نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ السبت 9/7/2022
منذ أن بدأت صيغة الإجتماعات العربية وفق الترتيب الأبجدي وذلك كي لا يبقى الإنطباع السائد بأن الإنعقاد حكر على مصر بحكم أن مقر الجامعة العربية في القاهرة، باتت كل دولة عضو تنتظر بلهفة وصول دور الإنعقاد إليها فتتأهب للحدث المستضاف وتجري لهذا الغرض عمليات تأهيل لمقرات الإستضافة وتجميل للشوارع. والتأكد من أن كمية أعلام الدول الأعضاء متوفرة لديها. ولهذه الورشة كثير من الفعاليات وكل ذلك بغرض التباهي بأن إستضافة هذه الدولة للإجتماع العربي كانت الأفضل وأن المضيف إكتسب سمعة طيبة تجد صداها في نفوس الأشقاء العرب. وهذا الصدى ينعكس على الإرتياح تعزيزاً للمصالح على أنواعها.
والأهم من هذا التبرج، أن يتأمل المضيف في طبيعة علاقات الدولة مع الأشقاء المستضافين الذين يشاركون في المؤتمر الذي ينعقد بموجب الصيغة الأبجدية، والذي في حال لم يأت الإنعقاد على أكمل وجه، فهذا يعني أنه سينتظر سنوات لكي يكون من حقه أبجدياً إستضافة المؤتمر. وبالنسبة إلى ما يخص العلاقات فإن واجب المضيف تصحيح مواقف عاتية أو خلافية وإستباق يوم الإنعقاد ببضعة أسابيع بزيارات وتصريحات وخطوات ترتاح لها هذه الدول الشقيقة العاتبة أو تلك. كما تكون على هامش الزيارات والتصريحات إلتفافة على مواقف حافلة بالمفردات غير المستحبة والتي من شأنها إلحاق الأذى بالسمعة، وإطلاق أوصاف على ممثلي دول شقيقة أو صديقة لا تليق بقائلها فضلاً عن أنها تتساوى مع قذيفة تطلق على روح حرَّم الله قتلها. ونحن لو أحصينا عشرات العبارات التي تندرج في هذا المنحى المتجني، لرأينا أنها ألحقت الأذى المتعمد بالوطن الكيان والشعب على حد سواء، وأضرت بشخص مطْلقها خصوصاً إذا هو من المعمَّمين.
مثل هذا السعي لتصحيح الصفحة اللبنانية الحافلة بالتجني على دول الإقتدار العربي بالذات لم يحدث. وبذلك بدا إنعقاد الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب في بيروت يوم السبت 2 يونيو/حزيران 2022 خالي الحيوية فلا التجنيات التي تنطلق من لبنان عولجت ولا العائد من التصريحات الشكلية والمرتجفة كان مثمراً، وبدا المأمول من الاجتماع لا يتجاوز عبارات منقوصة الدفء عكس ما هو المأمول من اجتماع يعقده رموز الدبلوماسية العربية الذين هم في العادة يعكسون مواقف أهل الحكم كل في دولته. وكان من شأن مشاركة وزراء خارجية كل الدول الأعضاء وليس الإستعاضة عن التمثيل الرفيع بتمثيل يعكس طبيعة التحفظ على لبنان الرسمي، أن يشكل الاجتماع دعماً كثير الفعالية للبنان الذي يعيش منذ خمس سنوات أكثر سنوات الحكم خروجاً على الأصول والواجبات مع تفريط ممنهج بالعلاقة ذات العائد الإنقاذي سياسياً وإغاثياً. لكن الإجتماع تنطبق عليه تسمية اللقاء الموسّع وذلك لأن نسبة عدم مشاركة وزراء خارجية بعض الدول تفوق نسبة المشاركين. وهكذا بدا الذين حطوا رحالهم في بيروت يوم السبت 2 يونيو 2022 وكما لو أنهم مثل الذين يشاركون في مأتم أو سياح خمس نجوم وبضع هلالات ليومين في بيروت المكلومة. ومن الجائز القول إن وزراء الخارجية الذين شاركوا لو كانوا على إحاطة بأن تمثيل دول مثل مصر والسعودية والإمارات والبحرين لن يكون على مستوى وزراء الخارجية لكانوا ربما آثروا المشاركة بالمستوى التمثيلي نفسه. وهنا وفي السياق نفسه يجد المرء نفسه يتصور أي مردود معنوي وعملي كان سيجنيه لبنان لو أن الدول المشار إليها تمثلت في المؤتمر على مستوى وزراء الخارجية وتحميل كل وزير من الخطوات والنوايا ما تجعل اللبناني الغارق في جحيم إدارة للحكم غير مسبوقة يتفاءل بأطياف الطمأنينة تبدد سوء حياته ومساوىء حاكمين بجناحيهم جناح القابض الحليف المقاوم وجناح المقبوض على قراره في إنتظار تسديد آخر إستحقاق عليه بعد شهرين. مع ملاحظة أن هذا الجناح يتطلع حالماً إلى تجديد صيغة تقاسم الحكم. ومن شأن القمة العربية الدورية التي تتأهب الجزائر لإستضافتها أن تكون طبيعة مصير الحكم في لبنان إما موضوع تشاور وإما من البنود في جدول الأعمال التي تتطلب الحسم كي لا ينتهي الأمر بلبنان خارج الجمع العربي كما حال سوريا التي كان أمراً لافتاً أن الإجتماع التشاوري الدبلوماسي العربي ينعقد في بيروت التي كانت ذات يوم "هونغ كونغها" على مسافة سبعين كيلومتراً من عاصمة الأمويين سابقاً الأسديين راهناً ومع ذلك فإنه محرم عليها المشاركة في الإجتماعات والمؤتمرات العربية إلى حين.
كما يبقى ما هو الألفت ونعني بذلك أنه في الوقت الذي كانت الدولة الرسمية للبنان حائرة في أمرها وماذا ستقول للأشقاء الوافدين إلى الاجتماع في بيروت، كانت الدولة غير الرسمية تنجز إنعقاداً وتوصيات ولقاءات وزيارات بروتوكولية إطلالة على مستوى القمة الثورية الفلسطينية متمثلة بزعيم "حماس" إسماعيل هنية وطاقم قيادة التنظيم الثوري ويقول الضيف ومضيفه "حزب الله" من التعابير التي ذكَّرت بعض اللبنانيين بما كان يقوله الرئيس ياسر عرفات. وفيما كان الاجتماع الدبلوماسي العربي باهتاً بدءاً وختاماً فإن القمة الثورية (حزب الله _ حماس) كانت على درجة من التحدي الذي لا رفْض ولا تحفُّظ ولا إعتراض عليه من رئيس الدولة الذي لو أحيط مسبقاً بطبيعة إطلالة إسماعيل هنية ورفاق حركتهم الثورية على لبنان، لكان تمنى على شريكه في حكم لبنان بحاله الحاضرة، إرجاء زيارة الأشقاء الفلسطينيين وفعاليات زيارتهم إلى ما بعد إنقضاء الاجتماع العربي. ولكن سبق السيف الثوري العذل العوني _ الباسيلي. في هذا يجاز التساؤل: هل لو أن مرجعية سياسية لبنانية حزبية وجهت الدعوة إلى زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي كي تزور بيروت وتعقد فيها بإعتبارها عاصمة مباحة أو مستباحة أو ذات خصوصية ديمقراطية مؤتمراً صحافياً كان سيتم إستقبالها في صالة الشرف في المطار وتزور بحكم شأنها الإيراني المهم الرؤساء ميشال عون، نبيه بري، نجيب ميقاتي؟
في أي حال ليست جديدة فرصة أن اللبنان يضيِّع فرصة عربية فضية، هذا للبنان المجلل بالأوزار والأحزان والشدائد على أنواعها والفاقد بالتدرج ملامح خصوصيته ورونق معالمه كدولة كانت حجزت كرسياً لها في المشهد المتنامي والمتطور فقد ضيَّعت الفرصة تلك طبيعة الإمساك بالدولة من طرفين غير مقتنع كل منهما بمفهوم الآخر ومشروعه، لكن التحالف كان رفقة طريق دفع المواطن اللبناني أثماناً لا حصر لها وربما لن يكون هناك علاج للنوائب على أنواعها في المدى المنظور. ولن يغيِّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وبولاءاتهم. والله الشاهد.
فؤاد مطر