الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

العودة المستحبة للإتحاد المغيَّب

الرجوع
أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ الإثنين 5/5/2024 بدا إعلان الرئاسة التونسية يوم السبت 20 أبريل/ نيسان 2024 أن الرئيس قيس بن سعيد الذي بات أكثر إطمئناناً إلى تأمين دورة رئاسية ثانية، عن إستضافته يوم الإثنين 22 أبريل في العاصمة التونسية إجتماعاً تشاورياً مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد بتون المطمئن هو الآخر إلى تأمين دورة رئاسية ثانية ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي، يطرح الكثير من التساؤلات ومنها عنصر المفاجأة في مبادرة الرئيس التونسي لهذه الخطوة التشاورية الإستثنائية، والمقتصرة على رؤساء ثلاثة مما يعني من باب الإفتراض أن الغرض من الفكرة هو لقاء بين رؤساء ثلاثة في الجناح المغاربي من العالم العربي ما زالت دولهم على الموقف المتوارث والثابت حول أنه لا صلح ولا إعتراف.. ولا تطبيع بإسرائيل وأن ما فعلتْه وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بإجتماعها في روما مع المسؤول الإسرائيلي كان عثرة تحملت الوزيرة ثمنها بإعفائها من المنصب الذي كان إشغالها له لقي إعجاباً عربياً ودولياً بخطوة أن تكون سيدة وزيرة للخارجية في ليبيا التي لا تستقر أحوالها منذ إسقاط نظام العقيد معمَّر القذَّافي بتدبير دولي _ إقليمي كان دور الرئيس الفرنسي (السابق) ساركوزي كثير الحدة فيه. ومثل هذا الإفتراض جائز حيث أن العلاقات أمست راسخة بين موريتانيا وإسرائيل، وأنها على رسوخها المغربي منذ عهد الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه إستمراراً في عهد الملك محمد السادس وفْق قاعدة خطى الإبن على طريق الأب جزء من عدم نقْض الإرث السياسي بشتى معالمه. ونحن عندما نفترض إقتصار اللقاء على الرؤساء الثلاثة النائين عن العلاقة مع إسرائيل ومن دون شمول الدولتيْن (المملكة المغربية والجمهورية الموريتانية) الثابتتيْن في علاقات تم إبرامها مع إسرائيل في زمن مضى وخلافاً لما وثَّقته كموقف ثابت القمة العربية الإستثنائية في الخرطوم (سبتمبر 1967) وبتواقيع الجميع ومنهم الملكي المغربي والجمهوري الموريتاني، فإن ذلك لا يعني أن التشاور سيتطور بحيث يتكرس المشهد المغاربي في ما يخص الصراع العربي _ الإسرائيلي على أنه إثنان: مشهد الجناح الذي يقر، وإنْ دبلوماسياً وتجارياً، وجود دولة إسرائيل التي ليس محرَّماً التعامل معها كما مصر السبَّاقة إلى ذلك والأردن وفلسطين القيادة العرفاتية لاحقاً، إلاَّ أن هذا الإقرار لا يعني أن الدول الثلاث ستناصب شقيقتهما المملكة المغربية وموريتانيا العداء. بل حتى إن ذلك لن يقلل من شأن "إتحاد المغرب العربي" الذي يضم الدول الخمس، عِلْماً بأن هذا الإتحاد ما زال في إغفاءة طال زمنها، ولا ينهض لكي يؤدي المهمة التي من أجْل مضامينها وطموحات الشعب في كل من الدول الخمس كان إنشاء ذلك المجلس. أما وأن الثلاثي (الجزائر. تونس. ليبيا) الذي لم يطبِّع مع إسرائيل سيناصب الثنائي (المملكة المغربية. موريتانيا) الحذر فهذا لإستبعاد حدوثه أن التطبيع الإستنسابي مع إسرائيل من جانب دول عربية لم يعطل المشاركة في الإجتماعات وفي إتخاذ القرارات وكذلك لم يشكِّل تحفظات من جانب غير المطبِّعين مع المطبّعين حيث أن إعتبار الخيارات أمر يخص الدولة وما ترى إتخاذه. وهذه النظرة أخذت الحيز الواقعي لها منذ إستعادة مصر عضويتها في الجامعة العربية وعودة الجامعة من مقرها الذي جرى نقْله من القاهرة إلى تونس كوسيلة ضغط عقابية على مصر السادات. وها هي مصر وكذلك الأردن وبقية الذين إرتأوا التطبيع بصيغ متنوعة يساعد في إيجاد تسوية للصراع العربي _ الإسرائيلي (دولة الإمارات. البحرين. قَطَر) يتشاورون ويضع الحكام تواقيعهم على بيانات ختامية وإتفاقيات ثنائية ويكثرون من التشاور كالذي رآه صيغة من الخير الأخذ بها الرئيس التونسي قيس بن سعيد موجِّه الدعوة إلى الجاريْن الجزائري والليبي وكأنه بذلك يستحضر أحد مضامين البند المتعلق باللقاءات الرئاسية لقادة دول "إتحاد المغرب العربي" وهو "إن مجلس رئاسة الإتحاد يتألف من رؤساء الدول الأعضاء وهو أعلى جهاز في الإتحاد وتكون رئاسة المجلس لمدة سنة بالتناوب بين رؤساء الدول الأعضاء ويعقد دوراته العادية كل سنة وله أن يعقد دورات إستثنائية كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وله وحده سُلطة إتخاذ القرار وتصْدر قراراته بإجتماع أعضائه...". وإلى ذلك إن حرص الرئيس الجزائري بالذات وبعد التشاور الأولي الذي أعقب الوصول وجرى في مطار تونس بأن لا وجود ﻟ "نيات موجهة ضد أحد من عقْد القمة الثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا"، كان تطميناً مطلوباً ولقد حدث. أما أنه أزال اللبس تماماً فهذا متروك للآتي من الأيام. وهذه الإستضافة التونسية وإستحضار ما يخص الإجتماعات الرسمية للقادة على نحو ما تم الاتفاق عليه منذ تأسيس "إتحاد المغرب العربي" قبْل خمس وثلاثين سنة كان القادة الحاليون للدول المغاربية في بداية سن الشباب تجعلنا نتساءل: هل إن الرؤساء الثلاثة: التونسي قيس بن سعيد و الجزائري عبدالمجيد تبون والليبي محمد يونس المنفي سينشطون بعد قمتهم التونسية فتنعقد قمة لاحقة في الجزائر وثالثة في ليبيا (وقد إستقرت على حال) وذلك بهدف عدم تفويت الفرصة التي كانت مثل شمس أشرقت إعلان قيام "إتحاد المغرب العربي" يوم الجمعة 17 فبراير/ شباط 1989 لكن كسوفاً تجاوز ربع القرن رافق هذه التجربة التي كان لافتاً فيها بشكل خاص أمريْن: الأول هو أن وثيقة إعلان قيام الإتحاد لا تسلِّط الضوء على الصراع العربي _ الإسرائيلي ربما لأن الملك الحسن الثاني مضيف الرؤساء وبالذات منهم هواري بومديْن ومعمَّر القذَّافي حقق إقناع ضيوفه بترك ما يتعلق بهذا الصراع إلى الجمع العربي الشامل أي جامعة الدول العربية وما يتم في رحابها أو في ترتيبها إجتماعات على المستويات المتقدمة فالإجتماع على المستوى الأعلى، أي مؤتمرات القمة العربية. أما الأمر الثاني فهو التركيز على أهمية البحث العِلمي والتكنولوجي والحد من هجرة الأدمغة المغاربية إلى الدول الأجنبية وإنشاء الجامعة التي تتوفر فيها إمكانات تساعد على إنتاج أدمغة في مجالات العلوم والتخطيط والتطوير. من دواعي الأسف الشديد أن "إتحاد المغرب العربي" لم يصبح الأمل الذي ترجوه الأمة. عصفت مشاعر الأنانية في النفوس وتكاثرت الغيوم الداكنة في سماء دول المنطقة لأن كلاً من القادة الثلاثة (الملك الحسن الثاني. معمَّر القذّافي. هواري بومديْن) يريد زعامة الإتحاد. ولكل من هؤلاء ما يبرر به تطلعاته في أن يكون مقر "إتحاد المغرب العربي" في عاصمة بلده، فضلاً عن أن منسوب الخطاب الثوري لدى كل من القذّافي وبومدْين كان مثْل منسوب مياه الأنهر في فيضانيات جارفة. وفي ضوء ما هي عليه أحوال دول الجناح المغاربي من الأمة فإن إستعادة "إتحاد المغرب العربي" المخطوف من حدة أمزجة ثورية عصفت به ورمته في غياهب التجميد إلى ما فوق الصفر بقليل كي لا يذوب وينطفىء إنطفاءة شمعة أضاءت لردهة من الزمن، تبدو من المستحبات وهي العودة الأحمد كما القول المستحب للغائب أو المغيِّب مزاجياً في بعض مناحيه. ولكم سيثلج الصدر إذا كان التفكير بتلك الإستعادة من ضمن التشاور المغاربي الثلاثي المستضاف من الرئيس قيس بن سعيد وبأمل إستتباع لقاء تونس بمشاورات يعلو فيها منسوب الود ويتراجع منسوب الحذر خلال مشاركة القادة الخمسة المغاربة في القمة العربية في البحرين، ثم بلقاء خماسي في مراكش التي كانت فيها ولادة "إتحاد المغرب العربي" يوم الجمعة 17 فبراير/ شباط 1989 (أي يوم روحي بإمتياز). والله الهادي إلى محاسن إستعادة ما يعوِّض الأمة بعض ما فاتها. فؤاد مطر