الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

السعودية قصَّت الشريط.. الصين تتأهب

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
الثلاثاء 11/76/2024
تأتي العالم العربي من أقصى الشرق بلاد الصين نسائم موقف يتسم بالبصيرة والتفاعل المنزه عن التعاظم، في الوقت الذي يزداد الرئيس جو بايدن تريثاً، وإلى درجة التسويف، في حسم أمر الموقف الذي مأمول بل ومطلوب لدواع كثيرة إتخاذه إزاء حرب الإبادة المتواصلة من جانب إسرائيل نتنياهو على الشعب الفلسطيني في غزة فضلاً عن التدمير المبرمج لبيوت الناس على ساكنيها وللمدارس والمشافي وكذلك لبيوت الله من مساجد وكنائس.
تتمثل نسائم الموقف المتبصر الباعث الطمأنينة في عبارات قالها الرئيس الصيني شي جينبنغ أمام عدد من القادة العرب ووزراء خارجية أو بإيجاز بين الصين الواثقة الخطى المتأنية والعالم العربي الذي منذ أن بدأت المملكة العربية السعودية وبيراع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز تسطير ما يجعل العالم العربي أكثر رهاناً على الدور الصيني ويجعل الصين أقل تردداً في إتخاذ موقف متقدم من الصراع العربي _ الفلسطيني بحيث لا يبقى هذا الموقف وفي عهدة الإدارات الأميركية متفاوتة على ما هو مألوف من تسويف وفي بعض الأحيان من تكاذب على نحو ما هي عليه الحال منذ أن تحولت إلى حرب تدمير تلك العملية الحمساوية المفاجئة للأشقاء القادة العرب والمباغتة للسُلطة الفلسطينية وللحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية الخاشية في ضوء رد فعل رئيسها وأركان إدارته المنحاز للموقف الإسرائيلي كما لم يحدُث مثل هذا الإنحياز المتواصل من قبْل.
كان الوفد الرئاسي العربي زائر الصين يوم الخميس 30 مايو/ أيار 2024 يمثِّل خارطة العالم العربي بجناحيْها العربي _ الأفريقي والعربي _ الخليجي كما ببحريْه الأبيض المتوسط والأحمر. كما كان في الوقت نفسه يتمثل بالحالات العالقة التي تستوجب حلولاً أشبه بالمعالجة النفسية وقبْل أن يتسبب عدم إيجاد الحلول أن تتفجر هذه الحالات كما إنفجارات بدوَّاسين على ألغام زُرعت في أرض. وفي الدرجة الأولى تسوية الصراع العربي _ الإسرائيلي وفي درجات متفاوتة بذْل تعاون صيني متدرج من أجْل حلول ودية لأزمات ثنائية مثل إستمرار إحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث وتليين التدخلات الإيرانية في أوطان الآخرين من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن إلى فلسطين بجناحيْها المهيضيْن. وبحكم العلاقة الإستراتيجية بين الجمهورية الإسلامية (إيران الثورية) والصين فإن التمني على هذه الأخيرة ممارسة الدور الذي لا يُبقي الأمر الواقع على ما هو عليه، لا يعود طلباً تعجيزياً. وفي تقديرنا إن ذلك قيل بصيغة ما للصديق الصيني في إجتماع بكين الذي هو الأول من حيث التمثيل العربي فيه، أي وفد من خمسة رؤساء عرب وتمثيل غير المشاركين على مستوى القمة بوزراء خارجية الحكومات، مع الإشارة إلى أن مشاركة ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة هي رمزياً بإسم القمة العربية التي إستضافها في المنامة يوم الخميس 16 مايو/ أيار 2024.
هذا المشهد الصيني _ العربي يحدُث بعد ثلاثة أسابيع من عودة الرئيس الصيني من حفاوة بعيدة النظر من جانب الرئيس ايمانويل ماكرون في جبال "البيرينيه" الفرنسية جرت بعد محادثات وضعت الأساس لعلاقة فرنسية _ صينية، لا ترحب بها بطبيعة الحال الإدارة الأميركية، وتشبه أو هي مستوحاة من تلك العلاقة التي تعززت بعد القمة العربية _ الصينية في الرياض (ديسمبر/ كانون الأول 2022). وفي هذه القمة بدا الأمير محمد بن سلمان وبرعاية من خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز ورفْد الرعاية بالنصح والتنوير تأتي من رمز تجربة عريقة، يؤسس لما هو آت من الزمن العربي _ الصيني ما أسسه ماضياً الجنرال شارل ديغول من علاقة لبلاده مع الصين تطورت إلى حيث أن الرئيس ماكرون يوظف بعد ثلاثة عقود عوائد ما سبق أن زرع شتلته وسقاها ورعاها الجنرال ديغول.
وهذا المشهد الصيني _ العربي في بكين يوم الخميس 30 مايو 2024 الذي هو توأم المشهد العربي _ الصيني في الرياض يوم الجمعة 9 ديسمبر/ كانون الأول 2022 ما كان ليأخذ هذا الرونق السياسي لولا الرؤية السعودية والإلتفاف العربي حولها. ومن ثمار الإطلالة العربية الشاملة على الصين ومن دون أي تحفظات، دعوة الرئيس شي جينبينغ إلى مؤتمر دولي ينهي الحرب التي أشعلت "حماس" نارها من دون التبصر بالمحاذير وإحاطة الأشقاء بها وكما لو أن الغرض من حصر الأمر بإيران توجيهاً منها وطاعة لها من "حماس" والذي معها إحراج الشقيق العربي بإخراجه من المعادلة. ثم إن المؤتمر الذي يدعو إليه الرئيس الصيني يحقق لدول كثيرة التخفيف من أثقال مسايرة الإدارة الأميركية التي تفرض على قادة هذه الدول عدم مساندة الموقف العادل للصراع العربي _ الإسرائيلي وعدم تمكين الشعب الفلسطيني من أن تكون له دولته المستقلة.
... وعلى هذا الأساس وفي إنتظار القمة العربية _ الصينية في بكين عام 2026، فكما المثل الشائع "أطلبوا العِلْم ولو في الصين" فإنه في الزمن الحاضر تفاءلوا خيراً بأن يتحقق الحل المتوازن بإصرار من الصين عليه، وبذلك لا تعود الإدارة الأميركية وحليفاتها الأطلسيات تعتبر الوقوف مع المعتدي من الواجبات بدل أن يكون من المحرمات.
فؤاد مطر