الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

الوفاق الذي لن يبقى مستعصياً

الرجوع


نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 11/4/2023
كأنما لا يكفي لبنان ما يكابده شعبه من أحوال تخطت السوء وعلى أهبة أن تصبح كارثة إجتماعية لا تحلها الصناديق الأممية، حتى يصبح فجأة منصة صاروخية ملتبسة الدوافع، وبالذات في وقت يأخذ التشاور الأمني والدبلوماسي لتوسيع هامش العلاقات المستقرة بين دول المنطقة مداه الرحب. ولنا كدليل على أهمية دور المضيف وصدق سعيه الخطوة التي إنتهى إليها لقاء بكين يوم الخميس 6 أبريل/نيسان 2023 بين وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وكيف باتت سمة لافتة اليد الدبلوماسية الصينية اللامسة اليدين السعودية والإيرانية المتصافحتين بعد توقيع إتفاق متقن مضموناً ولا يتسم التنفيذ بالعجلة وإنما لكي تصفو النوايا تماماً كما صفاء الماء في الوعاء بعد أن تكون حبات الرمل إستقرت في القاع. وهذه اليد اللامسة وضْع رمز الأمن الصيني يده على يديْ رمزيْ الأمن السعودي والإيراني بعد إنتهاء محادثات التوافق في بكين يوم الجمعة 10 مارس من العام نفسه، وكان قبل بدء التحادث أمسك بيده اليمنى يد الرمز الأمني السعودي الدكتور مساعد العيبان وبيده اليسرى الرمز الأمني الإيراني علي شمخاني. وهذا المشهد الأمني فالمشهد التالي الدبلوماسي بعد 27 يوماً يعكسان مدى الجدية في التوافقات ضمن قاعدة متينة البنيان تمثلت بروحية القمتيْن (الخليجية _ الصينية والعربية _ الصينية في الرياض يوم الجمعة 9 ديسمبر/كانون الأول 2022) مسجلاً راعيهما خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز ومضيفهما ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان أن هذه القمة الثنائية هي حدث العام 2022 وأنها ستكون حاضرة على مدى عقود آتية في "أجندات" دولية وإقليمية كون الصدق حاضراً في خطواتها والإلتزام دقيقاً في المواعيد والبنود التي تتضمنها المحاضر.
وليس مبالغة القول إن ما بعد قمة الرياض (الجمعة 9 ديسمبر 2022) والإجتماعيْن التاليين (الأمني التأسيسي والدبلوماسي التنفيذي) لن تكون الأحوال على هذا العصف الذي تعيشه المنطقة والتي تشكَّل الواقعة الصاروخية المباغتة من جانب طرف في لبنان (إحدى إفرازات ذلك العصف، مع ملاحظة أن حدوث تلك الواقعة يجمع بين الظن بأن طرفاً غير سليم النية وغير سوي الحس الوطني المسؤول إفتعل الفعل الصاروخي بتكليف لأغراض كثيرة في النفس ربما يكون أحدها لوضع معوقات أمام قطار التسوية الموضوعية المؤمل إكتمالها بعد الخطوات الجدية التي حدثت ومن شأنها إزالة الكثير من الثغرات وتوضيح الأكثر من علامات الإستفهام. ولولا أن التعامل الشرس من جانب جموع إسرائيلية تجاوزت في ما أقدمت عليه في المسجد الأقصى يوجب تأديباً ما للفعل الإسرائيلي ومن هنا إندراج العملية الصاروخية من منصة في لبنان ضمن هذا الواجب، لكان موضع تفهُّم إكتفاء الولايات المتحدة وأطراف دولية وأممية بالإستنكار والدعوة إلى ضبط النفس. وهذا موقف باهت وتقليدي من جانب الغرب الأميركي والأوروبي بنسب متفاوتة إزاء قضية العصر... القضية الفلسطينية التي لم تثمر صيغة معاهدة "كامب ديفيد" في مثل هذا الفصل الربيعي قبل أربع وخمسين سنة (26 مارس/آذار 1979) وطوال هذا النصف من القرن سوى المماطلة وإغداق الوعود التي لا تلقى التنفيذ في شأن الدولتيْن، وبذلك بقيت التسويفات على حالها. وهذا بالمقارنة مع التفاعل العربي _ الصيني يترك إنطباعاً بأن ما يبنى على صفاء نية ووجه حق يتم تنفيذه بدليل ما نراه يتحقق منذ شروق شمس العهد السعودي _ العربي _ الخليجي _ الصيني الجديد يوم 9 ديسمبر 2022 من الرياض. وقى الله هذه الشمس من غيوم كثيفة متعمدة قد تكون العملية الصاروخية من منصة في لبنان على الحدود مع الأرض الفلسطينية المحتلة إحدى هذه الغيوم.
وأما الأمل المعقود على القمة العربية الشهر المقبل في الرياض، فهو إكتمال تآلف الصف العربي وتَوافق أولياء الأمور على ما يمكن توظيفه في علاقات جديدة وقد أمكن تنقيتها من إختيارات وإصطفافات.
وما إستعصى وفاق وراءه الساعي إليه بصدق والحادب عليه حدب أخ صاحب رؤية وعاقد العزم على إحقاق واجب قومي على أخ مرتبك وقضية كثر التلاعب بها. وهذا المأمول إنجازه من صاحب السعي الدائم الأمير محمد بن سلمان. فذلك هو الواجب الآخر الذي بإنجازه تأخذ رؤيته بعدها القومي... وقبل العام 2030. والله المعين.
فؤاد مطر