الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

قمة... ولا سائر القمم

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأحد 11/9/2022

أما وقد إستقر أمر القمة العربية الدورية على إنعقاد وفي موعد محدد هو الأول والثاني من نوفمبر 2022، فإن دوراً قومياً ينتظر أهل الحُكْم في الجزائر المستضيفة والمبتهجة بإنجاز وطني بالغ الأهمية تحقق خلال الزيارة الثانية التي قام بها للجزائر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ناشراً في أجوائها المكهربة تجاه فرنسا نوايا صادقة من شأنها الشروع المتدرج طي صفحات قرن وثلث من الإستعمار الفرنسي للجزائر. وهذا الدور القومي المأمول لم يحدث أن كان العالم العربي بالحاجة إليه كما الحاجة في هذه المرحلة التي وصلت أحوال بعض الأقطار إلى أنها مرشحة للتشقق يسبق التقسيم. ولنا على سبيل المثال أحوال دول خمس هي لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن، وثمة خشية من إنتساب محتمل من جانب السودان إلى الدول الخمس الأمر الذي يعني أن العالم العربي عالمان: دول مستقرة ومهتمة بالتطوير وتقوية الأواصر مع دول ذات تأثير ملموس وحضور فعال في القرار الدولي ودول مكتوب على الشعب فيها من بعص حاكميها العيش التعيس وبالذات الشعب اللبناني الذي يشاء توقيت إنعقاد القمة أن رئيس لبنان لن يتمكن من المشاركة فيها كون رئاسته تنتهي يوم (31 تشرين الأول/أكتوبر 2022 فيما القمة تنعقد في اليوم التالي) ربما لمصلحة القمة أنه الرئيس العربي الوحيد لن يشارك.

هذا الدور الذي نعنيه هو خروج القمة، وبزخم من جانب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون كونه رئيس القمة المستضافة، بلجنة للتوفيق بين الأطراف المتشابكة في الدول العربية الخمس لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن ومعها السودان الذي على أهبة أن تنتهي أحواله الهادئة المحيرة في الوقت ذاته إلى ما أوصل العناد والتحديات في الدول الخمس من صدمات وكوارث، أي نصف العالم العربي بات معتلاً.

وثمة الكثير من التفاؤل بتقريب المسافات بين رموز التحديات والتهديدات، ذلك أن الجميع باتوا وبنِسب متفاوتة يأملون في مسعى تقوم به لجنة مفوضة من القادة العرب وبذلك لا يعود كل طرف على موقفه مفترِضاً أن له السند العربي الذي يسعى خيراً. فضلاً عن أن مقترَح الحوار صيغة حل المتشابكين في الدول المعتلة لا يبدو مجدياً بل وأحياناً غير مرحَّب به.

وإلى ذلك إن موافقة مجلس الجامعة العربية الذي حسم وزراء الخارجية العرب منه أمر إنعقاد القمة الدورية يوميْ الأول والثاني من نوفمبر الآتي، على تعيين مرشح السعودية خالد محمد منزلاوي ومرشح قطر علي بن إبراهيم المالكي أمينيْن عاميْن مساعديْن للجامعة العربية ولمدة خمس سنوات، مدعاة للتفاؤل خيراً تجده الأمة، ذلك أن الدولتيْن تمثلان دول الخليج المهتمة بأحوال دول النصف المتوعك مع الأمة وبتنوع الاهتمام بين نصح وغوث، وحراك غير الظاهر منه هو الأهم. ولنا على سبيل المثال في السعي المتعدد الأوجه قبل ثلاثة أشهر من جانب وزير خارجية الكويت أحمد ناصر الصباح ووزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني خلال محادثات في العمق أجراها كل منهما في لبنان، وكذلك في الأجواء الطيبة التي أحدثتها الدبلوماسية السعودية ميدانياً في شخص ممثلها في لبنان السفير وليد بخاري.. لنا في هذا السعي وما تزامن مع إنفراجة إماراتية وقطرية وعمانية في ما يخص العلاقة مع سوريا، ما يجعلنا نفترض أن قيام الأمين العام المساعد محمد منزلاوي بمهمة من جانب الجامعة العربية لدى دول النصف المتوعك في الأمة يحمل تفسيراً إستثنائياً كما يعكس تفاؤلاً بتحقيق خطوة على طريق ما هو مرجأ من خطوات. الشيء نفسه يقال في حال أن التكليف رسا على الأمين العام المساعد القطري.

وأما بالنسبة إلى ما هو في مقدور الرئيس عبدالمجيد تبون القيام به وقد بات رئيس قمة العرب لسنة كاملة، فإنه الدعم لكل من الأمين العام المساعد السعودي والأمين العام المساعد القطري في حال تكليف كل منهما بدور لدى رموز الحالات المستعصية الحل حتى الآن في الدول الست وهي تكراراً لبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن وتحقيق الحوار الذي يديره طرف يريد خيراً ونعني هنا الأمين العام المساعد للجامعة بإفتراض تكليفه بالمهمة كما حال الجامعة ماضياً وتكليف الأمين العام المساعد بمهمات تنتهي لفقدان عنصر التأثير، زيارات وتصريحات عابقة بالتمنيات التي لا تثمر تجاوباً وحلولاً.

وعندما يمارس الرئيس تبون الدور الداعم للمهمة المشار إليها يقوم بها الأمين العام المساعد، فإنه بذلك يبعث من الذاكرة ما سبق أن فعله الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين الذي أمكنه بالحس الوطني من جهة والحرص على أن يكون الجوار المسلم في أهدأ حال، وبالذات الجوار العراقي _ الإيراني، تحقيق وفاق بين قطبيْن في "أوبيك" لم يصل قائد نظام في العالميْن العربي والإسلامي في العناد إلى ما وصلا إليه ونعني بذلك الشاه محمد رضا بهلوي و"السيد النائب" صدَّام حسين الذي كان شأنه أنه الرجل القوي في النظام الذي يترأسه أحمد حسن البكر. رحمة الله على الجميع.

ومن الجائز القول إن في شخص الرئيس عبدالمجيد تبون الخاصية التي في شخص الرئيس بومدين، وإلاَّ كيف أمكن الرئيس تبون الذي يستضيف القمة العربية الدورية بعد بضعة أسابيع، أن يتبادل مع الرئيس ماكرون إستنباط وحلول تُنهي بالتدرج تداعيات متوارثة وبغضاء محفورة بعمق في النفس الجزائرية تجاه فرنسا أمكن رئيسها ماكرون البدء بمحو الأكثر قتامة فيها.

أن يُحسم أمر إنعقاد القمة العربية الدورية ذلك ما يبعث في النفس الأمل بأجواء من الطمأنينة وبحيث تكون قمة ولا سائر القمم ينشدها الملايين. وأما أن تحقق القمة النتائج المأمولة فهذا موضع إختبار لنوايا الذين سيعقدون قمة عادية تستوجب من جانب الملوك والأمراء والرؤساء قرارات قمة إستثنائية. والله الحَكَم والعدل.

فؤاد مطر