الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

ربيع رمضاني واعد

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأربعاء 13 أبريل/نيسان 2022

 

في إنتظار أن تصفو بقية أجواء سياسية عربية مشارقية ومغاربية وبحيث يحدُث في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين وتونس وليبيا والسودان ما إرتأى إخواننا اليمنيون إنجازه وإعلانه من الرياض في يوم ربيعي رمضاني كريم (الخميس 7 رمضان 1443 _ 7 أبريل 2022)، أستحضر من بين أوراق في الحفظ والصون تلك التي توثِّق "خُطبة البيعة" التي ألقاها خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز يوم الجمعة 23 يناير/كانون الثاني 2015 التي تتضمن قولاً له أشبه بالعهد "إن أمتنا العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها وسنواصل في هذه البلاد، التي شرَّفها الله بأن إختارها منطَلقاً لرسالته وقِبلة للمسلمين، مسيرتنا في الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف وجمْع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا...".

كذلك أستحضر تفاعُل الرئيس عبد ربه منصور الذي أمكن إنقاذ شرعية رئاسته فلا يشملها الإطباق الحوثي على نحو ما جرى للعاصمة صنعاء ومؤسسات الحُكْم، مع ما قاله الملك سلمان في "خُطبة البيعة". أما كيف جاء التفاعل فمن خلال مناشدة خادم الحرميْن الشريفيْن وقادة مجلس التعاون الخليجي وذلك في رسالة بعد شهرين (24 مارس/آذار 2015) "تقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي...". ولقد حدثت الإستجابة وكان "مؤتمر إنقاذ اليمن" الذي عقده القادة الخليجيون في الرياض (17_19 مايو/أيار 2015).

ما يراد قوله في ضوء هذا الإستحضار تذكُّراً ينفع الذكرى أن العلاج السياسي للأزمة اليمنية وبما يحقق السيادة وإستقلالية القرار ونبْذ ظاهرة الميليشيات كان له الحيِّز الكبير في المعالجة السعودية للموضوع اليمني، وأن ما حققه السعي المتقن من جانب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وضع الملك سلمان العروبي بإمتياز أساساته. كما أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمة الله عليه كان سعى ما أمكنه السعي لترويض الصراعات اليمنية بأمل أن تبقى حصراً في الإطار الوطني اليمني السياسي وسد أي أبواب أو حتى نوافذ يتسلل منها مَن يريد سطواً على الإرادة اليمنية وفق مفاهيم مذهبية وخريطة طريق ميليشياوية. ولو أن الحكمة مع بعض الحصافة ودبلوماسية التعبير أخذت فرصتها في "الدويلات" الحزبية السياسية لكان أمكن تفويت الفرصة على الجمهورية الثورية الإسلامية في إيران إعتبار اليمن ومن خلال حوثييه "حقاً شرعياً" لتطلعاتها وبالذات من الخاصرة الأكثر أهمية وهي المملكة العربية السعودية. هنا يلوم المرء أشد اللوم تخريجات الرئيس (الراحل) علي عبدالله صالح، كونه إعتبرها تعزز سلطانه فإذا بها تقوِّض رئاسته وتؤسس للمزيد من العتب عليه.

تضيع فرصة أو أكثر ليس معنى ذلك طي محاولة السعي المقرون بالصبر الجميل والساعد القادر على رد الإيذاء المتعمد طائرات مسيَّرة. وما أن تبدأ الأطياف اليمنية الإيرانية الهوى تميز بكثير من الوعي والدقة بين ما هو ذاتي وما هو لمصلحة الوطن، فإن التنازلات والتضحيات والرؤى الموضوعية لا بد ستتقدم على التشبث الذي يزيد الهدم هدماً والبؤس أنواعاً جديدة من البؤس وسمعة غير مستحبة على مستوى الجار والأخ والصديق لا تليق بمن لهم صفحات تراثية في تاريخ الوطن ماضياً في زمن كان عقلاء القوم يديرون شؤون البلاد والعباد.. رحمة الله على النعمان والارياني ورفاق درب بناء اليمن الوطن مع النُخَب السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي سارت على النهج القويم ومن دون الوقوع في الشراك الثورية. هنا يستغرب المرء خشونة تعاطي إخواننا الحوثيين مع المؤتمر التوحيدي. وما يلفت الإنتباه أن تعاطيهم مع الدعوة الطيبة القصد لهم من أجْل المشاركة جاء عكس ما في الدين الحنيف من وصايا في شأن أصول التحية دعوة إلى مناسبة كانت أو سلاماً صباحياً أو في أي وقت، وهو الرد على التحية بمثلها أو بأحسن منها. ولكن إخواننا الحوثيين لا قالوا شكراً ولا هم سبقوا إخوانهم الآخرين إلى الإصطفاف جنباً إلى جنب معهم في مؤتمر يستضيفه مَن يرمي خيراً للجميع.

ما نريد قوله إن صيغة المجلس الرئاسي التي إنتهى إليها المؤتمر التعاوني اليمني المستضاف في الملاذ الحادب وبمنأى عن أي ضغوط أو ترغيبات، هي الفرصة التي ربحها "يمنيو اليمن" بمعنى الأطياف الحريصة على وطنية موقفها وسيادة اليمن الصديق المتفهم المتعاون غير المؤذي لمَن حوله، وضاعت مؤقتاً على يمنيي الطيف الحوثي الذي يبني مواقف على أحلام صعبة التحقيق.. هذا إذا لم نقل إنها قد تنتهي كوابيس. والقول إنها ضاعت مؤقتاً على أساس أن الطيف الحوثي المغرد على أغصان أشجار حديقة ثورية إيرانية سيكتشف آجلاً ما لا يريد إكتشافه عاجلاً، أن المؤتمر التشاوري في الرياض كان بمثابة وسيلة إنقاذ له من مصير آت ذات يوم بحكم التغيير الطوعي للنظام الإيراني المساند تداركاً لإحتواء صفقة ما مع الإدارة الأميركية وإستباقاً لغضبة شعبية على سوء الحال وتردي الخدمات وطول مناكفة الآخرين عرباً ومسلمين وأجانب، وبذلك يتقدم أهل الخبرة السياسية والدبلوماسية على أهل العمائم والحرس الثوري.. هذا من دون إستبعاد المفاجأة على الطرفيْن على نحو ما حدث في أنظمة أكثر تماسكاً مثل ذلك النظام المثلث القيادة في الإتحاد السوفياتي المتواري. وفي حال حدوث ذلك تتطاير أوراق دويلات مشمولة بالتأثير الإيراني بدءاً بلبنان وصولاً إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا ففلسطين. وعندها لا يعود اليمني واللبناني والعراقي والسوري والفلسطيني يرى في غير المملكة ومعظم دول الخليج أنها الملاذ والسند وأن مواقف الإساءة قولاً مكروهاً وفعلاً مبغوضاً وبالذات تهريب المخدرات في هذا الفعل، كانت خطأ يقترب من الخطيئة.

كان التوافق الذي تحقق من جانب ثلاثة أرباع أهل اليمن عبارة عن ربيع رمضاني يمني واعد. عسى ولعل يشكِّل حالة من التأمل العميق من جانب لبنان المتفائل حكومة وشعباً خيراً بالعودة المحمودة للسفير السعودي وليد البخاري والسفير الكويتي عبدالعال القناعي سفير دولة المبادرة الخليجية التي لم يتلقفها أهل الحُكْم اللبناني المنوَّمين. وكان لافتاً حدوث تعديل جوهري في كثير من التصريحات حيث باتت مفردات الكلام حول العلاقات مع المملكة ودول الخليج والهوية العربية للبنان تتقدم على ما كان نقيضها في تصريحات صدرت من أطياف إيرانية الهوى خلال أيام مضت.

كما أن التوافق الذي حدث بعد مشاورات بوركت عربياً ودولياً إلى جانب التنويه بالحدْب الشخصي من جانب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عليها، جاء قافزاً فوق الكثير من الحواجز الأمر الذي جعل مؤتمر أهل اليمن الأخيار لا يستغرق أكثر من أسبوع وعلى أمل أن يقرأ ما تبقى من أهل اليمن ما أمكن إنجازه والإعلان عنه عشية جمعة رمضانية مباركة وبذلك يكتمل العقد ولا يعود المشهد اليمني كما من قبل مدعاة للإستغراب كيف أن واحداً من الأطياف مستمتع بإنهيار وطن يكفيه ما كابده وتكفي العائلة اليمنية الوطنية ما تعانيها من صدمات. والله التَّواب والقوي.

فؤاد مطر