"وعد الدولتين" بعد "وعد بلفور"
الرجوع
نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 4/6/2024
أثمر النهج الذي إعتمدتْه القمم العربية _ الإسلامية وتلك القمم التي كانت لبعض القادة العرب مشاركة فيها، تبدلاً متدرجاً في المواقف الدولية من الصراع العربي _ الإسرائيلي وبالذات الرافد الأهم في هذا الصراع ونعني به الموضوع الفلسطيني.
ومن الطبيعي أن بعض الدول الأجنبية وبالذات دول القارة المحاددة للعالم العربي ونعني بذلك قارة أوروبا، رصدت متحملة أثقال التبني على مدى خمسة عقود والمعزز بحصانة سياسية ودعم عسكري وإعلامي من جانب الإدارة الأميركية بجناحيها "الديمقراطي" و"الجمهوري" ومن جانب الحكومة البريطانية بعهديْها "المحافظ" "والعمالي" وتحملت حكومات بعض الدول الأوروبية تلك القدرة على التحمل من هذا التوجه الظالم. ثم يأتي بمثابة صدمة ضميرية التعامل الحربي الإسرائيلي غير المسبوقة أساليبه وبالذات تدمير بيوت ومساجد ومدارس وكنائس على مَن فيها وقصف مستشفيات إلى حد إخلاء المرضى من رجال ونساء وأطفال وهم على أسرَّتهم وأنابيب المصل وأجهزة التنفس متصلة بأفواههم ويتحول الأطباء والممرضون والممرضات إلى أهداف بالقتل ينجو منهم البعض ويقضي كما عشرات الألوف من الغزيين ومنهم عشرة آلاف طفل جثثاً تغمرها الأتربة وتنتظر أصحاب همم يلفونها بأكفان بعد التعرف من جانب الأقارب على هؤلاء الذين شوه العدوان ملامح وجوههم.
بعد سبعة أشهر من الحراك العربي الغاضب أشد الغضب مع الحرص على الإدلاء بالتصريحات التي تُركز على الحق الفلسطيني المسلوب والتمسك بالسلام الذي يدرأ المخاطر عن السلامتين.. سلامة الوطن وسلامة الشعب تُقرر بعض الدول الأوروبية التكفير عن إرتضاء سكوتها على ظلم تاريخي، ورأت أنه إذا كانت الإدارات الأميركية وأحدثها كما أكثرها تفضيل الباطل على الحق والشر على الخير وإعتبار الاحتلال أمراً يحق للمحتل أن يكرسه كحالة غير قابلة للتعديل، فإن هذه الدول وهي هنا أسبانيا والنروج وايرلندا سجلت فاتحة شجاعة للتصرف الذي يجعل الحق يعلو ولا يُعلى عليه رفضاً للأسلوب المعتمد من جانب حاضني إسرائيل حتى إذا أخذت هذه بالعدوان أسلوب تهديد وترويع إلى درجة الإبادة للحجر كما للبشر على حد سواء.
أهمية المثلث الأوروبي في قراره الإعتراف بفلسطين دولة تكاتف دولة إسرائيل أن هذه الخطوة ستجعل سائر الدول الأوروبية تقرأ بعناية مواقف الدول العربية من خلال قممهم التي مضمون بياناتها التركيز على الموضوع المؤجل حسْمه سنة بعد سنة وبالذات القمم العربية التي كانت في منحاها داعية سلام محصن من الإختراقات ومن مغامرات الحكام المتطلعين إلى مكان لهم في القمة مفترضين أن ذلك يتم بالإبادة وسيلة للإسكات. تلك المواقف شكلت وقفات من التأمل لدى دول أوروبية ثم تأتي إنتفاضة طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية تضيف المزيد من وقفات التأمل، خصوصاً أن منطلقات تلك الإنتفاضة إنسانية وليست سياسية. وحتى الكوفية الفلسطينية على أكتاف طالبات وطلاب شاركوا في مسيرات الإحتجاج فإنها كانت مثل إعجاب جيل أوروبي وأميركي وأسيوي في أواخر الستينات بشخصية تشي غيفارا يرتدي هؤلاء ما يرمز إلى ذلك المناضل الشاب الذي كانت له بصمة في ثورة فيديل كاسترو الذي رحل وما زال النظام الذي أنشأه كاد يشعل حرباً أميركية _ سوفياتية صامداً. ولا بد أن طلاب الجامعات الذين إنتفضوا وبكثير من الرقي والأصول أوقدوا في ضمائر بعض أهل السياسة شعلة إتخاذ وقفة إذا كانت هنالك محاذير لإتخاذ موقف حاسم. وهذا ما أقدم عليه أهل إتخاذ القرار في أسبانيا وايرلندا والنروج. وكما توالى حدوث إنتفاضات طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية بعد الإنتفاضة الأولى فإنه وارد إحتمال إتخاذ دول أوروبية ودول مرتبطة بمصالح ومعاهدات مع إسرائيل، الموقف المماثل لموقف الدول الثلاث، أو إتخاذ مواقف ضاغطة على الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية لكي يتم حسم أمر "وعد الدولتين" كمثْل حسم "وعد بلفور" الذي أثبتت تداعيات 76 سنة بدأت العام 1948 أن ما يبنى على باطل لا بد وأن يتداعى في الحد الأقصى أو يتم ترتيب ظروفه وما نتج عن الأمر الواقع الصهيوني المحروس أميركياً وبريطانياً.
ويبقى التساؤل: هل نحن في ضوء ما إنتهت إليه أحدث القمم العربية.. قمة المنامة سيصار إلى المؤتمر الدولي الذي يحسم أمر الدولة الفلسطينية كتفاً على كتف دولة إسرائيل التي لا يرتكب أهل الحكم فيها الآثام التي إرتكبها الحاليون بقيادة رئيس حكومة كان برسم المحاكمة قبل الترؤس وبات مداناً سينال العقاب الجنائي الدولي ولو كره حاضنه الأميركي ذلك.
فؤاد مطر