب، بل إنه حال قصْف تل أبيب من مصر سيقصف الأردن مدينة حيفا...".
القصد من التذكير بهذه النوايا أن إسرائيل نتنياهو تخطط ضمناً على نحو ما كان دايان يتطلع إلى تنفيذه بادئاً بلبنان. وتلك تطلعات أنماط من رموز القرار في إسرائيل بعضهم مدني والبعض الآخر عسكري. وهؤلاء يفترضون أنهم بالحروب إبادة وتدميراً وتهجيراً وتجويعاً المجاز لهم إضرام نارها حيث يمكنهم الإضرام، وكذلك بعملية التطبيع، وكلا الأمريْن بتمويل وتدعيم وتسليح أميركي – أوروبي أطلسي بإستثناء مواقف أطراف تعتمد عند إتخاذ القرار في ما يخص الصراع في منطقة الشرق الأوسط مثل إسبانيا وارلندا والنروج... إن في مقدورهم إقتراف ما هو أكثر خطورة من الذي تواصل إسرائيل نتنياهو إقترافه في غزة للسنة الثانية وتواصل عدوانها الذي شمل معظم مناطق لبنان. وفي الحالتيْن ليس الذي حدث حرباً وإنما كان عدواناً تعددت "فتاوى" الحليف الأميركي في أحقية قيامها به، وأثبت السلاح المتطور من هذا الحليف، يستعمله المعتدي في معظم مدن وبلدات لبنان بعد كل مناطق غزة، فعاليته بدليل أن القتلى والجرحى بمئات الألوف والدمار بالدقة المتناهية لصانعي الصواريخ المتطورة. وأما مئات الألوف من النازحين بفعل العدوان على اللبنانيين من الطائرات الحربية الأميركية الصنع والمزودة بها إسرائيل لصد مَن يعتدي عليها فإذا بها وسيلة من وسائل العدوان على مَن يفترضون أن الإدارة الأميركية تقدر خير تقدير صداقة عهود البيت الأبيض للوطن المفترى عليه. والمفترضون هؤلاء وهم ملايين من العرب والمسلمين يتطلعون إلى ما يمحو خطايا معظم رؤساء البيت الأبيض الأربعة عشر بدءاً بالرئيس الثالث والثلاثين هاري ترومان (توفي عام 1972 عن 88 سنة) وصولاً إلى الرابع عشر جو بايدن الذي رغم معرفتهم بالنوايا غير الطيبة لليهود تجاه غيرهم من سائر البشر فإن مساندة البيت الأبيض وبمعظم إداراته لإسرائيل إتسمت بممالأتها إسرائيل وتبرير عدوانها، فضلاً عن تعطيل محاولات أممية كان من شأن الأخذ بها كبح العدوان الإسرائيلي ضد أصحاب الحقوق الشرعية. ومن هاري ترومان إلى جو بايدن لم يلقَ وجوب الاهتمام الموضوع الفلسطيني الذي هو الأهم بين قضايا العرب والمسلمين، بل كانت خطوات إتخذها كل من الرئيس ترمب وبايدن ذات طابع عدائي للأمتين. وهذا رغم رأي هؤلاء الرؤساء ضمناً بالنفسية اليهودية. وكان ترومان الذي هو أول معترفي دول العالم الغربي بإسرائيل دولة تحتل أرض وشعب غيرها، دوَّن في دفتر أزرق اللون تم العثور عليه يوم الخميس 11 يوليو/ تموز 2003 وبخط اليد عن اليهود العبارات الآتية "اليهود لا يملكون الإحساس بالإنسجام وليسوا قادرين على تقييم الشؤون الدولية. هنري جاء بآلاف اليهود إلى نيويورك لتكون لهم مقراً مؤقتاً لكنهم يبقون فيها ولا يغادرون فيما بعد. اليهود كما أراهم أنانيون جداً. ما أن يتمتعوا بنفوذ سياسي أو مالي فإنهم يصبحون أسوأ من هتلر وستالين في معاملة الآخرين...".
لا ندري إذا كان سائر الرؤساء الراحلين منهم والأحياء على حد سواء (كما ترومان النادم سراً على ما كان عليه فعْله جهراً) دونوا في مذكرات شخصية ما لا يرتأون عدم قوله صراحة عن إسرائيل والساسة اليهود، خصوصاً أن الحقبة الإسرائيلية التي شغل فيها هؤلاء رئاسة البيت الأبيض كانت الأكثر غرابة في ملف العلاقة المتسمة بالظنون من العرب والمسلمين بالنوايا الأميركية وبالإصطفاف العابر للأصول والحقوق الإنسانية من جانب الإدارات الأميركية بتنوع الإيقاعات إلى جانب الحكومات الإسرائيلية وبالذات إلى جانب حكومة نتنياهو الأكثر عدائية للعرب كما شارون من قبل وفي السلوك نفسه للجنرال الحالم بالتوسع إجتياحاً (موشي دايان) دايان الذي كان يخطط لذلك على نحو ما أوردناه في سطور سابقة غير عابىء بطبيعة العلاقات الأميركية – العربية.
كل هذه المراحل في مأساة الوضع العربي منذ العام 1948 وبالذات بعد رمي اليهود في أرض فلسطين العربية الإسلامية – المسيحية لإستيطانها وما تلا ذلك من أبشع المآسي، لا علاج لها بغير قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. علاج يبرىء الذمة الأميركية – البريطانية ويشفي الجرح الذي ينزف على أرض الأمة من المحيط إلى الخليج. عسى يتأمل المعتدي الإسرائيلي وغافره الأميركي برئيس منصرف ومنافس حالم بإستعادة الترؤس في مضمون قمة بروكسل (الأربعاء 2024.10.16) وما أراده الثنائي الخليجي - الأوروبي من قمتهما التي يعقدونها للمرة الأولى والتي كمَن يريد طارح فكرتها وباذل السعي لعقدها القول إن الأمل بموقف أميركي يستبدل باطل الموقف من الموضوع الفلسطيني هو المأمول من الولايات المتحدة إتخاذه وذلك بوضع فكرة الدولة الفلسطينية موضع التنفيذ، وأنه إذا كانت الإدارة الأميركية لن تبادر، فإن أوروبا المتململة من العربدة الإسرائيلية على أهبة ملاقاة الصديق الخليجي - العربي.
وما ضاع حق وراءه مطالِبون يمثِّلون أمتيهم خير تمثيل.
فؤاد مطر
.