الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

خطوة مهمة في إنتظار الأهم

الرجوع


نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 4/4/2023
في الوقت الذي كان مسلسل تعطيل إنتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ودخول الفراغ الرئاسي شهره الخامس ولا ما يشير إلى أن الفراغ سيُملأ، كان هنالك من يتأمل في كيف أن بعضاً من اللبنانيين في بلاد الإغتراب الأميركي ومن دون التعقيدات كالتي يعيشها أولياء الأمور الحزبية والحركية والتيارية في لبنان، وصلوا إلى المناصب الأعلى وعلى سبيل المثال ميشال تامر الذي ترأس البرازيل ذات دورة وعبدالله بوكرم الذي نال رئاسة جمهورية الأكوادور. كما تبوأ كثيرون مناصب وزارية متقدمة ومناصب إستشارية وإدارية، ومن دون أي تعقيدات. وقد تم ذلك ليس على قاعدة الهوى والهوية وإنما على قاعدة ماذا قدَّم هذا لكي يستحق المنصب وما هو المطلوب منه تقديمه في المنصب الجديد.
وحتى عندما إختير إبن بلدة الكفير إحدى قرى جبل حرمون فارس الخوري المسيحي البروتستاني الأرثوذكسي الجذور رئيساً للحكومة في سوريا قبل 69 سنة بعد عدة مناصب حكومية تولاها، وينجح في جمع الأضداد من الزعامات الحزبية التقليدية حوله، فإن إختياره تم على أساس قدرته أن يثري العمل السياسي الوطني العروبي.
هذا الذي نشير إليه حدث قبل عقود من ترؤس إثنين من الأسيويي الأصل الحكومة في كل من بريطانيا (ريشي سوناك) واسكتلندا (حمزة يوسف). وتم الترئيس على قاعدة الكفاءة وليس هذا مسيحي وهذا مسلم وهذا هندوسي وهذا يهودي. المهم في الأمر هو ما الذ سينجزه وهل سيكون في خدمة الشعب والولاء للوطن والتمسك بالسيادة وعدم ركوب المخاطر وإعتبار الأوطان أوراقاً في اليد تُستعمل مالياً أو حزبياً لتحقيق أهواء ذاتية.
هل إن المزيد من الأشهر سيعيشها اللبنانيون ومن دون رئيس للجمهورية وفي ظل قضاء متعطل وحكومة غير مكتملة الشأن والثقة الشعبية بها، وفي المقابل تصدع متواصل مؤسسة تلو أُخرى وكياناً إقتصادياً وتجارياً ومصرفياً تلو كيان، وإحتمالات صادمة من بينها أن تغلق المدارس الأبواب وينفرط العقد الأمني.
الإجابة عن ذلك واردة، وإن كانت هنالك ملامح إعادة نظر من جانب مَن إستقرت التسمية لها بأنها "الدويلة داخل الدولة" يمكن في حال توسيع مدارها تحقيق الإنفراجات المأمولة. فقد حدث في لبنان الذي كان على موعد مع شهر الصوم رمضان المبارك والفصح المجيد، أن تمت عملية خارج الأصول المتبعة في ما يخص أملاك الدولة ومؤسساتها. وفي غمضة أعين أبرم نجيب ميقاتي رئيس الحكومة غير المكتملة المقومات والمقتصرة على تصريف أعمال روتينية بالتعاون مع أحد وزراء حكومته (وزير الأشغال علي حمية) عقْد تلزيم مبنى جديد في مطار الدولة. ثم بعد حملة إعلامية تلفزيونية وعبْر وسائل التواصل التي أخذت مداها الرحب في تحديد الأرقام والتسميات، أصابت العقد المبرم في الصميم بحيث أظهرته أنه صفقة رابحة لمن عقدها خاسرة للوطن مالياً وما هو أكثر من ذلك، خرج الوزير الذي يمثل "حزب الله" في الحكومة ليعلن إلغاء العقد وكأن ذلك لم يتم.
المهم في الخطوة أن الوزير قال إنه يلغي بطلب أو بنصيحة من "حزب الله" الذي يمثله. معنى هذا أن العائد المجزي من الصفقة كان لمصلحة الحزب وحليفه "حركة أمل" أو بما هي التسمية المتداولة "الثنائي الشيعي".
وأما الأمر الأكثر أهمية فهو أن الوزير الذي يمثل "حزب الله" وقال إنه يلغي ما سبق أن إعتبره إنجازاً، طرح في ساحة الوضع السياسي البالغ التعقيد إحتمال أو إفتراض أن الأمين العام ﻟ "حزب الله" السيد حسن نصرالله على أهبة أن يكون غيره المتمسك بالرؤى التي يطرحها، أي بما معناه إنه ما دام أعاد النظر وبالعلن، وأن ذلك كان بالطلب من الوزير التراجع عن قرار إتخذه أو أجازه، فهذا يعني أن من الممكن إعادة النظر في مواقف وطروحات من بينها ما يتعلق بإنتخاب رئيس للجمهورية شخصاً ومواصفات.
كما يعني في ضوء إنفراجة في العلاقة السعودية _ الإيرانية لم تكتمل فصولاً بعد، يمكنه تعديل الموقف من أجل أن تأخذ الإنفراجة مداها، أي بما معناه لا يعود السلاح ورقة والمقاومة شرطاً وإستضافة الثوريين في أرض لبنان وفضائه مستدامة.
ومثل هذه الأمور كانت تحتاج إلى بداية إعادة نظر على طريقة خلط الأوراق، أو القراءة المتأنية في المشهد الإقليمي _ الدولي الذي تضاف يوماً بعد آخر مفاجأة إليه.. أحياناً سارة وأحياناً تستوجب التأمل.. وقبل أن يفوت الأوان.
... وهكذا فإن إلغاء وزير "حزب الله" ما أقدم عليه هو خطوة محمودة شأنه في ما فعل شأن العودة عن الخطأ فضيلة. والله التواب والهادي إلى ما فيه الخير والسلامة.
فؤاد مطر