الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

اليوم اللبناني.. والبارحة التونسية

الرجوع
نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ الثلاثاء 8/ 10/2024 يحزن اللبناني على حاله كثير الحزن هذه الأيام التي تنفِّذ إسرائيل نتنياهو إستباحات من كل نوع بسمائه وأرضه بعد إستباحة ثورية ذات نكهة إيرانية لقرار دولته غير المكتملة الأصول الدستورية وإلى درجة أن هذا الوطن الذي سبق أن إنتشله الحادب السعودي (إتفاق الطائف 18 سبتمبر/أيلول 1989) من جحيم إقتتال بني طوائفه، كما إنتشال يوسف من الجب، سيذهب مثلاً في الأوطان التي يتشارك معظم أطيافها الحزبية وكل طيف على نحو ما يكلّف به أو يوحى إليه، في زعزعة هذا الوطن الذي تمعن إسرائيل نتنياهو وكما إسرائيل شارون قبل عقديْن من الزمن تدميراً لبعض مناطقه في معظم العشرة آلاف وأربعمئة وخمسة وعشرين كيلومتراً مربعاً. وموجب إستحضار إتفاق الطائف علاجاً للوطن المبتلى بالعدوان بعد الإستباحيْن أكثر من ضروري حيث أن وثيقة إتفاق الطائف لم يقتصر بعض مضمونها على إستبدال الإقتتال بالتسالم المتدرج إلى حيث يبلغ مدى الإنصهار الوطني كما حدث عام 1943، وإنما كانت بمثابة خارطة طريق للبنان الذي ينعم بالإستقرار كما سائر أوطان كثيرة، إنما من دون أن تشرِّع طائفة أو أكثر من طوائفه العديدة الأبواب أمام أصحاب مشاريع لا تعطي التوافق أهمية ولا تراعي التركيبة الراسخة لتعدد المناحي الطوائفية فيه. ولقد كان من شأن إستيعاب كنه التركيبة المجتمعية والطوائفية في لبنان أن يقتصر طيف خيار المواجهة نصرة للشعب الفلسطيني في غزة، على مساندة معنوية إعلامية وإستضافات علاجية وتوفير أدوية، وبذلك يؤخذ الموقف اللبناني من جانب المجتمع الدولي في الإعتبار وبالتالي لا يصار هذا التدمير للقرى والبلدات الجنوبية كما للضاحية التي باتت عاصمة "لبنان حزب الله" وهي تسمية شجعت التوجهات التي خرجت التكهنات في شأنها إلى العلن، بل ذهب البعض إلى تفضيل خيارات تحويل الوطن الواحد إلى عدة لبنانات، كل يلوذ في لبنانه الذي لا يعنيه أمر المواجهات بالسلاح. هذا الذي جرى للبنان وتنوعت محطات التدمير والإبادة من جانب إسرائيل لبعض مناطق بلداته ولمناطق في عاصمته كاد يحدث مثيله في تونس في مثل هذه الأيام الأوكتوبرية من العام 1985، لولا أن البورقيبية ومعها حكومتها المزالية (الرئيس محمد مزالي) كانتا على درجة من الحصافة لإستدراك ما من المصلحة الوطنية إستدراكه. زمنذاك لم تكن هنالك إيران ذات الأذرع. كان لبنان في أحسن حال كما كانت "حماس" في غزة ما زالت تحبو. وكانت تونس هي الأُخرى في منأى عن ظاهرة الأذرع التي أصابت لبنان وسوريا والعراق وغزة واليمن الذي تبعثر. كانت هنالك "فتح" يقودها ياسر عرفات محاطاً بمجموعة من رفاق التأسيس ولأن السند الناصري كان في عز شأنه فإن الرئيس عبدالناصر مارس مع لبنان ذي الشأنيْن الرئاسي (شارل حلو) والعسكري (قائد الجيش إميل البستاني) ما ليس في الحسبان حيث أنه كان بمثابة سابقة توقيع إتفاق بين لبنان والتنظيم الفلسطيني الأقوى (حركة فتح) وكانت الوثيقة المذيلة بتوقيع قائد الجيش اللبناني وتوقيع ياسر عرفات والمسماة "إتفاق القاهرة" وتجيز مرابطة قوات فلسطينية في مناطق من جنوب لبنان بمثابة الشرارة التي تطورت مع الوقت إلى الحرب اللبنانية فإلى حرب إسرائيل ارييل شارون على لبنان وكما هي حرب إسرائيل بنيامين نتنياهو المستمرة على لبنان بدءاً بإغتيالات رموز في المقاومة بنوعيْها.. مقاومة "حماس" المستضافة بعض قيادييها في "لبنان حزب الله" كما إستضافة ياسر عرفات ومعظم القياديين من حركة "فتح" وحلفائها بتأشيرة رئاسية ممهورة بتوقيع قائد جيش لبنان إلى جانب توقيع ياسر عرفات. ومثل هذه الصيغة لم يتم إعتمادها من جانب إيران وإن كان التوقيع تم ضمناً من خلال تحالف "حزب الله" مع رئيس الجمهورية ميشال عون. هذه التجاوزات للأصول الدستورية أفرغت لبنان من صلابة موقفه وهزت كيانه وجعلت التصويب عليه يبدو وكما لو أنه فريسة للصائدة المستبيحة أوطان الآخرين وسياداتهم بدعم مبرمج ورضى غير مسبوق فعالياته من جانب الإدارات الأميركية والحكومات الأطلسية . ومن بعض هذه الفعاليات والإستباحات ما حدث لدولة تونس في مثل هذه الأيام قبل 39 سنة التي حطت في ربوعها قوافل "فتح" بقائدها ياسر عرفات ومقاتلين في جنوب لبنان تصرفوا بموجب ذلك الاتفاق الذي أشرنا إليه، الأمر الذي أوجب تسفيرهم إلى تونس الدولة التي إرتضت الإستضافة مع حسبان المفاجاءات من جانب إسرائيل. ولهذه الحالة من تشابه الحاضر في لبنان من جانب إسرائيل مع الذي حدث قبل ذلك في تونس أي ما أشبه اليوم اللبناني بالبارحة التونسية بقية هوامش تعتمد على الذاكرة والمعايشة. شفى الله لبنان من رهانات الخيارات المتعجلة. فؤاد مطر