الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

القائد المأمول.. والواقع المرير

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الجمعة 11/10/2024
لم يكن حجم الأذى الذي ألحقه بإسرائيل المقاومون الفلسطينيون الذين ينضوون في معظمهم تحت راية "فتح" وزعيمها ياسر عرفات والذي حظي بشرعية ذات نكهة ناصرية الحُكم اللبناني في "إستيطان عسكري" في مناطق من جنوب لبنان وتوجيه ضربات في هذه المناطق الحدودية إلى أهداف إسرائيلية، بالأذى الذي ألحقه مقاتلون ينضوون تحت راية خفاقة هي "راية حزب الله" ذات النكهة الإيرانية وحليفة بنسبة محسوبة وبتعاطف نوعي مع النظام الأسدي إبناً بعد أب وتلك هي "راية حركة أمل" ومع ذلك فإن الرد الإسرائيلي على الحالتيْن كان متشابهاً لجهة الحقد والقسوة ووسائل الإنتقام والعبث بسيادات الأوطان المحرَّم إنتهاكها.
الإنتقام المتواصل من جانب إسرائيل بطائرات وصواريخ وذخيرة وأسلحة من كل نوع بالذات ما يحقق الخراب إلى جانب إبادة الأرواح والحاصل على السند الأميركي تسليحاً ومباركة ضمنية وتعطيلاً لأي مشاريع قرارات أممية، والمستهدف الطبقات الثلاث في بنيان الحزب بدءاً بالأمين العام حسن نصرالله. هذا الإنتقام الذي هتك السيادة اللبنانية بعاصمتها "الضاحية الجنوبية عاصمة حزب الله" ومناطق في العاصمة الإدارية إستهدافاً لعناصر تقيم في شقق من عمارات فيها، يجعلنا نستعيد ما حدث قبل 39 عاماً وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1985، عندما عمدت إسرائيل إلى محاولة الإنتقام من عرفات ومن الذين إصطحبهم في سفينة من المقاومين الفلسطينيين الذين لم يصمد إستيطانهم في مناطق من جنوب لبنان وإستقر التشاور موضوعياً على الرحيل من لبنان لكن إلى أي ملاذ، ثم تقرر تونس البورقيبية المزالية إستقبال ياسر عرفات ومَن معه من قياديين ومقاتلين وتُسكنهم كمواطنين عاديين لا سلاح ولا مقاومة ولا خروج على أصول الضيافة القسرية. ولقد تفهم الضيوف المصدومون من الذي جرى وكيف أن إقامتهم بكامل الرضى في لبنان وبخطوة لدى أهل الحُكم رئيساً وقيادة جيش بهم من جانب مصر الناصرية وشخصياً من رئيسها عبدالناصر الذي تجاوباً مع تمنياته كان الذي سمي "إتفاق القاهرة" يتم تجييره يوم الإثنين 2 نوفمبر/ تشرين الثاني حاملاً توقيع رئيس الوفد اللبناني قائد الجيش الجنرال إميل بستاني ورئيس الوفد الفلسطيني ياسر عرفات. وتداركاً للمجادلات والإعتراضات إرتأى الجانبان أن تنص المادة 15 من بند "العمل الفدائي" على الآتي "يبقى هذا الاتفاق سرياً للغاية ولا يجوز الإطلاع عليه إلاّ من قِبَل القيادات فقط". وعموماً كأنما رئيس جمهورية تلك الحقبة (شارل حلو) إفترض بهذا الاتفاق تسليف الرئيس عبدالناصر موقفاً يبدد في الوقت نفسه الإنطباع السائد بأن لبنان لا يؤدي الدور الفاعل للقضية الفلسطينية. ولكن ذلك الإفتراض إنتهى إلى أن الطرفيْن لبنان الوطن و"لبنان عرفات وفلسطينوه" دفعا ضريبة على درجة من القساوة.
المهم أن الإستضافة التونسية أثمرت عدواناً إسرائيلياً جوياً على "حمام الشط" المنطقة التي إختارتها الحكومة التونسية لتكون ملاذاً للضيوف الفتحاويين الناجين من عدوان إسرائيل عليهم وهم في لبنان، الآملين بالأمان في رحاب تونس البورقيبية كونها الدولة العربية الوحيدة التي إستقر الأمر على أن تستقبل عرفات وصحبه من قياديين ومقاتلين إنما لا سلاح ولا من يسلحون.. وأيضاً لا عمليات فما بين تونس وإسرائيل مسافة أربعة آلاف كيلو متر جواً وألوف الأميال بحراً كما ليس هنالك إتفاق يماثل إتفاق القاهرة وهذا يعود إلى بُعد نظر الرئيس بورقيبة المنادي أصلاً بإرتضاء صيغة التقسيم حلاً واقعياً ومن قبل أن تكون هناك "فتح" وسائر التنظيمات ويكون هنالك ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو الزعيم وجورج حبش وأحمد جبريل ثم حالياً حركة "حماس" وسنوارها بعد مشعلها وريثان للشيخ أحمد ياسين وحركة "الجهاد الإسلامي" بتنوع شيوخها المدنيين. ورغم بُعد النظم البورقيبي المشار إليه فإن العدوان الجوي الإسرائيلي إستهدف مطلع أكتوبر 1985 بواسطة ست طائرات حربية أميركية الإهداء والتدريب والتسليح "الضاحية الجنوبية" التونسية المقر الذي حددتْه تونس لإقامة "منظمة التحرير الفلسطينية". وجاء العدوان وعلى نحو ما حصل مع لبنان طوال أشهر صيف 2024 ويتواصل في الشهر الأول من الخريف وما يليه، بعدما ما جرى تحديد المكان والوقت لإجتماع قيادي يترأسه عرفات وبذلك يتم القضاء على جميع "الأبوات" بمَن فيهم "أبو جهاد". وثمة رواية مفادها أن عرفات نجا من القصف لأنه أرجأ الاجتماع للمشاركة في واجب تكريم رئيس وزراء تونس السابق عبدالله فرحات لكن الطريدة الفتحاوية الثمينة – السمينة أي عرفات تمكَّن منها الصياد الإسرائيلي على أهون سبيل. ويقال إن حقنة سامة أعطيت ﻟ أبو عمار وهو في مقر إقامته كرئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية أوجبت مضاعفاتها نقْله إلى المستشفى العسكري في فرنسا حيث كانت رقدته الأخيرة.
ما يعنينا قوله هنا بعدما إنتهت مقار المضافة التونسية إلى ركام من دون إنقاذ أوراق ووثائق على جانب من الأهمية وزهوق أرواح تحت الأنقاض أن رحلة العدوان الإسرائيلي على تونس لم تكن لتتم باليسر الذي تمت به لولا أن طائرات تموين أميركية زودت الطائرات الإسرائيلية جواً في رحلتها العدوانية بإتجاه تونس والبالغة 4800 كيلومتر، أن طلعات العدوان الإسرائيلية على مناطق لبنانية لا تحتاج إلى تموين أخوي أميركي لطائرات نتنياهو وذلك لأن المسافة عبارة عن أميال قليلة. والقصد من قولنا هذا أن العون الأميركي دائم الحضور في العدوان الإسرائيلي سواء في غزة أو على لبنان كما على تونس. وهذا العدوان الجوي الذي شمل العراق لاحقاً في الزمن البوشي سبق أن شمل ليبيا القذَّافية بمئة وسبعين طائرة في زمن الرئيس ريغان. وتحضرني في هذا التذكير عبارة قالها لي القذَّافي خلال لقاء حواري مطول معه (مارس 1987) إن هذه الغارة جعلتْه يشعر أن ليبيا دولة عظمى ومن يومها أطلق على دولة الثلاثة ملايين نسمة تسمية "الجماهيرية العربية الليبية العظمى"..
وهكذا فإن الأمة بمثابة طريدة للصديق الأميركي الذي يعطينا من طرف اللسان بين الحين والآخر مذاق حلاوة الدولة الفلسطينية بما يجعل العالم العربي – الإسلامي مستكيناً على كف عفريتيْن، العفريت الأميركي الكبير والعفريت الإسرائيلي المكابر والمتكبر على الكبير. والأمة في إنتظار نضوج القائد الذي يحقق إختراقاً نوعياً في هذا الوقع المرير.
فؤاد مطر