نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الإثنين 12/8/2024
يتأكد يوماً صعباً آخر تليه أيام بالصعوبة نفسها حول حرب الإبادة والتجويع والتهجير من جانب إسرائيل نتنياهو وقد باتت قريبة من بداية سنة جديدة لها، أن هذه الحرب بالطائرات والدبابات لن تضع أوزارها إلا إذا حدث في إحدى مدن إسرائيل ما يحدث منذ عشرة أشهر في غزة أي بما معناه يتفجر الغضب على صانعي الحرب وتبدأ الأطياف اليهودية في مدن فلسطين المحتلة تطالب بالصوت العالي أهل الحكم والحرب وضع حد لما إعتبروه واجباً، وبالتالي مناداة هؤلاء المجتمع الدولي تحويل مسألة إقامة دولة فلسطينية مجرد كلمات تقال في مناسبات ولا يتم الأخذ بتحويل مضمون الكلام إلى فعل. وإذا أخذنا في الإعتبار نسبة الغضب الناشئ في نفوس الشعب الفلسطيني، فإن رد الفعل من أطياف في هذا الشعب على الفعل الإسرائيلي الإبادي إحتمال حدوث مفاجأة لمدينة في إسرائيل جرَّاء هجوم نوعي من طيف فلسطيني أو نصير لهذا الطيف، لا يبدو مستحيلاً. وعندها سيرى المواطن اليهودي في هذه المدينة وربما في مدن وبلدات فلسطين المحتلة ما جرى في تلك المدينة أو البلدة التي تعرضت لهجوم ومارس المهاجمون فيها ما مارستْه حكومة وجيش إسرائيل نتنياهو بنساء غزة وأطفالها ومستشفياتها وملاذاتها الآمنة وعماراتها ومدارسها وكنائسها وجوامعها...
إن هذا المواطن سيرفع الصوت عالياً ثم أعلى لوقف الحرب على غزة والأخذ بتسوية تعطي الإسرائيلي الأمان والبقاء في دولة في المنطقة لا يعلو فيها رأس حاكمه، وبالذات في حال كان من نسيج نتنياهو، على سائر الرؤوس متعاملاً مع الآخرين على أنه ما دام مفوضاً من جانب الإدارة الأميركية ومصفَّقاً له من جانب مفتونين به من أعضاء الكونغرس ومباركة عدوانه من جانب حكومات دول حلف الأطلسي وبالذات البريطانية والفرنسية والألمانية فإن على سائر العرب التسليم به وبأفعاله العدوانية وبالذات تلك التي تجاوزت مفاعيلها بكثير الخط الأحمر القاني. وهنا رُب متسائلين هل أن الرأي العام الإسرائيلي ساه عما يحدث ويعتبر فعل نتنياهو في غزة واجباً تؤديه الحكومة بأمانة لكي تكون إسرائيل الدولة المهابة الجانب، وعلى هذا الأساس فلا خشية من أي مفاجأة ومنها على سبيل المثال نجاح هجوم مضاد مستهدفاً مدينة أو بلدة إسرائيلية ونجاح المهاجمين في إلحاق الأذى بالناس كما الأذى الذي تواصل حرب إسرائيل نتنياهو إلحاقه بفلسطينيي قطاع غزة. والإجابة عن ذلك هي أن أطيافاً عريضة من الإسرائيليين في غاية القلق والتشاؤم مما فعله نتنياهو وإستطراداً الإدارة الأميركية والحكومات الأطلسية بالبشر والحجر قتلاً وتدميراً في غزة. وهذه الأطياف وبإحساس ديني لا بد تفترض أن المعتدي يُعتدى عليه ولو بعد حين كما القاتل يلقى من يقتله في غفلة من الزمن. وإذا جاز القول فإن إحتمال ما نشير إليه وارد في ضوء ما يُنشر في الصحف الإسرائيلية التي يتسنى لنا أحياناً الإطلاع على مضامين تعليقات كُتاب ومفكرين إسرائيليين حول ما هو حاصل من جانب حكومتهم وجيشهم بالناس وممتلكاتهم في قطاع غزة والخشية من أن يصيب الشعب في المدن والبلدات الإسرائيلية ما قد يصيبهم جزاء أفعال حكومتهم وجيشهم. ومن هذه التعليقات ما نشرتْه صحيفة "معاريف" عدد الثلاثاء 30. 7. 2024 (أي قبل ساعات من عملية إغتيال رئيس حركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران) الفقرة الآتية: "إسرائيل ليست على شفا الفوضى إنما هي في معمعات الفوضى. وها هو سيد الفوضى نتنياهو قد بات على مرمى حجر من إنجاز مهمته وهي التدمير النهائي والكامل والشامل للحلم الصهيوني...". وبعد يومين فقرة أُخرى في سياق تحليل مطول لصحيفة "يديعوت أحرونوت" عدد الجمعة 2. 8. 2024 هي الآتية:" هناك أطباء بارزون يرحلون، والخبراء الذين ذهبوا للتخصص في الخارج لا يعودون. المطلوب إجراء الانتخابات الآن وإختيار حكومة جديدة تعمل من أجْل الشعب. ما يجري الحديث عنه هو ضرورة وجودية. إن لم توجد لن نحتفل بمرور مئة عام على قيام إسرائيل. هذه الحكومة ورئيسها سيقضيان على الحلم اليهودي الصهيوني وعندها لن يُحتفل بمرور مئة عام على قيام إسرائيل". ومن جانبنا نعيد التذكير بمعلومة إحصائية صدرت عن "المجلس الصهيوني" خلال مؤتمره الذي عقده يوم الخميس 25/11/2004 حول ميزان الهجرة اليهودية وتفيد بأن عدد اليهود الوافدين إلى إسرائيل حتى نهاية العام 2004 يصل إلى عشرين ألفاً فقط وأن عدد المهاجرين من إسرائيل حوالى 15 ألفاً".
وفي حينه أي قبل عشرين سنة لم تكن دواعي هجرة اليهود بمثل ما هي عليه منذ بدء الحرب على "حماس" التي أسر مقاتلوها عدداً من الإسرائيليين وتحول الرد من جانب حكومة نتنياهو إلى حرب مفتوحة قد تتطور بحيث يحدث لمدن وبلدات إسرائيلية ما يحدث للشعب الفلسطيني في غزة منذ عشرة أشهر. وإحتمال الحدوث يعني أن هجرة الإسرائيليين الحاصلة حالياً بإعتراف منابر إعلامية لن تكون أفراداً وإنما ربما قوافل.
في ضوء هذا الكلام فإن الحلم الذي يتحدثون عنه كان عدواناً جائراً منذ بدايته البلفورية وصولاً إلى نهايته الترويعية المتوقعة عام 2048 (أي بعد 24 سنة) هتلريتها البنيامينية.
والله الشاهد الحق والعدل.
فؤاد مطر