الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

رئيس ولّى.. فمن سيتولَّى

الرجوع

 

نشرت في صحيفة " الشرق الأوسط"
بتاريخ الجمعة 2/11/2022

أخْذاً بقاعدة التعويض عن أفدح الضرر السياسي والعائلي، فإن الطرف المصاب بالضرر إلى درجة الفاجعة أحق بالمنصب الذي خسرتْه العائلة بفعل إجرامي. وعملاً بهذه القاعدة فإن النائب في البرلمان اللبناني ميشال معوض أحق من غيره في أن يكون رئيساً للجمهورية اللبنانية بعد إنصراف رئيسها في اليوم الأخير من هذا الشهر الغازي، بإعتبار أن المكسب الوحيد الذي سيناله اللبنانيون بعد الآن وبموجب إتفاق تم إبرامه برعاية أميركية بدل أن تكون الأمم المتحدة هي الراعي والضامن لتطبيع غير مكتمل النمو، أن الغاز سيتواصل نفثاً من تحت مياه البحر مع كثير الأمل بأن يأتي يوم ويبدأ إستخراج الغاز وكذلك النفط من باطن أرض في منطقة سهل البقاع ومناطق أُخرى. والعِلْم عندالله.

ليس اللبنانيون الآن في كنه سر هذا التوافق اللبناني _ الإسرائيلي على مسألة غازية. فقد كثرت الإدعاءات ومعها الإفتراضات كما كانت هنالك حالة إبتهاج من جانب رئيس العهد المنصرف ميشال عون الذي كان جنرالاً بالفعل في موضوع الكنز الغازي المأمول وكان توقيعه على وثيقة الإتفاق "الجنرال عون" وليس "الرئيس عون"، وأنه كثير الإعتزاز بأن تاريخ لبنان في سنواته العونية سيتضمن ما معناه أن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وأياً كان سيناريو الترسيم تفاوضاً وتوقيعاً ومشاورات سبقت ولا أي توضيح عنها، كان بحذاقة إدارة الرئيس عون ودبلوماسية الحليف المقاوم الذي دعا إلى طي الصفحة الجهادية بالسلاح والمسيَّرات، وهذا يمحو ما سبق إقترافه من تعطيل لمصالح العباد ووضع البلاد على مشارف أسحق الهاويات.

أحقية ميشال معوض لا ترتبط بحضوره غير المستفز كما حضور آخر أو آخرين. ولا بكفاءته وسمعته وثقافته، وإنما لأنه الصورة الحية الناطقة للأب الذي كانت الآمال معقودة عليه بأن رئاسته للجمهورية ستحقق ﻟ "إتفاق الطائف" إستقراراً وتُبعد عنه محاولات إفتراس كالتي تكاثرت على مدى ست سنوات لم يصد العهد العوني الغوائل عنها. وكانت كثرة التنظير السلبي والإفتراء على هذا الاتفاق ستتزايد، لولا أن رئيس البرلمان نبيه بري قال في اللحظة الأخيرة أو في لحظة الإستدراك أنه، كما الرئيس السلف السيد حسين الحسيني، يرى ضرورة التمسك ﺒ "إتفاق الطائف" وليكف المشاغبون على هذا الاتفاق عن حراكهم الذي ينتج أجواء شعبوية إنما لا يحقق زعامة وطنية.

ولكم كان أمراً بالغ الأهمية لو أن الذي قاله الرئيس بري لدرء الخطر يلحق بالإتفاق من خلال تصريح برسم الطرف الذي رعى الاتفاق، جاء في بيان صادر عن الثنائي الشيعي، وبذلك يفتح مثل هكذا بيان ثغرة في جدار زادت صلابته وبات لا بد من تعامل معه قريب الشبه بالتعامل التاريخي مع جدار برلين.

القول بأحقية الإبن ميشال معوض للترؤس بعدما أصاب إرهاب الدولة إمكانية بناء لبنان مستقر وقوي، وذلك بإغتيال الوالد رينيه معوض تفجيراً، بدا كمَن هو تدشين للتعامل تباعاً رأساً بعد رأس مع الأخيار من رموز العمل السياسي، سبقتْه محاولة شقت طريقها بسلاسة ملحوظة وتمثلت في أن الدية (أي التعويضات) التي كانت بعد تفجير مماثل للرئيس الواعد بشير الجميل جاءت من نصيب شقيقه أمين الذي ترأس البلاد في زمن عاصف حاول جاهداً تخفيف حدة إعصاراته على أنواعها. وإذاً فإذا جرى ترئيس النائب ميشال معوض، لا يعود الأمر على درجة من الإستغراب.

في تاريخ الرئاسات السابقة لم يحدث أن كانت هنالك فواجع تستوجب أن يرث الإبن أو الإبنة والدها الذي قضى صريع تفجير. الرئيس الأول بشارة الخوري لم يورِّث أحد الإبنيْن. والرئيس الثاني كميل شمعون لم يهنأ بما فيه الكفاية لكي يفكر بالتوريث. والرئيس الثالث فؤاد شهاب لم يرزقه الله إبناً وهو حتى أبى أن يجدد الرئاسة. والرئيس الرابع شارل حلو رحل ولا ذرية له لكي يفكر بالتوريث أو بتبني رئيس. والرئيس الخامس سليمان فرنجية فجع بما هو الأكثر إيلاماً على النفس وهو أن يقضي ولي عهده مقتولاً. ثم يربي الحفيد لكي يكون الذي سيشفي الجرح المعنوي في نفس الجد. ولقد سعى الحفيد أشطر سعي وكان للرئاسة أن تحط في رحابه لولا أنه أسير توازنات لا ترحم. والرئيس السادس الياس سركيس أحب الرئاسة بتسلمها وعندما أمسك بمفاتيح دهاليزها بات يرى أن كرسي رئاسة البنك المركزي كانت أكثر طمأنينة لنفس جالسها من كرسي رئاسة الجمهورية وغادر وهو الذي حاله لا زوجة ولا بنين أو بنات معتل الصحة ثم شاء القدر أن يقضي خارج الوطن، فيما أمين الجميل يصبح ثامنهما مترئساً بالتوافق إنما من دون أن يواصل من حيث مضمون القسم الذي أداه الشقيق الذي بعدما كان الرئيس السابع الذي عليه الكم الكبير من الآمال، لكن برنامج مقصلة الرؤوس الواعدة شملته ولم يبق من بشير الجميل إلاّ الأحلام بوطن لن تحققه الصيغة الطوائفية، ونماذج من البشيريين يحاول كل منهم الإيحاء أنه بشير الثاني، ولكنه لبنان الذي بات غير ما في البال... وفي التطلعات والأحلام.

لم يُكتب للرئيس الواعد رينيه معوض أن يكون التاسع الذي على يديه تتساوى كفتا المعادلة الطوائفية حيث أردوه تفجيراً، ليتسلم الرئاسة العاشرة الياس الهراوي حليفاً لسورياً الأسدية كما حال الرئيس الحادي عشر الجنرال اميل لحود. وأما الرئيس ميشال سليمان فإنه تنبه قبل فوات الأوان، وقرر من أجل أن يكون منسجماً مع حسه السيادي والتوافقي الإنصراف محمود السيرة حامداً شاكراً.. وطبعاً لا تفكير بأي توريث.

مضى الرئيس الثالث عشر ميشال عون من دون أن ينعم بما كان يتطلع إليه وهو التمديد كالذي ناله الياس الهراوي وإميل لحود. ولكن سوريا الأسدية التي حققت للإثنين تمديداً هي غير سوريا التي باتت في حال لا تُحسد عليه ولا أوراق تلعبها أكثر من الإحتفاظ بالورقة الإيرانية زائداً الورقة الروسية مضمومة إليهما ورقة "حماس" ونصيب من ورقة "حزب الله" ... هذا إلى ما قبل الترسيم وطيف ثروة الغاز بعد أحيان، ومعهما قدرة رفض مطلب اللحظة الأخيرة (لترسيم الحدود بحراً وبراً) يتقدم به الرئيس ميشال عون المنصرف ويرفضه الرئيس الصامد بشَّار الأسد.

تكون الرئاسة دية تعويض لهم عما فقدوا كثيرون. هنالك السفيرة المتألقة تريسي شمعون التي فقدت والدها داني الذي كان قرة عين الجد كميل، وهنالك كاروس إده أو أحد الإديين الذين لهم في ذمة لبنان الكثير لأنهم لم ييسروا أمر ترئيس عميدهم ريمون الذي كان خير مَن يترأس وإنتهى محزوناً في غربة فرنسية أشبه بغربة الجنرال عون الذي وظفها لاحقاً فترأس.

وحتى اللحظة ما قبل الأخيرة من إنقضاء الفترة الزمنية للرئاسة (منتصف ليل 31 أكتوبر 2022) كانت الساحات السياسية حافلة بالتكهنات وبالأسماء والمناوبات حول مَن سيتولى. وهذا أمر يتفرد به لبنان دون غيره من الدول الرئاسية، حيث أن كل ماروني ذي شأن أو ثروة أو إنتماء لطرف خارجي ولو على حساب وطنه، يعتبر نفسه الأكثر أحقية بمنصب رئاسة الجمهورية.

حمى الله هذا الوطن الذي جعلوه أشبه بلعبة وهم المتلاعبون. وأما الشعب فصريع التحزب إلى أن يهديه الله إلى صواب إختيار الحياد صيغة دستورية للوطن تنشر الطمأنينة على الجميع.

فؤاد مطر