الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

مبادرة التمني على أمل التبني

الرجوع

نشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ السبت 31/12/2022

بإستثناء عظات وتمنيات تصدر من معظم رجال الدين في لبنان من أجْل إخراج "يوسف" من البئر الذي رماه فيه رموز العمل الحزبي والحركي والتياري ومعهم لاحقاً رموز التمثيل الشعبي النسبي، بإعتبار أن نواب البرلمان يمثلون فقط مَن إنتخبهم وليسوا ممثلي الشعب كما التعريف، فإن هذا الرمز الذي يمعن أولئك الحاسدون العابثون في إهانة كبريائه قابع في البئر في إنتظار مَن ينتشله.

زيادة في التوضيح إن هذا اﻟ "يوسف" هو لبنان الذي يتعاطف الأغراب مع الذي أصابه أكثر بكثير من إهتمام القيادات والزعامات السياسية والحزبية. وأحدث هؤلاء الأغراب الدبلوماسي العريق أحمد أبو الغيط، صديق محب للبنان ومتعاطف معه يوم كان وزيراً للخارجية ثم بعدما هو يشغل منصب الأمين العام للجامعة العربية. وهذا التعاطف الجزئي يندرج ضمن التعاطف الأشمل من جانب مصر التي على مدى رئاستها الجمهورية وقبل ذلك في عهد الملك فاروق وقمته العربية الأولى في إنشاص (28_ 29 مايو/أيار 1946) وما كان يرويه لنا الرئيس اللبناني الشيخ بشارة الخوري بعدما كان بات من السابقين بادئاً التحبير في سرد مذكراته عن التعاطف الملكي الذي لقيه خلال مشاركته في القمة الفاروقية، هو الدليل على ما نقول.

في الوقت الذي كان أكثر قارعي جرس التنبيه والنصح وأحياناً التحذير في أبعد مدى البطريرك الماروني بشارة الراعي يقول في عظة الميلاد "إن الكبرياء تمنع السياسيين من التلاقي والتحاور من أجْل الخروج من أزمة إنتخاب رئيس فيما أنين الشعب الجائع والمقهور لا يبلغ آذان قلوبهم وضمائرهم، أين هم من وجه الرحمة الذي إنكشف لنا في الميلاد"... في الوقت نفسه كان الكلام الطيِّب الذي صدر عن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط ما زال حاضراً في المشهد اللبناني المتزايد تعاسة. وكانت هنالك تمنيات بأن تتم ترجمة إعلان الأمين العام إستعداد الجامعة العربية لتسهل الحوار بين مفتعلي الأزمة والتهاون إلى درجة الإستهانة بإنتخاب رئيس تزامناً مع تشكيل حكومة تدير شؤون البلاد ومصالح العباد.

ومن جانبه وضع الأمين العام أحمد أبو الغيط الحريص وبما يمثل وكذلك بما هي مشاعره ما يشبه موجبات الحوار يتم في رحاب الجامعة، وذلك من خلال كلمات من نوع ما قل ودل وهو في بيروت على مقربة أمتار جنوبية حيث مقر الأمين العام الآخر ومثلها شرقية وشمالية حيث شأن الزعامتيْن المارونيتيْن أهم لجهة التعطيل من شأن الزعامة الراعية الروحية الساعية لإنقاذ لبنان بالتفاهم على ما يرضي الله ويترجم قول السيد المسيح "مَن إحترم أباه طالت أيامه فإن بركة الأبوة توطد بيوت بيوت البنين" (الأب هنا هو الوطن لبنان). وموجبات الحوار كما أوجزها أبو الغيط هي: إن الظرْف الدولي المضطرب يفرض على مختلف القيادات السياسية اللبنانية تجاوز كل الإنقسامات وإحتواءها. كما أن الحفاظ على السلم الأهلي واجب على كل لبناني في هذه الظروف الدقيقة. ويتعين أن تبقى قنوات الحوار مفتوحة ومباشرة بين جميع القوى والتيارات السياسية مع إستعداد الجامعة أتم الإستعداد للقيام بما يطلب منها في هذا الصدد...".

حتى إذا كانت المبادرة الكلامية إلى إشعار آخر من جانب الأمين العام للجامعة العربية موقفاً شخصياً، فإن مصلحة أطراف التعطيل إلتقاط هذه اللحظة قبل أن تتطاير في سماء العلاقات العربية المتأزمة وعلى نحو ما هو حاصل في تونس التي لا يتقي المعارضون الله ويتم تسهيل الأمور أمام رئيس يريد إصلاح الحال، وكذلك على ما هو حاصل في السودان حيث تحولت الأزمة إلى ما يجوز تشبيهه بالمشهد الكارتوني المتمثل ﺒ "مطاردة توم وجيري" مع حفظ مقامات أهل الحكم العسكريين وأهل المعارضة (المدنيين)، وعلى ما هي لا تتوقف محاولة تعطيل لكل تصحيح في التوجه السياسي في العراق لجهة إضفاء المزيد من الملمح العربي على العلاقة مع الدول العربية وبما لا يجعل كفة موقف الميليشيات الإيرانية الهوى والعقيدة والتسلح هي الأعلى. حدث هذا مع رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي فكان تعطيل سعيه، وهذه في المشهد محاولة مماثلة لوقف توجه الرئيس محمد شياع السوداني نحو تعزيز الإنفتاح على الأشقاء العرب ومحاولة ترويض الموقف الأميركي من العراق، فضلاً عن إعادة إحياء محاولة ترطيب الأجواء السعودية _ الإيرانية، وهذا حدث سعي في شأنه خلال "مؤتمر بغداد 2 للتعاون والشراكة" بنسخته الثانية (الثلاثاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2022) بمشاركة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي إستضافه الأردن وتم التأكيد فيه على دعْم العراق في مواجهة جميع التحديات، فضلاً عن تمنيات فرنسية على العراق للإبتعاد عن التدخلات الإيرانية.

ولكم كان مدعاة للأسى أن سوريا البشارية المحاددة أكثر من غيرها من دول المنطقة للأردن مغيَّبة عن المؤتمر. وهذا التغييب بمثابة لفت إنتباه للرئيس السوري بأنه قد آن الأوان لكي يخطو على الأقل كما الخطو العراقي في موضوع العلاقة مع إيران وبما يجعل الأشقاء العرب يساعدون على إعادة سوريا بالتدرج إلى سابق عهدها أو بعض هذا العهد، بحيث لا تعود سياستها رهن إرادتيْن إيرانية ثم روسية أودتا بسوريا الرقم الفاعل في النهج العروبي إلى سوريا غير المرحب بالتعامل معها. وفي هذا الصدد لا بد أن المواطن السوري الذي إصطف بؤساً إلى جانب المواطن اللبناني يتساءل في لحظات الإكتئاب: لماذا يمكن لرئيس حكومة العراق إكتساب ثقة الدول العربية وبالذات دول الخليج ويعبِّر عن ذلك بمواقف لا تريدها إيران فيما لا يفعل ذلك الرئيس بشَّار، والذي لو هو فعل لكان إصطف في مؤتمر "بغداد 2" في عمان إلى جانب الملك حسين والرئيس عبدالفتاح السياسي والرئيس ماكرون وولي عهد الأردن الأمير الحسين بن عبدالله وممثلي قادة دول الخليج ولكان حضوره سيبدو بمثابة تأشيرة للعودة إلى الخيمة العربية يؤدي في جلسات مؤتمراتها وفي زيارات متبادلة ما يعيد سوريا إلى سابق رونقها.

هنا يجوز القول إن الأمين العام في مبادرته لمساعدة لبنان على إستضافة رموز تعطيل أحواله ومنها إنتخاب رئيس جمهورية وتأليف حكومة، إنما يرى أيضاً حاجة سوريا إلى حوار بين أطراف قواها التي جعلت الوطن الواحد أوطاناً متناثرة، فشلت جولات المحادثات في جنيف على حسْمها، ربما لأن الذين يشرفون على الحوار لا يريدون نهاية ترضي الجميع.

وكما يجوز القول، فإنه يجوز التمني بتحويل مبادرة الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط لمساعدة الأطراف اللبنانية على الحوار إلى التبني من مجلس الجامعة وبتوجيه من الملوك والرؤساء والشيوخ وبذلك تأخذ المنحى الرسمي، كما بذلك تطوى صفحة من كتاب الأزمات المستعصية وتستقيم الأحوال ربما في العام 2023 بعدما لم ننعم بهذه الإستقامة في العام 2022. وعلى الله الإتكال لتيسير الأمور.

فؤاد مطر