الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

أميركا النازعين.. وأميركا النازحين

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 30/4/2024
كان من شأن عدم الأخذ بالموافقة على إعتبار دولة فلسطين كامل العضوية في منظمة الأمم المتحدة، وتلك سقطة سياسية من جانب إدارة الرئيس جو بايدن، أن تخفف من حالة العتب العربي والإسلامي والدولي بنسب متفاوتة على السلوك الأميركي الذي إفتقد الموضوعية بعدم تمرير مشروع القرار الذي كانت الصياغة الجزائرية له على درجة من بُعد النظر. بل قد يجوز الإفتراض أن الجزائر بصياغتها تلك كانت ترى أن التصويت بالموافقة على قبول العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة كونها تتم فيما هنالك تحضير من جانب الأمانة العامة للجامعة العربية لجدول أعمال القمة التي تستضيفها مملكة البحرين، يوجب وقفة من التأمل والمراجعة من جانب إدارة الرئيس بايدن تلفت إنتباه القادة العرب الأصدقاء منهم بشكل خاص الذين يشاركون في القمة التي تنعقدفي الرحاب البحرينية شأنها في ذلك إنعقاد القمة السابعة والعشرين للمرة الأُولى في نواكشوط (25 يوليو/ تموز 2016). ولن تكون حال المنامة كما التي كانت عليها نواكشوط التي تعاملت حكومتها مع الحدث العربي المهم بما أضفى على العاصمة الموريتانية لجهة المباني والنظافة وإخلاء مناطق كثيرة في العاصمة المضيفة من الباعة المتجولين والمتسولين هذا عدا رقابة أمنية مشددة. أما لماذا هذه الإجراءات لن تحتاجها المنامة مستضيفة القمة العربية للمرة الأُولى فلكونها ذات رونق عمراني دائم التجدد بحيث لن تنشغل الأجهزة الحكومية المختصة في التجميل والتنظيف وحجْب ما جرى حجْبه في نواكشوط عندما إستضافت القمة التي كانت لافتة من حيث مكان الإنعقاد الذي تم في خيمة ربما إستحضاراً ﻟ "خيمة القذَّافي" جرى نصْبها وإرفاق ذلك بعبارات من جانب المسؤولين مثل "إقبلونا كما نحن" و "إرضوا بالقليل يا إخواننا" كما أيضاً من حيث زمن الإنعقاد الذي دام بضع ساعات غادر القادة العرب في نهاية اجتماع اليوم الواحد عائدين كل إلى ديوانه تاركين على وجوه فعاليات كثيرة ملامح دهشة وإستغراب فضلاً عن التساؤل: هل إنهم ينظرون إلى موريتانيا على أنها ذات هوية ملتبسة عربية _ أفريقية أو أفريقية _ عربية، وهي نظرة قائمة منذ إنتساب موريتانيا دولة مستقلة إلى الجامعة العربية قبْل 51 سنة.
هنالك إلى جانب الإنعقاد الأول للقمة العربية في المنامة عاصمة مملكة البحرين بعد أيام وقبل ذلك الإنعقاد الأول للقمة في نواكشوط عاصمة الجمهورية الموريتانية، وضعية متشابهة. فالإنعقاد في نواكشوط حدث فيما موريتانيا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وكانت من أوائل المطبِّعين وقيل عن خيارها الكثير من اللوم. والإنعقاد الآتي للقمة يتم في المنامة بعدما خطت البحرين خطوة نوعية على طريق التطبيع.
ما يجوز قوله حتى إذا كان إفتراضاً هو أن قمة المنامة كانت ستبدو تسجل التقدير العربي الذي في أشد الحاجة إليه الإدارة الأميركية لو أن عملية التصويت على قبول دولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة لم تلق هذا الخذلان من جانب الرئيس بايدن. ولا يقلل من غرابة الموقف الأميركي أن اليد لم ترتفع بالموافقة كما كان مأمولاً وعوض ذلك كان عدم التصويت يراه الرئيس بايدن أخف وطأة على الأصدقاء العرب الذين سيعقدون قمتهم الدورية في المنامة حيث للولايات المتحدة قاعدة بحرية ليس القادة العرب في حاجة إلى حماية من جانبها.
تبقى على هذه الهوامش عن الأحوال العربية من مشارقها إلى مغاربها وقفة أمام أوضاع وظواهر تلفت الإنتباه. ففي الوقت الذي تستضيف العاصمة السعودية الرياض (الأحد 4.28. 2024) وعلى مدى يومين "المنتدى الاقتصادي العالمي" بهمة صاحب "رؤية 2030" ويشارك فيه قيادات ومسؤولين من 92 دولة أكثرهم كما الدولة المضيفة يرون أن الحل الذي لا أفضل ولا أعقل ولا أمثل لإتخاذه كان تمرير مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر لإضفاء صفة الدولة المكتملة حق العضوية في منظمة الأمم المتحدة، ذلك أن هذا التمرير الأميركي تصويتاً لمصلحة المشروع كما تصويت سائر المصوتين العاقلين، كفيل بإنحسار مشاعر المرارة من التعامل الأميركي _ الأطلسي مع حرب إسرائيل نتنياهو على الشعب الفلسطيني في غزة وحيث تُحكم هذه الإسرائيل القبضة على ما هو فلسطيني أو مؤازر بموضوعية لحقوق شعب إحتلت بريطانيا وطنه ثم أحلت على أرض هذا الوطن شعباً وافداً من الشتات ومستقراً بحماية قبضة أميركية _ أطلسية. كما نرى إفتراضاً أن هذا الموقف الإحتجاجي من جانب قطاعات عريضة في الجامعات الأميركية _ الأوروبية كان سيشهد بعض الإستكانة لو أن إدارة الرئيس بايدن إرتأت على نحو ما أشرنا إليه التكفير عن خطوات إكتسبت صفة الذنوب.
ونحن نخلد إلى حالة عميقة من التأمل عندما نقارن بين هذا الذي يشهده الوسط الجامعي الغاضب في مدن أميركية وأوروبية عدة، وبين الحال في الرياض العاصمة العربية المعول على قيادتها وضع المنطقة في مدار الاستقرار والتنمية وهو ما يسجله الجمع الدولي بمن في ذلك الأميركي ضمناً لبصيرة خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز ورؤية (2030) ولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان المتبقي على إستكمال ثمار شجرتها خمس سنوات نرى كم الفوارق شاسعة بين حكمة أهل القرار السعودي وتخبط أهل القرار الأميركي _ الأطلسي عموماً أزاء قضايا لمصلحة دوام الاستقرار وتفعيل خطوات على طريق التنمية والتطور. وما إنعقاد "المنتدى الاقتصادي العالمي من دافوس إلى الرياض" والمشاركة الألفية من جانب رموز هواجسهم التنمية المستدامة والإستقرار والنأي عن الرهانات والمغامرات والتدخلات غير المحسوبة سوى الإستخلاص من التأمل العميق بأن الحكم إختبار لمَن يحكم كما أن أهمية السُلطة ليس فقط في إستحواذها وإنما في سلاسة مَن يملك القرار الصعب بحيث لا يدير الأمور على نحو هواه وإرتباطاته وتطلعاته ومشاعره الدفينة وإنما وفق قاعدة تقوم على التبصر، وهذا ما إفتقدناه في التعامل الأميركي وكذلك تعامل بعض دول أوروبا الأطلسية مع القضايا العربية المحقة.
وما زال الأفق يتسع لموقف أميركي _ أطلسي يطوي مواقف ممثلين على مسرح وليس رجال دولة يملكون السلطة التي تعطي أصحاب الحقوق ما هو منتزَع منهم وتلقن النازعين المطمئنين إلى خيمة السلاح والمال والمواقف القائمة على الباطل الدرس الذي يضمد جراح النازحين. والله الهادي.
فؤاد مطر