الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

خواطر لبناني مهتم ومهموم

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الإثنين 3/6/2024
فاجأني بإتصال هاتفي يوم السبت أول يونيو/ حزيران 2024 مواطن لبناني يعود التعارف بيننا إلى أيام الحرب اللبنانية في بعض أعوام من السبعينات والثمانينات، ثم تباعدت بيننا ويلات تلك الحرب، إلى أن شاءت الأقدار أن يستقر بي المقام في بيروت بعد ربع قرن من الهجرة فيما بقي هو في العاصمة حيث مولده ونشأته وتعليمه ومثوى والديه فضلاً عن أنها الملاذ الأكثر رفقاً به لتمضية سنوات تقاعده وفي ما يبقى له من العمر.
بعد تبادُل التحايا وأسئلة الإطمئنان عن الصحة والعائلة وإستحضار بعض الذكريات عن زمن كان يشغل منصباً في المصرف في الطبقة الأرضية من مبنى صحيفة "النهار" وكنت أقصد المصرف نهاية كل شهر لصرف "الشيك" راتبي الشهري من "النهار" التي كنت من أفراد أُسرتها. وكان لا بد مع تسليم "الشيك" وتسلُّم المبلغ من بعض الكلام عن واقع الحال ومتى في حدود معلوماتي وإتصالاتي كصحافي مع بعض رموز صانعي القرار في لبنان وفي بعض الدول العربية، ستتحسن الأحوال ويهتدي أهل السياسة والزعامات الحزبية على أنواعها وأهوائها إلى سواء السبيل. ما أشبه حال لبنان واللبنانيين في هذه الأيام الصعبة الحالية ومنذ ست سنوات بالتحديد من حاله وحالهم في بوارح السبعينات والثمانينات. ثم يدخل الأخ اللبناني المتصل في دواعي الإتصال بي موضحاً أنه يفتقد منذ يومين (الخميس 30 والجمعة 31. 5. 2024) رفقة طالما تُحقق له التوازن النفسي والمعرفي ويعني بذلك صحيفة "الشرق الأوسط" التي باتت رفيقة تقاعده منذ بدأت الصدور في بيروت طبعة لبنانية ملأت فراغاً كان بدأ يتسع مداه نتيجة غروب إضطراري لصحف يومية ضاق ناشروها ذرعاً بإلتزمات الإصدار للبعض وإختصار الصفحات للبعض الآخر فضلاً عن إجراءات على الصعيد المالي أشبه بالجراحات لحالات بالغة الصعوبة.
ولقد سرد المتصل بي المهتم والمهموم في آن حيثيات كانت غائبة عن بالنا في "الشرق الأوسط" من الناشر إلى المحرر إلى المشارك في صفحات "الرأي، لكنها كانت السبب في ما أصابه على مدى يومين وسيستمر التوعك على ما بدأ حدوثاً إلى أن يأتي من الغيب ما يشكل العلاج المأمول.
بداية الحيثيات هي أنه كان يبدأ نهاره بالتوجه إلى أحد أكشاك الصحف والمجلات ينقُد صاحبه مبلغ عشرين ألف ليرة ويأخذ منه النسخة المحجوزة له، ذلك أن الحاجزين للحصول على "الشرق الأوسط" كُثُر وكل حريص على أن لا يفوته عدد من صحيفته. وبالنسبة إلى العشرين الف ليرة ثمن النسخة فإنه مبلغ يأخذ في الإعتبار الضائقة الإقتصادية والمعيشية المستشرية في لبنان بهمة زعاماته الحزبية والسياسية، تماماً كمثل ديمومة مبادرات الغوث التي هي من الأولويات من جانب خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان والتي تصل إلى ذوي الإغاثة من المغيث ومن دون طلب أو مناشدة أو إسترحام، وتلك من أخلاقيات الطرف المغيث الذي لا يوظف الإغاثة لغرض في النفس وإنما هدياً بما يدعو إليه رب العالمين ورسوله ووصايا الملك المؤسس رحمة الله عليه، ولنا على سبيل المثال الغوث المستمر للشعب الفلسطيني في محنته المتواصلة جولات الإبادة الإسرائيلية التي تستهدف حتى الخيام بمن فيها وكذلك الأطفال والنساء بغرض أن لا يفوق عدد الشعب الفلسطيني عند قيام الدولة المستقلة أو الدولتيْن أو الدولة الواحدة الجامعة للشعبيْن عدد سكان إسرائيل.
ويضيف المتصل أنه بفارق الثمن بين سعر النسخة الواحدة من "الشرق الأوسط" وسعر النسخة من سائر الصحف اللبنانية الصامدة صدوراً وهو 80 ألف ليرة يتوفر له على مدى شهر حوالى ثلاثة ملايين ليرة أي المبلغ الذي يؤمن الخبز للعائلة على مدى شهر.
وإلى ذلك إنه يجد فروقات نوعية في مضامين صفحات "الشرق الأوسط" التي ليست كما سائر صحف لبنان من حيث طبيعة المادة الصحافية حيث أن ما يقرأه في "الشرق الأوسط" ليس تعبئة سياسية، وإنما مادة تعتمد الموضوعية بنسبة عالية وتنأى عن أسلوب التعبئة نفسياً للحدث، وتترك أمر هذه التعبئة وفي حدود مدروسة للذين يتناوبون على كتابة المقالات في صفحات الرأي. هؤلاء مسؤولية الكتابة التعبوية تقع عليهم.
وهذا ليس كل ما بدأ يفتقده بعد توقُّف طبعة "الشرق الأوسط" في لبنان. ونراه كمَن يشعر بفقدان عزيز عليه وهو يتحدث عن الملحق الصحي في "الشرق الأوسط" الذي هو أحياناً ينير ما عليه الأخذ به علاجاً للصحة إن هي تدهورت أو إستباقاً لأي مكروه صحي وذلك من خلال ما يقرأه في هذا الملحق وتتوالى القراءة من الزوجة والإبنة والأبناء والأحفاد كل وفق ما يجذبه من موضوعات.
ويضيف إلى ذلك أن المادة العلمية كانت بمثابة دعم تثقيف الأبناء والبنات الذين باتوا طلاباً في الجامعات.. كذلك التنوير الاقتصادي الشامل لما يحدُث ليس في السعودية الموعودة مع "رؤية 2030" فقط وإنما في مجمل أقطار الأمتين ومعها دول العالم وبما يحقق لقارىء "الشرق الأوسط" ثقافة معرفية لجهة المعلومات والمعادلات والنِسب المئوية والرؤى المستقبلية.
وعندما لا ينام بعض أفراد العائلة قبل متابعة النشاطات الفنية والإبتكارية تُروى على ألْسنة رموزها فمن الطبيعي أن يشعر هؤلاء مثل حال المواطن الذي إتصل مهتماً ومهموماً في الوقت نفسه بأنه كمن فقد عزيز قوم متمثلاً الفقدان بتوقف طبعة صحيفة "الشرق الأوسط" في لبنان، ويقول من باب تجسيد إهتمامه إن شمس "الشرق الأوسط" في لبنان تغيب بعدما كان لها حضور نوعي وقبول من شرائح عريضة من اللبنانيين من الصعب على صحيفة وافدة أن تأخذ حيزاً رحباً في رؤاهم وكأنما هي تساهم في توضيح معالم مستقبل أجيال تحتاج إلى التنوير الذي كانت "الشرق الأوسط" تؤديه وكأنما هي "صحيفة العرب الدولية" ذات راية لبنانية خفاقة كسائر الرايات.
ودعتُ المتصل مشاركاً إهتمامه وهمومه وعفويته مع التمني كلانا أن تزال ذات يوم الموانع وتستأنف راية "الشرق الأوسط" الرفرفة من بيروت.. العاصمة المنارة العائدة إلى الإبهار وإن طال الزمن.
فؤاد مطر