الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

اللبناني وأشقاؤه الصابرين على الضيم

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ السبت 14/5/2022

على مدى السنوات اللبنانية الست العجاف في معظم نتاج مواسمها الرئاسية والحزبية والإنتخابية والمذهبية، لم تبق كلمة إساءه متبادلة لم ينطق بها هذا الطيف أو ذاك أو أولئك. وكان التراشق على حساب المواطن وزعزعة متدرجة للبنان الوطن والخصوصية والعلاقات مع العالم العربي، وجعْل مَن كانوا دائماً عندما تلم بلبنان أزمة أو صراعات تشل شرايين حيويته ينفرون منه نفرة غضب عابر على بعض رموزه السياسية والحزبية، ثم لا يلبث الغضب أن يتحول إلى عتب فإلى معاودة الاهتمام المقرون بالنصح. ولنا في حيوية حراك سفير خادم الحرميْن الشريفيْن لدى لبنان وليد البخاري وسفراء الكويت وقطر ودولة الإمارات والحدب الأردني والمغربي والمصري والعراقي والبحريني والعماني ما يعطي فكرة عن الاهتمام المشار إليه. هذا إلى جانب الحدب الإيراني الإنتقائي المتمثل ببطاقات التأمين وبصهاريج المازوت الآتي من طهران إلى لبنان عبْر الجار السوري.

وهذا الإهتمام بشقيْه العربي والدولي أثمر إمكانية إجراء انتخابات برلمانية بعدما كان الشك عالي الدرجة في إلغائها وبحيث يبقى الوضع على ما هو عليه، يتقدم على اليقين بأنها لا بد ستجرى وستكون المؤشر إلى حالة من الإنهيار لا يرتجى علاجاً لها، أو حالة من الصحوة تشكل ملامح بداية مرحلة من الاستقرار فتستقيم المعادلة السياسية والحزبية ولا تعود الأحوال على ما هي عليه طول السنوات الست العجاف.

وعلى مدى خمسة أشهر سبقت بدء الإنتخابات التي حُسم أمر إجرائها لم تبق كلمة حق من أصحاب النوايا الطيبة لم تُقل حول ضرورة أن تُجرى الانتخابات وبحيث تكون نتيجة أرقام صناديق إقتراع الناخبين منزهة عن التلاعب. ويذكر اللبنانيون الآملون بالخير دعوات صالحات من أجْل أن تُجرى الانتخابات. وهذه الدعوات الصادرة عن المرجعيات الروحية دون إستثناء أفادت في أن حالة من النهوض حدثت تمثلت الترجمة لها بحماسة نوعية لممارسة اللبناني واجبه الإنتخابي في بلاد الإغتراب الإختياري والقسري وفي الوطن المبتئس آملاً أن يحدث القليل من التغيير الكثير الذي يرنو إليه.

وبالمقارنة مع المفردات التي إتسم بها الخطاب الروحي، فإن بعض مفردات الخطاب الحزبي كانت خارج الأصول ولا علاقة لها بالمناخ الديمقراطي الذي إعتبر هؤلاء أنهم تحت سقف المناخ الذي يجيز لهم التعبير الذي يريدون. وتلك فرية في حق المناخ الديمقراطي الذي يجيز للسياسي التعبير عن رأي وليس إطلاق الشتائم والتجريح. وهذا كان من بين ما حفل به المشهد الإنتخابي على مدى حراك دام ثلاثة أشهر من التقاذف الكلامي الذي لا يفيد الوطن بشيء ولا يحقق للمواطن ما يصبو إليه.

بعد أقل من أسبوع سيكون هنالك لبنان برلماني آخر يؤسس للبنان رئاسي جديد، أو ربما لا سمح الله لبنان برلماني مثخن بسلبيات الحياة البرلمانية على مدى سنوات لم يعط ممثلو الشعب اللبناني برلمانياً ما من شأنه إثبات أن النائب في مجلس النواب من واجبه أن يكون عند حُسْن ظن الذين إقترعوا له وليس توظيف العضوية البرلمانية في ما لا يفيد الشعب في شيء.

وإذا نحن إفترضنا من باب التفاؤل بالخير نجده أن مفاجأة تبعث الطمأنينة في النفوس محتملة الحدوث وبحيث لا يبقى القديم على قِدمه وإنما تنحسر ثوابت الأمر الواقع التي طالما كانت مكابدة لبنان الوطن والشعب منها تفوق التحمل، فإن ما من الواجب البحث في شأنه وبكل إحساس بالمسؤولية هو تحويل مطلب الحياد من مجرد مناشدة إلى تفعيل. وكخطوة أُولى يقرر لبنان برلمانه الجديد المأمول خيراً منه، في حال أن المفاجأة التي تبعث الطمأنينة في النفس حدثت، طرْح صيغة الحياد على الإستفتاء الشعبي الذي تُواكب وتراقب يوم أو أيام إجرائه لجان مراقبة أممية. فإذا قال الشعب نعم للحياد يصار إلى إستعمال الإجراءات الدستورية والقانونية المعمول بها، أو يطوى تحت تأثير عدم التجاوب إلى حين آخر... برلماناً أكثر إستقلالية ورئاسة جمهورية متجردة من التحزب والتحالف والمبالغة في العلاقة الشخصية العائلية.

وبالحياد يعود السلاح إلى الذين أرسلوه أو يسلَّم إلى أصحاب الحق في إمتلاكه لإستعماله عند وجوب الإستعمال (جيش البلاد). ويعود حاملو السلاح إلى مجتمعهم المتعايش ويتظلل الجميع عندئذ بالمناخ الديمقراطي الصحيح. وتنشط سواعد الجميع من أجْل أن يستعيد لبنان شأنه وإستقراره وإزدهاره. وتنشط المقاومة المجتمعية على طريق البناء محل المقاومة التي كانت خياراً شخصياً وفئوياً وضمن مشروع تنافس القوى الإقليمية.

وفي هذه الحال تصبح السنوات التي مضت وبالذات الست العجاف منها مرحلة أفادت في أن يستعيد اللبناني وعيه، وكما لو أنها الوسيلة لكي يصحو من إستغراق في أحلام أشبه بالكوابيس. إذ لولا عَجْف تلك السنوات وبعض سنوات سبقتها لما كان للتغيير المستحيل أن يصبح ممكناً. وهذا ما يأمل اللبناني المستقيم الرأي أن يعيشه بدءاً من بعد أيام قليلة. وعندها فإن مَن صبَر ظفر. واللبناني كما شقيقه السوري والعراقي والفلسطيني والسوداني والتونسي والليبي واليمني، جميعهم من الذين كابدوا وما زالوا وصبروا وكان الله معهم. وبإنقشاع الظروف الرئاسية والحزبية والميليشاوية والمذهبية الثقيلة الوطأة تستعاد حقوقهم في الحياة الأفضل هدياً بالقول الطيِّب إن الصبر ضياء وإنه أيضاً صبران صبر على ما يكره المرء وصبر على ما يحب.

فؤاد مطر