الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

مؤتمر العفو عما جرى

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الخميس 13/6/2024
كأننا لا هازم ولا مهزوم.. هكذا إفتراضاً وإحتمالاً مشهد اليوم التالي للحرب التي أرادها اليمين الإسرائيلي الحاقد على كل ما هو صاحب حق في فلسطين، ولاقاه في نواياه الشريرة كبير الليكوديين بنيامين نتنياهو الذي بنى حسابات الإبادة على خلْق الله من الشعب الفلسطيني في غزة من دون وخزة ضمير على أساس أنه بهذا الإقتباس المتطور شراً مستطيراً للفعل الهتلري يطوي أمر المطلب العربي الذي بات دولياً بإعلان بعض فلسطين دولة للشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال والإستهانة والتنكيل عاصمتها القدس يصونها إنتسابها إلى الأمم المتحدة وتضفي روحانية ثالث الحرمين المسجد الأقصى وكنيسة القيامة على هذه الدولة صفة الدولة الوحيدة في العالم التي تكون الرمز للديانتيْن الإسلامية والمسيحية.
ولم يترك نتنياهو والملتحِف بهم من المنادين مثله بتلقين الشعب الفلسطيني في غزة من خلال جولات التدمير وفي بعض الأيام على مدار الساعة درساً خلاصته أن ما يتمناه الفلسطيني لن يدركه، بمعنى أنه مستحيل قيام دولة للشعب الذي إحتلت العصابات الصهيونية وطنه وتنوع الدول الموافقة على هذا الاحتلال بين بصم ومباركة وبين الإحتضان بكل مستلزماته وبالذات السلاح المتطور، وتلك مهمة أخذتْها الإدارات الأميركية والحكومات البريطانية على عاتقها وبحيث أن الدعم العسكري لإسرائيل من جانب تلك الإدارات والحكومات تنوع بين السلاح الفتاك والسلاح الأكثر فتكاً. وهذه الأنواع المتطورة من السلاح المشار إليه جرَّبته إسرائيل في غزة على مدى أشهر وكأنما هي بذلك كمن علماء يُجرون تجارب في مختبر. ورغم فداحة الخسائر في الحجر والبشر فإن الشعب الفلسطيني في غزة تصرف بكثير من الإعتزاز بالنفس والحس الوطني وقرر التعايش مع محنة الإبادة، وبذلك حوَّل هذا التعايش إلى سلاح أحدث موجات من الزلزلات الإحتجاجية أخذت بُعدها المؤثر والضاغط كونها جرت وفي شكل مسيرات وتظاهرات وهتافات في عواصم دولية وإكتسبت هذه أهمية نوعية كون المشاركين فيها من شرائح تمثِّل النخبة في المجتمعات. ومن عوائد هذه المسيرات والتظاهرات أن أهل الحكم في دول كثيرة وبالذات الغافرة للعدوان الإسرائيلي والتي كثيراً ما صدرت عن مسؤولين فيها مواقف تبرر العدوان، بدأوا إعادة نظر متدرجة في الموقف وذلك أن إقتراب حرب الإبادة من جانب إسرائيل نتنياهو من السنة الأولى ومن دون حسم يعني أن هذه الحرب سترمي الدول المساندة لإسرائيل في مهاوي التورطات التي يصعب حل تعقيداتها، فضلاً عن أن العلاقات مع الدول العربية لن تكون في منأى عن التوتر في حال لم تحسم الرافعات الأجنبية لإسرائيل المعتدية الأمر وتتخذ الموقف الذي في الحد المرحب به يقوم على قاعدة لا هازم ولا مهزوم. وعندما تتعامل الإدارة الأميركية مع الحالة القسَّامية على النحو الذي تابعناه على مدى ثلاثة أشهر وما زال التعامل قائماً، فإنها ضمناً تبدو في نظرتها إلى التنظيم الذي أشعل فتيله الحرب ناراً على أنه رقم فاعل في المعادلة الفلسطينية وأنه حتى إشعار آخر يكتسب شعبية تفوق شعبية السلطة الوطنية في رام الله والتي على مدى أشهر حرب الإبادة من جانب إسرائيل نتنياهو على الشعب الفلسطيني في غزة تلتزم موقف الطرف المراقِب.
في حال أن حسم الأمور باق على التلكؤ وإستمر عدّاد القتلى والتدمير العشوائي على ما هو عليه، فإن الوزر سيقع على الدول الكبرى ومن هنا جاءت دعوة الصين إلى عقْد مؤتمر دولي أهميته في حال عقده أنه سيأخذ بما يجوز إعتباره العفو عما جرى وعلى قاعدة لا هازم.. ولا مهزوم، أي بما معناه إن إسرائيل نتنياهو ورغم أشهر الإبادة لم تتمكن من إلحاق الهزيمة ﺒ "حماس" إذ أنها ما زالت في قلب التشاور الدولي _ العربي معها كما أنها على لسان الرئيس بايدن ووزير خارجية إدارته بلينكن وألْسنة طاقم الإدارة الباحثين عن مخارج لإنهاء الأزمة – الورطة عند الإدلاء بتصريحات يدلون بها في عواصم عربية وفي تل أبيب.
وخلاصة القول المقرون بالتمني والتوقع إن ما نراه ماثل التكوين في المشهد يتلخص في أن صيغة العفو عما جرى هي الأكثر عقلانية إنما على القاعدة الأكثر موضوعية وهي لا إسرائيل هازمة ولا حماس مهزومة. هدى الله الجميع.
فؤاد مطر