الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

إستحقاقات رئاسية... ومسعى سعودي مأمول ومقبول

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأربعاء 15/3/2023
من أجل ولاية رئاسية ثانية تحدى الرئيس جو بايدن وقد رأى أن عقوده الثمانية لا تشكِّل حاجزاً أمام قطْع الطريق على حلم دونالد ترامب بالعودة، وخوض الغمار دورة ثانية في البيت الأبيض، الدولة العظمى الصين متحرشاً بها من خلال تعزيز التجارة مع تايوان غير هياب حساسية الصين الشعبية من بقاء الصين الأخرى (تايوان) منفصلة عنها. ولقد مارس التحرش من خلال زيارات لمسؤولين أميركيين من بينهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الصعبة المراس التي لا تضبط مفردات كلامها عندما تتحدى. هذا عدا جوانب ذات طابع حربي، بارد حتى إشعار آخر والذي لم يصل إلى درجة اللعب الأكثر إلهاباً بالنار التي تحرق المتحرش الأميركي. واللافت أنه قبل إيفاد بيلوسي وبطائرة عسكرية خاصة (الثلاثاء 2. 8. 2022) ببضعة أيام كان بايدن أجرى (الخميس 28. 7. 2022) محادثات هاتفية معمقة مع الرئيس الصيني شي جينبنغ المتطلع مثله إلى ولاية رئاسية تتوجه الأطول ترؤساً منذ عقود خصوصاً أنه من حيث السن ما زال في أواخر ستيناته. ولقد إستمرت محادثات بايدن مع الزعيم الصيني ساعتيْن حذَّر خلالها نظيره الأميركي بعبارة "إن من يلعبون بالنار سيحرقون أنفسهم...".
ثم أتبع بايدن التحرش بالصين بوقفة متدرجة القوة إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا التي يخطط فلاديميرها بوتين لرئاسة غير محددة الزمن ورأى في ضم "الفرع" أوكرانيا إلى الأصل (روسيا) والإنقضاض بفائض القوة عليها وكأنما كانت تجربة الرئيس (الراحل) صدَّام حسين مع الكويت مثمرة لكي يقتدي بها.
إتسع مدى التحرش وفي حساب مستشاري بايدن أن رفْع نسبة التحدي لنظيره الروسي بعدما لاحظ أن الصين تميل إلى التبريد وليس رمي حطب في النار الروسية _ الأوكرانية، من شأنه تعزيز ضرورة التوافق الأميركي على أن يكون الرئيس لدورة ثانية ولتعزيز ما يراه من هذا التوجه عبأ دول الأطلسي إلى درجة باتت كل دولة مع فارق النسبة ترى ما يراه الرئيس بايدن وخلاصته إستنزاف روسيا والتركيز على إحراجها وهذا يكون بتعزيز الشأن الأوكراني عسكرياً وماليا ًوعلى أساس أن في صمود أوكرانيا ما يحقق غرض الإستنزاف وإظهار مشروع بوتين بأنه غير ذي فرصة للإنجاز وعلى هذا الأساس يبدأ التنظير بأن بايدن مؤهل لدورة رئاسية ثانية وذلك لتعزيز الوضع الذي آلت إليه المواجهة الروسية _ الأوكرانية وبحيث أن نتائجها إنتهت عكس ما كان ينبغي الرئيس بوتين منها عندما بدأها وما كان يخطط له كبير الحلف الأطلسي جو بايدن عندما إعتبر أن حدود أميركا ودول الحلف هي في أوكرانيا التي نال منها بوتين من خلال التدمير والتشريد لمئات الألوف من سكان بعض مدنها وبلداتها، إلاّ أن النظام الذي يترأسه فلوديمير زيلينسكي ما زال قائماً يحيطه الحلف الأطلسي بالإهتمام السياسي والعسكري والمالي فضلاً عن أن أكثرية دول العالم خارج المنظومة الأطلسية، هي بين رافضة مبدأ التعرض من جانب دولة لسيادة دول أُخرى جارة أو حتى بعيدة على نحو ما هي حال الدولة السورية المثخنة بظلال فقدان السيادة بسبب الثقل الروسي والتركي على أراضيها وعلى قرارها.
قبْل حوالى سنتيْن من الحرب البوتينية على أوكرانيا وتحديداً يوم 26 يونيو/حزيران 2021 كان الرئيسان بايدن وبوتين يعقدان في جنيف في فيللا أعدتها لهما الحكومة السويسرية وتطل على البحيرة التي تبعث السكينة في النفوس وبالذات في زمن الأزمات العاصفة. كانت أجواء اللقاء طيبة. كلاهما في أشد الحرص على سنوات رئاسية مستقرة. وكان أقسى تأزم بينهما إنحصر على خلفية هجمات إلكترونية ومجرد مشاعر قلق من الجانبيْن في موضوع التسلح الذي أجرياه خلال محادثات وأظهرت صورة اللقاء بينهما عدا المصافحة الودودة مدى طمأنينة بايدن إلى أن ولايته الرئاسية الأُولى ستكون خالية من التوتر مع روسيا، وكان الشعور نفسه لدى بوتين الباحث عن قبول دولي مطمئن من نظامه. ومنذ ذلك اللقاء كان كل منهما ومن دون الإفصاح يخطط لولاية رئاسية تالية. وبالنسبة إلى بوتين بالذات كان يهمه كثيراً تعزيز إقتصاد الدولة الروسية وميزانيتها التي أحدثت العقوبات خللاً كبيراً فيها، نتيجة الحظْر النفطي والعقوبات الأميركية والأوروبية على شركات ومصارف. كما يهمه أكثر تعزيز دور لها في المياه الدافئة موزَّع بين السودان والجزائر وسوريا وسعي من أجل موطىء قِطَع أسطول في شواطىء مصر وليبيا.
ما تمناه كل من الرئيسيْن بايدن وبوتين ربما لن ينالاه على النحو المأمول. فالشعب الأميركي لا يحبذ ما توحي بعض التصريحات والدراسات أن يتم إقتطاع لمليارات الدولارات من ميزانية بلده ثمن إنجاز حربي للرئيس يجدد بمقتضاه الرئاسة، وهو إنجاز تمثَّل بثنايا تصريحات يدلي بها وزير الخارجية انطوني بلينكن وتتضمن عبارات من نوع الرغبة العارمة ﺒ "إخضاع روسيا" وهي مفردات تعيد إلى الأذهان ما كان يردده جنرالات ودبلوماسيو وكونغرسيو العهد البوشي الثاني بأن العقاب للعراق وصدَّام حسين هو من أهداف الحرب إستكمالاً لهدف حرب العهد البوشي الأول.
لكن في نهاية المطاف لن يتحقق الغرض الأميركي _ الأطلسي ولا الإصرار عناداً الروسي. وفي الحالة الظلماء لكل من الطرفيْن سيجدان عن ضرورة أو إقتناع لا فرق أن الإصغاء إلى دعاة التهدئة والتسوية المحقة والموضوعية خير علاج لما بدأه الرئيس بوتين حرباً بالغة الشراسة وأكمله الرئيس بايدن متسلحاً بخشية من إحتمال يثير القلق في حال لم يتم ردع بوتين وإنقاذ أوكرانيا من نوازعه أن يتمدد الغزو الروسي بحيث يصل إلى سائر الدول الأوروبية، وعلى نحو ما كانت عليه الحال في الزمن الروسي الستاليني. وما نعنيه بالتهدئة والتسوية الموضوعية هي ملامح تلك الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية السعوديةالأمير فيصل بن فرحان يوم الأحد 26 فبراير/شباط 2023 إلى كييف مازجاً بين المساعدة الإنسانية والتمني بحل سلمي لحرب دخلت سنتها الثانية من دون أن تتوقف نيرانها بين الدولتيْن الجارتيْن، وأما المساعدة فإنها مليونية (400 مليون دولار) مساندة من جانب المملكة العربية السعودية للتخفيف من تداعيات الحرب على الشعب الأوكراني. ومن حيث الدور السعودي الذي يوجه به خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز ويتجسد في مبادرات النجدة في ساعات الشدة التي باتت برنامج إغاثة يحمل إسم الملك، فإن النجدة هي لشعب دولة تعرضت للحرب عليها. لكن ثمة أهمية نوعية للمبادرة السعودية وهي أن العلاقة كثيرة التميز بين السعودية وروسيا كما بين السعودية وأميركا وكذلك بين السعودية والصين وبين السعودية ودول حلف الأطلسي، أي بين الدول المتشابكة بشكل أو آخر في معضلة الحرب الروسية _ الأوكرانية. وهذه العلاقة التي ثبَّت فرادتها لجهة التوازن والبعد الإستراتيجي والتقدير المتبادل من الجانبيْن وتقدير نوعي من الأمم المتحدة وبما يحقق المصالح المشتركة وعلى قاعدة من الإستقلالية وإحترام الشأن، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قادرة على تصفير متدرج للثغرات التي جعلت الأزمة تتطور إلى خلاف فإلى مواجهات. لذا لا يستبعد المرء أن يتولى _ مبادراً أو تجاوباً مع طلب أممي منه_ طرف عربي وهو هنا السعودية القيام بمسعى يبدأ بمحاولة إطفاء نار الحرب والتقريب بين وجهات النظر الروسية _ الأوكرانية ومعها أطراف الأزمة التي بدأت بفعل ورقة حربية المفردات تنفع في تجديد رئاسة وأبدية رئاسة.. رئاسة بايدن لدورة ثانية وأبدية رئاسة بوتين، وإلتحق بها في شبه إلتزام الأطلسي والصيني كل لغرض في النفس. وفي حال حدث ذلك المسعى فإنه سيشكل إطفاء نار حريق حرب عالمية ثالثة كما ولا بد سينعكس بالتالي على تداعيات مستجدة للصراع الإرعابي الفلسطيني _ الإسرائيلي.
والإستحقاقات الرئاسية العاصفة بقية كلام. والله المعين.
فؤاد مطر