الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

هيهات من الصدرية الذلة المالكية

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الخميس 4/8/2022

قد يكون السيد مقتدى الصدر إختار لإشعال فتيل وثبته أن تكون متزامنة مع الأيام العاشورائية بما تعنيه هذه الذكرى للشيعة عموماً وما تُحدثه في النفس من شجن مقرون بالعبارة الحسينية التي هي رمز الذكرى. وهكذا بدت الوثبة كمن يقول السيد مقتدى الصدر للجمع المليوني المشارك فيها "هيهات أيضاً مني ومنكم الذلة المالكية...".

ونحن عندما نصنف الحراك الصدري المباغت بأنه وثبة، فعلى أساس أنها الخطوة التي يعبِّر فيها الصدر الممسك بالناصيتيْن: ناصية التراث الديني وما أصاب هذا التراث من نكبات وإعدامات. وناصية التراث السياسي الذي تحقق بعد فوز مبهر للصدرية في الإنتخابات البرلمانية. ولقد جاءت هذه الوثبة بعد غضبة على إستهانة لحقت به من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي السياسي الملتحف بدعم النظام الإيراني وصلت إلى حد التلفظ بما أشعل الغضب في النفس الصدرية.

وقبل الغضبة التي تبعتها الوثبة كانت للسيد مقتدى وقفة من المالكي عبَّر عنها كلامياً. ونتذكر بشكل خاص عبارات قالها في مؤتمر صحافي عقده يوم الخميس 3 أبريل/نيسان 2014 في النجف، وكانت إذا جاز التصنيف الطلقة الأُولى لإنطلاق "ماراتون" المنافسة بين الصدر المنفتح على سائر القوى وكذلك على المحيط العربي وبين المالكي المستقوي بالنظام الإيراني الذي وجّه تنظيماته الميليشياوية إلى الإلتفاف حول المالكي دون غيره من سائر الرعويين.

ومن جملة ما قاله السيد مقتدى في ذلك المؤتمر وتفسير دواعي وثبته العاشورائية التي لم تشبهها وثبة من قبل "ما زلت بعيداً عن السياسة كونها، ما عدا المخلصين، عملية أطفال وأنا لست طفلاً وقد إعتزلت ما هو خطأ. ولكن إذا إستدعى شيء التقويم وكانت هناك مصلحة سأتدخل، وأنا الآن لا أتكلم بالواعز الديني والوطني والإسلامي...". وقال أيضاً: "صوت الانتخابات قادم وأنا على يقين من أن صوت الدكتاتور لن يفلح. إن الشعب هو الذي سينتصر لا الولاية الثالثة للمالكي ولا غيرها. أحب أن أوجه نصيحة إلى الأخ المالكي إذا كان يظن نفسه أنه خدم العراق فليسترح أربع سنوات...".

هذا التقييم من جانب الصدر قبْل ثماني سنوات للمالكي أنتج في ضوء ترتيبات سياسية من بينها عودة المالكي كقوة من خلال محمد شياع السوداني كرئيس حكومة تخلف حكومة مصطفى الكاظمي، الغضب المتدرج الذي أنتج بعد التسجيل المتضمن عبارات إعتُبرت مهينة وعدائية في نظر الصدريين الذين ما أن أطلق سيدهم النفير حتى كانوا عند حُسْن تقدير مقتدى الصدر للموقف. أدوا صلاة جمعة لا صلاة بحجمها وبمشاعر المصلين من قبل. لكن القراءة المالكية للخطوة لم تأخذ قدْرها من التهيب وبقي تعامل المالكي ومَن حوله ووراءه مع موضوع ترئيس السوداني، بمثل ذلك الذي حدث في لبنان والمعروف بمأزق توزير الإعلامي جورج قرداحي. ومثلما كان المأزق نتيجة كلام مسجل لقرداحي فإن المأزق العراقي كان متصلاً بكلام مسجل للمالكي الذي يحتضن مشروع إستعادة الشأن من خلال ترئيس محمد مشاع السوداني مع ملاحظة أن هذا الأخير مكتمل الكفاءة للعمل الحكومي رئيساً للوزراء كما كفاءة جورج قرداحي وزيراً للإعلام. ولكنها البغضاء والولاءات التي تحول الآمال إلى نكسات.

ومع أن الأعمال في النيات وفي القدرة على الإنجاز وليست في التسميات، إلاّ أن تردد عبارة الرئيس السوداني كرئيس للحكومة العراقية وترداد العبارة كعناوين في الصحف أو عبر الأثير ومن خلال نشرات الأخبار في الفضائيات مثل "الرئيس السوداني يقر موازنة العراق" أو "الرئيس السوداني يتحادث مع الرئيس الإيراني لضبط حراك الميليشيات في العراق"... إن ترداد تلك العبارة وغيرها كثير ستحرج رئيس الحكومة نفسه وبني قومه العراقيين الذي قبل أن يعتادوا على الأمر سيحتارون هل إن القائل هو رئيسهم أم رئيس السودان.

قد تبدو الملاحظة من جانبنا على درجة من الخشونة، ولكن واقع الحال يفرض ذلك؟

ويبقى في شأن الوثبة الصدرية في حال بلغت آخر المحطات إنها ستدخل التاريخ جنباً إلى جنب. وإن إختلفت الصفحات، مع الثورة البلشفية والثورة الفرنسية، فهي سجلت سابقة تحمُّل هجير الصيف العراقي حيث الحرارة تصل إلى الدرجة الخمسين. ولولا إقتحام مبنى البرلمان وإستيطانه فيما مكفيات الهواء تعمل الأمر الذي خفف من وطأة الحر الشديد على المقتحِمين، لكانت ربما حدثت إغماءات بالألوف وربما ما هو أكثر من الإغماءات.

في إنتظار المزيد من الهوامش والمفاجآت الصاعقة في المشهد العراقي، نجد الرئيس الأميركي بايدن طريح الفراش من دون أن يأخذ في الإعتبار أن هذا الذي يجري هو نتاج الحرب الأميركية على العراق ثم إلغاء جيشه فإحتلاله فتركه صريع الرهانات الأميركية والمراهنين من لاعبين ومتلاعبين. وهذا قدر العراق الغاضب والمغضوب منه والمغضوب عليه.

فؤاد مطر