الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

فضاء العرب.. من سلطان إلى سلطان

الرجوع

أُرسلت إلى صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الإثنين 27/2/2023

عندما أهدت المملكة العربية السعودية قبل ثمانية وثلاثين عاماً الأمتين تلك الخطوة المتمثلة بإنتساب أحد الواعدين من الجيل الشاب الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز إلى أهم المشاريع العلمية التي بدأت بريادة الفضاء، فإنها بتلك الهدية رسمت في الأفق مؤشرات إلى أن التطوير سيكون متواصلاً محطة تليها محطة إلى أن رسم الأمير محمد بن سلمان كولي للعهد ورئيس مجلس الوزراء في المشهد العربي خارطة تطوير وفي زمن قياسي لما ستكون عليه المملكة بعد سبع سنوات من الآن (رؤية السعودية 2030).

رائدان لوالد كان وهو الأمير للعاصمة نموذجاً للريادة التي تتواصل، في ظل دوره الإنساني والقومي الوطني ملكاً وخادماً للحرميْن الشريفيْن خطوات إكتمال وضعها على خارطة العواصم الأكثر تميزاً وأصالة في العالم في زمن التحضير لرحلة الأمير سلطان إلى الفضاء ومن قبل أن يبدأ العد العكسي لإنطلاق المركبة التي تقله مع آخرين توجْنا عدد يوم الخامس عشر من يونيو/حزيران 1985 من مجلة "التضامن" الأسبوعية التي كنت بدأت إصدارها مطلع الثمانينات من لندن بمقابلة خصنا بها زميلنا عبدالرحمن الراشد أجراها معه وكان كلام الأمير الرائد هو الأخير بقوله قبل الإنطلاق الذي جرى يوم الأحد 17 يونيو 1985، كان لافتاً فيها قوله "إن إختياري لم يتم لأنني من الأُسرة المالكة، كما كان هنالك تردد من جانب الدولة في الموافقة على ترشيحي"، وقوله أيضاً إنه ما زال موظفاً بالمرتبة السابعة في وزارة الإعلام وأنه يأمل أن تُحقق مشاركته في الرحلة الفضائية نوعاً من الحماسة لدى الشباب العربي لكي يتجه نحو البحث العلمي.

هذا التمني شق طريقه منذ عودة الرائد الأمير سلطان من رحلة الفضاء. ذلك أن الرحلة أحدثت حالة من التنبه والحماسة والرغبة لدى كثيرين يتطلعون إلى مثل تلك الريادة.

موعد الريادة العربية خلال أسابيع مع إنطلاق رائد ورائدة إلى محطة الفضاء الدولية. الرائد هو علي القرني وأما الرائدة فإنها ريانة برناوي. وإشراك المرأة السعودية في هذه الرحلة الفضائية تأتي في سياق نقلة نوعية لها في المجالات العلمية والدبلوماسية والرياضية والمجتمعية والثقافية تمشياً مع "رؤية السعودية 2030".

كما هذا الإنجاز يأتي متلازماً مع خطوة علمية فضائية جديدة لدولة الإمارات وتشاء الصدف أن يكون إماراتياً وأن يحمل إسم سلطان النيادي. شاب في الواحدة والأربعين من العمر ومن كثرة من الشبان العرب تأثروا بما عبَّر الأمير سلطان عن الأمل بحدوثه في شأن توجه الجيل العربي نحو البحث العلمي.

الجديد في رحلة سلطان الثاني إبن دولة الإمارات التي يتسع مدار إهتمامها في المجال العلمي والقمر الصناعي، أن رحلته الفضائية ستكون طويلة ولمدة ستة أشهر تبدأ يوم 26 فبراير/شباط الجاري وتنتهي كما هو مقرر مع التمني بنجاحها في أواخر الصيف وتحديداً يوم 26 سبتمبر/أيلول.

مثل هكذا بقاء داخل محطة فضائية، بمعنى أنه إنسان معلَّق بين السماء والأرض وداخل محطة ليست مثل محطات الأرض ذات نوافذ وأبواب للدخول والخروج، مؤشر إلى أن الرائد الجديد بإسم الأمتين العربية والإسلامية يملك إرادة قوية إلى جانب العزيمة قد تكون تجربته العسكرية مثلت حافزاً لها، فهو أمضى عقديْن في القوات المسلحة الإماراتية كما أنه على درجة من الثقافة العلمية كونه يحمل درجة الدكتوراه في تكنولوجيا منْع تسرُّب البيانات. وإلى جانب الإرادة القوية هنالك التطلع في أن يقدم إنجازاً لأمتين تتباهى بذلك دولة الإمارات التي يتطلع رئيسها الشيخ محمد بن زايد إلى أن تكون ذات ريادة وشريكة فاعلة في عملية ترويض الأزمات وتهدئة الصراعات في المنطقة ورفْد خطوات التنمية العربية والإسلامية بما يساهم في علاج أوضاع إقتصادية غير مستقرة.

بين السادس والعشرين من فبراير والسادس والعشرين من سبتمبر وهي المدة التي ستستغرقها رحلة سلطان الإماراتي إلى الفضاء ستكون في التاريخ العلمي الفضائي صفحة يعتز بها العربي والمسلم. وسترانا نستحضر إعتزازاً شعرنا به وللمرة الأُولى من حيث طبيعة الإعتزاز، ونعني بذلك رحلة الفضاء الأولى ورائدها الأمير سلطان بن سلمان الذي كان زمنذاك في التاسعة والعشرين من العمر فيما يقوم سلطان الإماراتي بالرحلة الأكثر تطوراً وإستغراقاً زمنياً وهو في العقد الرابع من العمر.

ويبقى من هذه الإضاءة على عرب الفضاء المتمثلين بإثنين من رموز التطلع نحو مواكبة النهوض العلمي الدولي الإشارة إلى عفوية الحديث عند كل من السلطانيْن. فالرائد الأمير سلطان وعندما إتصل به وزير الإعلام علي الشاعر (الراحل) ليقول له وهو داخل المركبة الفضائية أرجوك أن تبقى لأن الملك فهد (رحمة الله عليه) يريد أن يتحدث إليك ويطمئن عليك، أجاب: تطلب مني أن أبقى! وإلى أين يمكن أن يذهب الجالس على كرسي داخل مركبة في الفضاء. وأما سلطان الإماراتي فإنه وهو داخل المركبة الفضائية سيصوم شهر رمضان بكامل أيامه وسيكون دائماً يتأمل في صور أفراد عائلته الصغيرة التي سيحملها مع بعض ألعابهم. إنها منتهى العفوية لرائد فضاء عربي جديد ندعو الله بأن يكون التوفيق والإنجاز والعودة الميمونة مصير هذه الخطوة العربية النوعية على طريق التطور العلمي الفضائي.

وما دام الحديث فضائياً فإن ختامه رومانسي بإمتياز ذلك أن باز ألدرين رائد الفضاء الأميركي الشهير (ثاني إنسان تطأ قدماه سطح القمر) أعلن يوم الأحد 22 يناير/كانون الثاني 2023 أنه تزوج يوم الجمعة 20 يناير وهو في الثالثة والتسعين ولمناسبة عيد ميلاده حبيبة قديمة له هي الدكتورة انكافور (63 سنة) وتبديداً لأي إستهجان كتب مغرداً "لقد توحدنا في روابط الزواج ونحن متحمسان مثل مراهقيْن". هذا ثالث زواج له. للفضاء على ما يبدو مفاعيل غير مألوفة.

وتبقى نقطة نظام تستوجب التسجيل وهي أنه فيما تخطو دولة الإمارات هذه الخطوة العلمية فإن مدارس وجامعات في لبنان عرضة للإقفال لأن أهل السياسة والأحزاب في غيبوبة يواصلون نزوات السلطة على حساب الناس ومستقبل الأجيال.

لكن يبقى الأمل معقوداً على ما أنجزه الأمير سلطان عندما ترأس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء، وذلك قبل أن يصار إلى تعيينه مستشاراً خاصاً بمرتبة وزير لخادم الحرميْن الشريفيْن. إذ لا بد مفاعيل هذه الهيئة ستكون مواكبة للإنجازات المتتالية والتي موعدها (رؤية السعودية 2030). ومَن يزرع يحصد.