الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

الخطى المأمولة من تركيا وإيران

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الخميس 18/7/2024
ثمة بداية إرتياح عربي لإعادة النظر المتدرجة وإن كانت بطيئة بعض الشيء من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إزاء حالات من القطيعة الحادة سبق أن إتخذها في مرحلة جبروتية بعض الشيء ومقرونة بالتشاوف والتطلع إلى دور أساسي في الإقليم يستعيد به المكانة التي إرتبطت بالسلطنة العثمانية. ولقد وظف لتطلعاته هذه أوراقاً سياسية ومذهبية. ثم تدور الدوائر ولا يجني الرئيس أردوغان مما زرع في حقل الدور المنشود ما تمناه. وفي ضوء ذلك بدأت إعادة النظر المتدرجة حيث لم يعد قياديو "الإخوان" المصريون ضيوفاً في أنقرة وإسطنبول بدرجة أربع نجوم ويمارسون إعلامياً وفضائياً، إلى جانب المؤتمرات بين الحين والآخر، النشاط الذي هدفه إستعادة الحكم في المحروسة. وأعقب هذه الخطوة بلقاء مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في الدوحة رفده مضيفها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بما يجعل اللقاء خطوة أولى تليها الثانية التي يتبادل فيها الرئيسان السيسي وأردوغان التزاور والمباشرة بكتابة صفحة مستقرة للعلاقات.
وها نحن أمام خطوة من النوع نفسه مأمول إنجازها بين تركيا وسوريا. ويبدو أن الرئيسيْن أردوغان وبشار الأسد على درجة من الإقتناع بوجوب تبييض قتامة سنوات من القطيعة المقرونة في بعض المرات بتصريحات نارية تتجاوز في بعض كلماتها موجبات مراعاة المصير والجوار. وتحضُرنا عبارة في هذا الصدد قالها الرئيس أردوغان قبل ثلاث عشرة سنة (الجمعة 16 سبتمبر/ أيلول 2011) أمام حشد شعبي خلال زيارة إلى العاصمة الليبية "إن مَن يمارسون القمع على شعب سوريا لن يبقوا". وعندما تصل العلاقة بين تركيا وسوريا إلى مدار الاستقرار والثقة وإنحسار التطلع إلى الدور الأساسي تمارسه تركيا الأردوغانية، فإن المعادلة الراهنة في الإقليم لن تعود على نحو ما هي عليه من التأزم وأحياناً الخشية من حدوث ما هو أعظم بمعنى أن تتطور حالات التدخل التي يتسم بها الدور السياسي _ العسكري التركي في ليبيا إلى ما كان عليه الدور المماثل لسوريا في لبنان. بل وكما في حال لم تثمر محاولة إعادة النظر الأردوغانية أزاء سوريا أن ينتهي حال سوريا مع تركيا إلى ما هو عليه حال ليبيا التي تعيش منذ سنوات ما عاشه لبنان من سوريا في النصف الثاني من السبعينات. وبالأهمية نفسها هنالك الدور الإيراني المأمول أن يصار مع الرئيس الجديد مسعود بزشكيان إلى البدء بإعادة نظر متدرجة في المواقف التي شكلت تأزماً بالغ الحدة في العلاقة بين إيران ومعظم الدول العربية. ومن الخطوات المأمولة أن لا تبقى الأذرع العربية للنظام الإيراني تتخذ من الخطوات وتدلي من الأقوال ما ينعكس إساءة لجوهر العلاقة التي شكَّل التطبيع الدبلوماسي والزيارة الدبلوماسية الطابع خطوة نوعية على طريق الاستقرار. ونعني تحديداً بما نشير إليه ما بادرت إليه المملكة العربية السعودية التي من أجل أن تشق رؤية ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز طريقها نحو الإكتمال عربياً وإقليمياً ودولياً، كان تصحيح مسار العلاقة مع إيران ثم مع سوريا. وهذا التصحيح الذي يعزز الاستقرار يحتاج إلى عدم إضفاء الحذاقة والشطارة على المبدئية أي بما معناه تقول هذه الذراع اليمنية أو العراقية أو اللبنانية أو الغزاوية "الحمساوية" و "الجهادية" من الكلام المسيء وتكون الشطارة من جانب إيران في أن من قال هذ الكلام ليس مسؤولاً إيرانياً.
خلاصة القول إن المنطقة في كثير من مداراتها غارقة في الهموم، وباتت في ضوء التطورات الدولية تحتاج إلى جرعات إهتمام من جانب ممتلكي السُلطة وإتخاذ القرار الذي يبدد الخشية والظن والتدخل، وبحيث ينصرف كل ممتلك إلى الاهتمام بالكيان الذي يترأس مقاليد الحكم فيه وبالشعب الذي ينشد الطمأنينة. ويتفاءل المرء بالخير عله يجده. وعندما الرئيس التركي أردوغان يسجل وإن بعد سنوات الخطى الطيبة المتدرجة تجاه سوريا بعد خطى مثيلة تجاه مصر ونتطلع إلى خطى أردوغانية تجاه ليبيا، التي يفرض الواجب مساندتها بالرأي السديد وليس التدخل المديد، لا يطول زمن عدم الإقدام عليها كما إلى خطى من جانب الرئيس الإيراني بحيث لا تبقى الأذرع الحوثية اللبنانية العراقية الغزاوية هي إيران الظل ويقول رموز "مرجعياتها" من الكلام ما يشعل حرائق في العلاقات تؤذي الشعوب.
وما خسر من أصلح.. وصالح.. وإهتدى.
فؤاد مطر