الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

قمتا التيسير لمعالجة التعسير

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأحد 8 مايو/أيار 2022

ربما من محاسن المناسبات الإنقاذية للأوضاع المرتبكة التي تعيشها دول كبرى وصغرى على حد سواء، أن هنالك في "الأجندة" الدولية وكذلك في "الأجندة" العربية قمتيْن هما دون سائر القمم المسبوق إنعقادها بالغتيْ الأهمية: القمة العربية الدورية التي من سوء حظ المعوِّلين عليها أن مضيفها الجزائري دفع بها من موعدها المقرر والمتعارف عليه (أواخر شهر مارس/آذار من العام الحالي (2022) إلى اليوميْن الأوليْن من شهر نوفمبر/تشرين الثاني). وها هي الأمور العربية تراوح ما كانت وبقيت عليه مكانها تعقيداً وتأزماً. وعند التأمل في المشهد المتتالية محطات مآسيه نجد أن هنالك ما يشبه "الماراتون" لجهة المراوحة في نقاط الخلافات. لبنان على حاله في ما يشبه الخبط عشواء. والسودان على حيرته التي لا خلاص منها إلاَّ بالحوار الذي لا إجتثاث ولا تهميش لطيف فيه. وتونس التي تفاءل شعبها خيراً برئيسها الأكاديمي على أساس أنه ليس من طينة الأحزاب ويريد تنقية جذرية للوطن من الشوائب ها هو الرئيس قيس بن سعيد يطرح لاءات جديدة تعيد بذاكرة المتابعين إلى لاءات سبق أن أخذت حيزاً لها صمد بعض الشيء في منهاج العمل العربي المشترَك، ونعني بها لاءات القمة العربية الإستثنائية في الخرطوم _ سبتمبر 1967) عندما توافَق الملوك والرؤساء على لا صلح ولا تفاوض ولا إعتراف بإسرائيل، إنما ضمناً من دون رفض أي مبادرات من شأنها إيجاد أرضية للتسويات غير المشروطة وبما يحقق حالة من السلام في الشرق الأوسط. بات رموز تلك القمة في ذمة الله وبقي الصراع على حاله وحلت محل اللاءات الثلاث إتصالات وتبادُل زيارات ومناقشة أفكار وعلاقات دبلوماسية وزيارات ما زالت من الجانب العربي على مستوى مسؤولين حكوميين فيما هنالك إندفاع من رموز قمة السُلطة في إسرائيل لتأدية الزيارات. وأما الرئيس قيس بن سعيد طارح اللاءات الجديدة فإنه كان في زمن قمة الخرطوم فتى في التاسعة من العمر لا يفقه موجباتها.

اللاءات "القيسية" المقتبسة من اللاءات "الخرطومية" تصلح برنامجاً لرئيس في لبنان سيحل أوان ترئيسه بعد بضعة أشهر في ضوء إنتخابات برلمانية ربما تأتي نتائجها بالتغيير وبما يحقق للشعب آماله المرجوة في إستعادة وطن يُخشى عليه من نازلة رئاسية غير تلك المأمولة، بمعنى أن يكون رئيس لبنان للسنوات الست الآتية من غيرٍ طينة رئيس لبنان السنوات الست التي قاربت على الإنتهاء.

كما أن اللاءات "القيسية" تصلح وصفة علاجية لليبيا ذات الحكومتيْن الغارقة في لجة النفط التي جعل شرقها يعادي غربها وتؤكد هذه الحال البالغة السوء التي تعيشها مقولة الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا. وتصلح الوصفة أيضاً للعراق الذي ما زالت الريح الإيرانية تلفح صفحة عروبته بمثل اللفح الذي نال من صفحة عروبة لبنان ومن صفحة عروبة سوريا التي من شأن القمة العربية المرجأة أن تساعد رئيسها على أن يقلب الصفحات صفحة تلو أُخرى ويستعيد سوريا بحيث تعود رقماً عوضاً أن تبقى عبئاً، وتساعد الوصفة كلاً من لبنان وليبيا والسودان والعراق وفلسطين الإيرانية الهوى بهمة بعض حماسييها على الإنتقال من الحال البالغ السوء التي يعيشها كل من هذه الأوطان إلى الحال الأحسن وإن حدث ذلك بالتدرج.

وأما القمة الأُخرى والأكثر أهمية فإنها قمة العشرين المصادف موعد إنعقادها في جزيرة "بالي" (أندونيسيا) في الشهر نفسه للقمة العربية. ولقد كان المألوف عن قمة كبار الشأن المالي والإقتصادي في العالم ومنهم المملكة العربية السعودية التي تُمثل أمتها في الجمع الدولي هذا، أن هذه القمة تنعقد بسلاسة وتكون خير فرصة لكبار الشأن أن يلتقوا ويتشاوروا ويوطدوا الأواصر. كما ترتبط بهذه القمة لحظات تؤسس لعلاقات نوعية ومنها على سبيل المثال تلك اللحظة التي تمثَّل مشهدها بالرئيس بوتين يشد على يد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز تقديراً من جانب روسيا للمملكة التي يمثلها في القمة بتكليف من خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان وتعبيراً عن رغبة في بناء علاقة إستراتيجية كتلك التي تبنيها المملكة مع بعض الدول مثل الصين وبريطانيا وفرنسا وباكستان ومصر إلى جانب العلاقة الإستراتيجية العريقة مع الولايات المتحدة، ثم حديثاً مع تركيا في ضوء زيارة رئيسها رجب طيب أردوغان إلى المملكة والتي كانت مناسبة لتهنئة وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان بالذكرى الخامسة لبيعته ولياً للعهد وصاحب رؤية مستقبلية تبشر بالخير.

وتكمن أهمية قمة العشرين للكبار أنها تأتي في الزمن الدولي العاصف وفيما أواصر العلاقة بين الولايات المتحدة ومعها معظم دول الحلف الأطلسي من جهة وروسيا من الجهة المقابلة، في أعلى درجات التوتر وبحيث أن لغة الكلام الجارح والمستفز المتبادَل والمرفَق بالتهديدات فضلاً عن العقوبات المتساقطة كالصواعق من جانب الغرب على روسيا، باتت تجعل المخاوف مما هو أعظم واردة ولا يبدد ذلك سوى خطوة متأنية مغلفة بالتعقل.

ولعل إتصال الرئيس أردوغان قبل مغادرته إلى السعودية بالرئيس بوتين في مسعى لتحقيق ما سبق وعبَّر عنه بوصفة "حفظ ماء الوجه" وزاد عليه الطلب من الرئيس الروسي إعتماد صيغة تبادل الأسرى مفتاحاً للباب الموصد، قد يحقق بعض المبتغى. كما أن مبادرة البابا فرنسيس قبل ذلك وإبداء الإستعداد لزيارة موسكو من أجل تعطيل أي فعل شرير، وإستبدال التلويح بالأعظم من جانب روسيا، أي النووي الذي لا أعظم منه أذى للبشرية وليس لدولة دون أخرى، من شأنها أن تشكل تبريداً للمرجل الروسي _ الأطلسي الذي تغلي فيه التصريحات الإستفزازية المتبادلة وبالذات الروسية _ الأميركية. وما هو برسم الخشية أن تمارس المجموعة الأطلسية من الضغوط على أندونيسيا لكي تؤجل اجتماع قمة العشرين إلى حين أو حتى ترجىء من دون تحديد موعد، وتكون هذه الضغوط حلقة في مسلسل العقوبات المتتالية على روسيا والتي وصلت إلى حد تعليق عضوية روسيا في هيئة السياحة التابعة للأمم المتحدة وجاء التعليق بعد أيام من لقاء الأمين العام للمنظمة الأممية غوتيريش بالرئيس بوتين في موسكو.

ما هو مدعاة للتفاؤل بإنعقاد قمة العشرين في جزيرة "بالي" أن أندونيسيا ذات سمعة عريقة وحضارية في موضوع إستضافة القمم منذ قمة "بريوني" في حقبة حركة عدم الإنحياز وكان يمثل العالم العربي فيها الرئيس جمال عبدالناصر كما أن ما هو مدعاة للتفاؤل أن توجيه الدعوات بدأ وأن جميع الأطراف أميركا وحليفاتها قبل روسيا ومَن معها بحاجة إلى تفادي ورطة ما هو أعظم، ذلك أن هذه الورطة ستعطل تمديد رئاسات وسقوط أمجاد وخراب بيوت وتبعثر علاقات بدءاً بالكبار. ومن هنا فإن الرموز الفاعلة وبالذات أميركا والصين وروسيا وبريطانيا وكندا والسعودية وكوريا وماليزيا تتطلع إلى أن يكون التيسير هو السبيل لمعالجة التعسير. وهذا ما ترنو إليه الشعوب من أولياء الأمور. وعلى الله الإتكال.

فؤاد مطر