الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

ما تمنيته ﻟ "السيد المقاوِم" و ﻟ "الأستاذ الآمِل"

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأربعاء 25/5/2022

هذا النحو من الكلام الذي صدر عن أولياء أمور القوى الحزبية بتنوع كياناتها، بعدما وضعت العملية الانتخابية أوزارها الثقيلة الوطأة على نفوس اللبنانيين، أمر يُحمد عليه قائلوه وبصرف النظر عن الجهد الذي بذله كل من هؤلاء لترويض مقاصده من بعض العبارات كي لا يفسر الجمع الشعبي على أن سيد الحزب كما رئيس الحركة كما صنوه رئيس القوات فرئيس التيار ورأسيْ أرث الجد والإبن ومع هؤلاء بعض المحلقين في الكوكب الحريري وهنت عزائمهم، وأن ما يقوله كل منهم من شأنه أن يترك في النفس وقفة تساؤلات في الحد الأدنى وخيبات في الحد الأقصى، فيصيب بالتالي الكيانات التي يتزعمها هؤلاء ما منيت به حركات مقاومة فلسطينية وأحزاب وحركات عربية حيث على سبيل المثال باتت حركة "فتح" ومن قبل رحيل سيدها ياسر عرفات "فتْحات" لكل طيف "فتْحه" بتسمية منمقة يختارها قبل أن يغادر عاتباً أو مصدوماً أو إلتحاقاً بنظام ثوري عربي يحتاج إلى ورقة فلسطينية في مشروعه لغرض في نفس أمَّارة بالتزعم الأبعد مدى العابر حدود وطنه. كما أصاب التبعثر التنظيم الثاني الأهم في الفضاء الفلسطيني المقاوم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وفي حياة سيدها الدكتور حبش الذي عندما رحل كان تنظيمه بات "جبهات"، شأنه شأن الشجرة العقائدية الرائدة "حركة القوميين العرب" التي كانت "الجبهة الشعبية" غصناً منها والتي رحل رموزها وأحدثهم الدكتور أحمد الخطيب. ويحضرنا هنا قول المثلث العقيدي محسن إبراهيم على كثرة الإنقسام المشار إليه "إن محسن إنشق عن إبراهيم وأحمد إنشق عن جبريل ونايف إنشق عن حواتمة وهاني إنشق عن الهندي ووديع إنشق عن حداد وأحمد إنشق عن الخطيب وغسان إنشق عن كنفاني وصالح إنشق عن شبل وحامد إنشق عن الجبوري وبسام إنشق عن الشريف". وإلتحق الزوبعيون بعدما إرتحل سيدهم الذي يحمل رتبة "الزعيم" بالموكب الإنشقاقي وبذلك بات حُلم هلالهم الخصيب بعيد المنال وباتت النجمة قبرص مثبتة دستورياً بين اليونان وتركيا.

بات رموز المقاومة الفلسطينية في ذمة الله وبات إرث الإنقسام على حاله. ثم لم يثمر إمساك حزب البعث بالسُلطة في كل من العراق وسوريا في تقديم تجربة حزبية مستقرة في العالم العربي، بدليل إنتهاء البعث في العراق إسقاطاً وسجناً وشنقاً وإجتثاثاً وشتاتاً في المنافي العربية والدولية. وأما البعث في سورياٍ فإنه بضعة سطور من الصفحة الأخيرة في كتاب ليس واضحاً أمر طيه، وهل تكون النهاية أقل مأساوية من الذي جرى في العراق أو مثيلة لها.

ما يعنينا قوله هنا هو أن إعادة النظر في الحد الأعلى وتعديل الخطاب وأسلوب المخاطبة في الحد الأدنى هو ما كان رموز العمل الحزبي والحركي والتياري في لبنان مطالَبين به من قبل وبالذات بعدما تقرر إجراء الانتخابات البرلمانية. وبصرف النظر عما إذا كانت خشية أسياد تلك التنظيمات الحزبية من وقفات تأمل ومساءلة النفس تحدث في صفوف المحازبين وتصل إلى حد التبعثر على نحو ما أوردناه كأمثلة وأصابت تشققات تبعتها إنشقاقات، فإن عدم مكاشفة الناس من قبل أن يبدأ الإستحقاق الإنتخابي وعلى نحو ما قيل إضطراراً بعد إعلان النتائج وما أحدثته بعض الأرقام والوقائع من صدمات، كان سيعكس إنطباعاً بأن أولئك الأسياد يريدون التكفير عن تصدعات حدثت في المجتمعات اللبنانية الطوائفية وأنهم يريدون من الناس المغفرة وإعتبار الإستحقاق الإنتخابي إختباراً مثل الفحوصات الطبية والمخبرية والتي في ضوء نتائجها يأتي الدواء لمعالجة الداء.

من هنا فإن ما قاله الأسياد أولئك بعدما وضعت العملية الانتخابية الأوزار فجاء تبعاً لذلك وفي ضوئها بعض الحق والحقائق والتفاؤل خيراً بزهوق الباطل بكل ما حفلت به خمس سنوات ختامها بعد خمسة أشهر... من هنا إن ما قالوه يترك في النفس بعض التفاؤل يمهد وبالتدرج والإفصاح بنسبة من الضمير عما جاء في بعض الأقوال إلى أن مفردات النصح والتهدئة وعدم التطاول على الآخرين تحتاج إلى المزيد من التذكير والتركيز عليها في كل إطلالة تلفزيونية أو خطبة من على منبر أو تصريحاً لوسيلة إعلامية، وذلك من أجل نشر أجواء الطمأنينة التي تكتمل فصولاً عندما يأخذ المتباعدون بالحكمة الإلهية التي تؤكد على أن كتاب الله هو الذي يحكم بين الناس وليس "حزبه" ولا مشروع هذا الحزب. وتؤكد أيضاً على أنه لا إكراه للرعية في الإقتراع وإبداء الرأي، إذ عندما يكون لا إكراه في الدين كما المبدأ الإلهي، فإن الإكراه في الإلتزام بالأمور الدنيوية الصادرة من البعض مثل فرائضية الإقتراع لطيف في حد ذاته وهذا إفقاد لجوهر العملية الانتخابية التي أساسها حرية الإختيار وليس إجبارية ولطيف دون آخر.. إن مثل هذه الإكراه يناقض جوهر المبدأ الإلهي. ومع ذلك حدث الإكراه وكانت حالاته لا تدعو إلى الطمأنينة بدليل أن مفردات خطابهم في ضوء النتائج الصادمة نسبياً تؤكد ذلك. وهذا يجوز التساؤل: أليس كان الأكرم تضمين الحملة الانتخابية طمأنة الرعية من قِبَل أسيادها بأن يمارسوا الحق الإنتخابي إختياراً وليس إكراهاً، وإستبدال الترهيب بالكلام الذي يندرج ضمن جوهر الكلام الذي قيل بعد إعلان النتائج. فما دام ممكناً هذا الذي قيل تبريراً لصدمات إنتخابية لم يخطر في البال حدوثها، لماذا لم يسمعه المحازبون وسائر اللبنانيين قبل ذلك وعندها تُجرى الانتخابات على نحو ما تُجرى في دول يتبادل الحاكم مع المحكومين إحترام الرأي، ويصبح الإقتراع في هذه الحال بمثابة إستفتاء على المصير.

خلاصة القول إن في طيات العملية لو حدثت عبرة ودعوة إلى كلمة سواء تقال. الكتب السماوية هي التي تحكم بين الناس والتي تؤكد على أن لا إكراه في أن تقال كلمة الحق من جانب الإنسان إختياراً وليس قمعاً لفظاً وإفتعال عراك وصولات درَّاجية ليس فيها ملمح بسيط من الأصول كما من الشجاعة.

للتمنيات نحو كبار القوم الإنتخابي اللبناني بقية. لكن يبقى ما يتمناه المرء ﻟ "السيد المقاوِم" هو إعتبار كلامه بعد إعلان نتائج الإستحقاق الإنتخابي الذي كان صادماً له، بداية نهج جديد في التخاطب وفي إضفاء الكثير من اللبننة على خطابه مع أنفاس عروبية.. هذا إذا كان لا يريد إصابة مقاومته بما أصاب حالات مقاومة ونضال حزبي على مدى نصف قرن مضى وذلك لأنه كما لا إكراه في الدين كذلك لا إكراه في إرادة الناس. وعندها سيقال إن المقاومة كانت بوجهيْن. أدت الدور العسكري وعليها بعد اليوم أداء واجب المشاركة في إعادة ترميم الوطن بدءاً بالإكثار من الكلام الذي يحنن عوض الكلام الرعدي المزمجر الذي كان في إستمرار يجنن يصدر من حناجر البعض وكأنه قذائف نارية. ولكي لا يكون الأمر تعميماً فإن "الرئيس الآملي.. العاملي" كان نبيهاً ومتنبهاً فلم يصدر منه على مدى ربع قرنه الترئيسي سوى الكلام الذي يروم منه جاهداً بلسمة جراح الحليف الشريك العميقة من دون أن تُشفى تماماً.

وأختم بالتمني لو أن الرئيس نبيه بري إقتبس من الجنرال شارل ديغول قراره عندما رأى أن لا إجماع عليه فآثر الإبتعاد إلى قريته الصغيرة وبقي فيها في الظل مكلَّلاً بوهج تاريخي حظي بمثله الجنرال الآخر فؤاد شهاب قراراً وسلوكاً وطريقة عيش.

ومَن يعنيه ذكْره دائماً بالخير يفعل ذلك.

فؤاد مطر