الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

فرصة تعوِّض فرصة ضاعت

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الثلاثاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022

 

في مسلسل تضييع الفرص حيث تخفف المفردات العاقلة من خشونة التصريحات والمواقف المجنونة لبعض القادة الذين يتشاركون أزمات بعضها على مشارف العداوات التي تفجر حروباً، ضاعت على العالم من أقصاه إلى أقصاه والذي يمضي أيامه مسكوناً بالخوف من الآتي الأعظم، فرصة كان يمكن الإستفادة منها لو إكتمل العقد بمشاركة قادة الدول، وبالذات المرتبط سلطان حكم الواحد منهم بحالات عالقة وعلى درجة من أن تفرز حروباً طاحنة، في الدورة العادية اﻟ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة وليس إرسال مَن يمثلهم ويكون حضور هؤلاء لإلقاء كلمة تقليدية وإجراء مشاورات شكلية... كان يمكن لو إكتمل العقد وجاء الكبار لكان هؤلاء باللقاءات المباشرة بعضهم لبعض ما قد يهدىء كل منهم روْع الآخر. وبالمفردات الودودة وهادىء الكلام عند التحادث بعد ذِكر الله وإستحضار الحكمة والضمير والتواضع، تطمئن القلوب. الفرصة التي ضاعت في رحاب المنظمة الأممية في نيويورك يمكن في حال صفاء النيات تعويضها من خلال إنعقاد قمة العشرين في أندونيسيا يوم 15-16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وللمرء أن يتصور أهمية إنعقاد الدورة وقد إلتقى رئيس الولايات المتحدة جو بايدن والرئيس المحارب فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ورئيس الحكومة البريطانية (قبل إنصرافه) بوريس جونسون حول مأدبة عشاء يقيمها لهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كمضيف وشاهد على اللقاء في جلسة تاريخية يكون طبق التهدئة فيها هو حلوى هذا العشاء.

ومثل هذا اللقاء من شأنه أن يفيض أهمية في حال إرتأى الأمين العام المضيف وبعد إستمزاج أراء الخمسة إنضمام قادة، لدولهم التأثير الفاعل في معالجة محنة المصير التي يواجهها العالم جرّاء موضوع فلسطين المرجأ حسم أمر علاجه عقداً بعد عقود وحرب بوتين المستهجنة على أوكرانيا، ونعني بذلك وليّ العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الإماراتي محمد بن زايد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة الإسرائيلية بائير لبيد. وخلال أحاديث جلسات تناول القادة الأحد عشر قهوتهم يضاف ولا بد المزيد من المساندة والتفهم لما إرتآه الخمسة الكبار الحائرين في أمر معالجة أمور حربية إستجدت وتهدد التوازن الدولي.

ما نقوله هنا ليس من باب الإستحالات، بل لعله من الضرورات التي تلغي المحظورات، وهو ما يتطلبه واقع الحال الدولي بقاراته الخمس التي تعيش إهتزازات متقطعة قد تنتهي زلازل ماحقة في أي لحظة.

وفي هذا العشاء السري كونه يقتصر على رموز الحرب والسلام الممسكين كل بيمينه مفتاح الحل إن هو أراد، أو بالأحرى إنه يريد بل وبكامل إرادة الإستعداد حيث لا أحد من المتعشين إلى المائدة الأممية ويريد الحرب، ومَن بادر بها أو سعى إليها فإنه تواق إلى سبيل إنهائها بفعل أدق إحتياج. الرئيس بايدن يتطلع حالماً إلى دورة رئاسية لا يخطفها منه الرئيس اللدود ترمب أو جمهوري متوازن. بوتين السبعيني يتطلع إلى ولاية رئاسية جديدة وهذه لن تحققها له حربه الذي إفترض أنها ورقة تربح فإذا بها بعد خمسة أشهر ملامح ورطة. وهي إذا كانت العقوبات المتبادلة لن تحسم أمرها فإن النووي لا يحقق حلاً ولا حتى دخولاً مكللاً بكوارث النووي وفواجعه على العالم فضلاً عن أن النووي المضاد سيحرق الأمجاد المأمولة والعباد المستسلمين لقرار لا رأي لهم فيه. والرئيس الصيني الحليف شي جينبينغ المكتفي بمسايرة لفظية لا أكثر يتطلع إلى رئاسة مديدة ويرى أن وقفة إستراتيجية مع الصديق بوتين ستلقي ظلالاً على التطلع الذي من أجله عدَّل الدستور وهو عوض أن يشارك بوتين في ما يدمر، فإنه يفضل الإطلالة على العالم بإنفراجات داخلية تبدأ بنسائم ديمقراطية ومواجهة الفساد وإنحناءة تكتيكية في الموضوع التايواني بحيث لا يتجاوز التحدي عروضات جوية  وتصريحات أقل حدة تجاه أميركا من حيث المفردات من تصريحات بوتين، كما يفضل الإطلالة من خلال هدايا رمزية لبعض دول العالم التي تعاني مثل هدية مبنى أوبرا الذي أهداه قبل أيام إلى لبنان الذي بات على مقربة من اللحظة التي هي بين النقطة التي تحدد بعد بضعة أيام إما بداية خروج من النفق المظلم والظالم وإما الهلاك صدمة تليها صدمات. ومثل هذا الإهداء ليس جديداً على هبات الصديق الصيني لبؤساء العالم فهو سبق قبل أربعة عقود أن أهدى السودان الذي كانت حاله ماضياً شبه سيئة وقد تصبح حاضراً مثل حالة لبنان وسوريا والعراق واليمن، مبنى يحمل إسم "قاعة الصداقة" كان مبهراً للنظر وقصراً جمهورياً آخر للرؤساء إلى جانب القصر الأساسي الذي لم يهنأ أي من الرؤساء الذين سكنوه بنعمة الاستقرار. ومع تلك القاعة إرسال طواقم طبية أفادت في تعليم مئات السودانيين فنون الطب الصيني بدءاً بوخز الإبرة تليه فنون طبية طبيعية أتقنها سودانيون خير إتقان. وهذا ليس كل شيء فللخبراء الصينيين أفضال في مرحلة من مراحل إكتشاف النفط الذي لسوء الحظ إنعكس إنشطار السودان إثنين حتى الآن، وبات الإستخراج والتسويق بمثل حال النفط العراقي راهناً وحال النفط اللبناني المأمول إستخراجه إلى جانب الغاز ثروة قد تقسم لبنان إثنين كما إنقسم السودان شمالاً وجنوباً، والعراق عرباً وكرداً فيما أهل كركوك يرنون بالبصر نحو أردوغان الشغوف بالتدخل في أكثر من سيادة عربية وبالذات السيادات السورية والعراقية بعد الليبية، عسى ولعل يخص أولئك الأهل بالنصيب الوافر من خيرات آبار كركوكهم التركمانية.

وقد نجد مَن يستغرب حدوث ذلك العشاء السري وكيف سيلتقي بعض الأضداد مع بعضهم. والجواب إن الذين نفترض إجتماعهم هم ضيوف عشاء أممي. فكما أن سقف قاعة الدورة العادية للجمعية العادية للأمم المتحدة يظلل الجميع، فإن لذلك العشاء السري تلك الصفة الأممية بمعنى أن الجميع حاضرون كضيوف بدعوة من مضيف أندونيسي تكمن أهمية صفاته بأنه شريك دور تاريخي شعاره عدم الإنحياز، كما أنه مع كل العالم وليس مع أحد في وجه أحد أو أكثر.

والأهم من ذلك إن ذلك العشاء السري قصراً على الأقطاب الخمسة بمشاركة القادة الستة الآخرين، قد يكون المدخل لكل من هؤلاء يمتشق مفتاح الحل الذي في عهدته وتبدأ عملية إقتحام الأبواب الموصدة للأزمات العالقة ويتم ذلك ضمن نهج جديد وفق قاعدة روحية تقوم على أن الله مالك السموات والأرض وأنها لمعصية لرب العالمين أي حرب تحدث أو إحتلال يستمر... أو إستعمال الغذاء والثروة الطبيعية من نفط وغاز ومياه التي هي نعمة المولى للناس، ورقة للتجويع وإفناء العباد برداً وإظلام منازل وتعطيل مدارس الأجيال وشبكة التواصل والإتصالات.

 الفرصة الأهم ضاعت، أو بالأحرى أضيعت. الكبار الذين يملكون القرار والمبادرة لم يحضروا الدورة اﻟ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة. معظمهم أرسلوا من يملأ المقعد ويقول بعض الكلام من على المنبر. بقيت إمكانية إجتراح الأمل المنشود في رحاب رموز بعضها يرفد ولي الأمر فيها دولته والأمتين بما يرضي الله بالجديد من التطور والتحديث. وبعضها دائم الحضور في غرفة عمليات حرب إختلط فيها الحابل التوسيعي بالنابل النووي تلويحاً وليس للإستعمال.

ما زال الأمل منشوداً بأن تعوِّض قمة العشرين في أندونيسياٍ ما لم يتحقق في رحاب الجمعية العامة للأمم المتحدة. يلتقي العشرون ويقررون مبدأ السلام على الأرض وفي الناس المحبة.. وليس على الدنيا السلام بكبسات أزرار من أصابع أيادي مرتجفة. والله الهادي إلى سواء السبيل.

فؤاد مطر