الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

نعمة الوطن المستقر

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأحد 25/ 8/ 2024
بعدما أنجزت موريتانيا الإستحقاق الرئاسي وفي ظل أجواء من التنافس الذي يطيب لدول الجناح المغاربي من الأمة إعتماده، ها هي الجزائر وتونس على موعد مع الإستحقاق المشار إليه ومن معالمه أن عبدالمجيد تبون سيجدد رئاسته للجزائر وكذلك قيس بن سعيد سيحذو الحذو نفسه في انتخابات إستدرك كل منهما تأثير مواقف آخرين يمنّون النفس بالترؤس فكان التوجه أن يكون الأمر بعيداً عن المنازلات الحادة وترْك الإستحقاق يأخذ مداه وبحيث يقرر كل من الناخب الجزائري والناخب التونسي إنتقاء أي إسم مرشح للرئاسة.
من الجائز القول إن سنوات الترؤس لكل من تبون وبن سعيد كانت في مجملها سنوات ترميم وحسم حالات إمتزج فيها الشحن الاسلاموي بالرؤى التي تتجاوز في بعض ملامحها حدود الوطن، فضلاً عن أن الفساد شق طريقه إلى بعض كبار المسؤولين في الدولتيْن وكان لا بد من إجراءات شملت مصادرات أموال وعقارات وأحكام بالسجن، وتلك ورقة أفادت الرئيسيْن بتون وبن سعيد شعبياً سيما وأن الأزمات المعيشية خانقة في شرائح عريضة من الناس.
المهم أن تستقر الحال وتأخذ الطمأنينة حيزاً لها في كلا المشهديْن الجزائري والتونسي وبحيث تستعاد القراءة في الإنجاز الذي أصابته حالة من التجمد، ونعني بذلك الإتحاد المغاربي الذي في حال الإحياء المتدرج له إنتقال الدول الخمس (المملكة المغربية النموذج اللافت للإستقرار والجزائر وتونس وموريتانيا) التواقة كل منها إلى ثبات الاستقرار، إلى بذل جهود أخوية لإنقاذ ليبيا من وهدتها وبحيث تتوحد جيشاً واحداً لا جيشيْن.. بل لا "جيوش" وحكومة واحدة متجانسة لا "حكومات" ورئاسة يتم الإقتراع لمرشحين على نحو إقتراع الجزائري والتونسي بعد أيام وكما إقترع الموريتانيون قبل أسابيع. وإلى ذلك التمني على تركيا وبإسم كامل الجناح المغاربي من الأمة فك هيمنتها المثلثة سياسياً وعسكرياً وأمنياً على بعض ليبيا. ونقول ذلك من منطلق أن ترْك ليبيا لتجارب البعثات الأممية والتدخلات الأجنبية لم يثمر سعياً مشكوراً.. وإنما كان صباً للزيت على النار التي لم ينطفىء تماماً جمرها.
مقابل ما هو مأمول حدوثه في كل من الجزائر وتونس إنجازاً لإستحقاق رئاسي لا تشوبه شوائب بعد الإنجاز الموريتاني، يبدو الاستقرار الذي تعيشه المملكة المغربية مدعاة للكثير من التأمل في النهج الذي إعتمده الملك (الراحل) الحسن الثاني وها هو الملك محمد السادس يبدأ قبل أيام ربع قرن جديد من الحكم يستكمل فيه المزيد من الخطوات التي تجعل المملكة المغربية رمزاً للإستقرار في الجناح المغاربي من الأمة، ويبتكر من الصيغ داخلياً وعلى صعيد العلاقات مع دول العالم من الصين إلى إسرائيل ما يُبقي كفتيْ الميزان متعادلتيْن، كما أنه على صعيد الانتخابات والتمثيل الشعبي والمشاركين والتشاور في إتخاذ القرارات زاد تعزيزاً ما كان والده الراحل أخذ به. وتحضُرنا على سبيل المثال لا الحصر كيف أن البرلمان الأول في عهده وفي سياق تعزيز القطاعات التربوية والمجتمعية خصَّ تمثيل المرأة وبموجب قانون إنتخابي بعشرة في المئة من مقاعد البرلمان وبذلك باتت المرأة تتمثل بثلاثين من أصل عدد النواب اﻟ 325 يا ليت "طالبان" أفغانستان يتأملون فربما يتعظون. وما حدث في ربع القرن الأول من حُكمه يتواصل خطوات لعل تعامل المملكة مَلِكاً ومؤسسات مع زلزال بالغ القوة أصابها خير مثال عن إلتفاف الرعية وشتى مؤسسات الدولة مع القائد الذي يوضح كيف أن سنين الحاكم السائر على الصراط المستقيم تُحسب بربع القرن يليه ربع... والأعمار بيد الله.
هذه الإستحقاقات يسمع بها ويرى بأم العين مشهد كل منها اللبناني فيرثي حاله وكيف أن وطنه من ذبول متدرج إلى إنطفاء محتمل الحدوث لما بقي من الشعلة التي طالما أضاءت وعلى مستوى الإقليم. ويبلغ الرثاء أحياناً مداه عندما يرى أن واجب الإستحقاق الرئاسي لا يؤدى على نحو ما ينص عليه الدستور وأن ضجيج التصريحات يتبادلها أولئك مع أولائهم يضفي المزيد من حالة التيئيس في نفوس المواطنين. ويزداد منسوب اليأس أكثر فأكثر لدى اللبناني عندما لا يرى أي بارقة أمل تأتي من هكذا حكومة وهكذا برلمان وهكذا أحزاب وتيارات وحركات. وفي بعض ليالي العتمة التي يؤمل من نجدة النفط الجزائرية تخفيف وطأتها يجد هذا المواطن اليائس يسائل نفسه: هل إن اللبناني فقد الحادبين عليه وهل هم غافلون عن واقع حال هذا الوطن الذي باتت الدولة دولتيْن، دولة مرتبكة لا تدري ما من الواجب فعْله و"دولة" تنفِّذ ما تريد أو يريدها لها حاضنها الإيراني الذي في القول تهديداً تلو تهديد من مرشده إلى حرسه الثوري تبدو دولة عظمى مقتدرة ثم نراه في التنفيذ المرجأ يقود دولة عادية بما يعني أنه لاعب ويترك الأذرع التي أنشأها لا تحسم أمراً ولا تترفق بالوطن الذي قد ينتهي به الأمر وطنيْن.
خلاصة القول إن الأوطان تستقر بالحكام الذين يؤمنون بأن الوطن أهم من الشخص وأن من يحكم يكبر بإستقرار الوطن. والشواهد قليلة يتمنى المرء أن تصبح كثيرة.
فؤاد مطر